ملف

“مملكة التناقضات .. المغرب في مائة سؤال”: هل يعاني المغرب من نقص الماء؟ (ح 18)

أزمة الماء زاكورة

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 18: هل يعاني المغرب من نقص الماء؟

كان ليوطي يقول “إن الحكم في المغرب هو أن تمطر السماء” (Gouverner au Maroc c’est pleuvoir) والواقع أن ندرة المياه في الصيف، على الرغم من مناخ المحيطات، تلقي بثقلها على الحياة الجماعية.

ويتناقص هطول الأمطار تدريجياً نحو الجنوب. وحده الريف، وهضبة المحيط الأطلسي شمال الدار البيضاء وقمم الأطلس المتوسط والكبير تستقبل ما يكفي من الأمطار (أكثر من 400 ملم، أو حتى أكثر من 800 في الريف). ولكن الأمطار موسمية وغير منتظمة، وحجمها السنوي يتغير من عام لآخر.

وقبل حدوث الاحترار الحالي كانت البلاد تتعرض للجفاف كل ثلاث سنوات، ولم تتحسن الأمور كما أظهر الجفاف الكبير الذي حدث في ثمانينيات القرن العشرين وهشاشة الأوضاع قديمة في الوسط القروي الذي يمكنه أن يستحمل خمسة ملايين نسمة، مع احتمال حدوث مجاعات أو أوبئة متكررة.

ولم يعد المغرب، الذي يبلغ عدد سكانه اليوم 35 مليون نسمة ومع اقتصاده المفتوح، يخشى من المجاعة. وفي حالة الجفاف، تتضخم واردات القمح والأعلاف مع إمكانية تراجع الإنتاج إلى النصف. ولا يزال الاقتصاد القروي ينزل بثقله على الاقتصاد الوطني، لا سيما عندما يحدث له جمود مفاجئ.

ولمقاومة هذا الوضع وتلبية الطلب المتزايد على المياه، ضاعفت سلطات الحماية، ثم الملك الحسن الثاني، عدد السدود. وقد تم تحصين حاجيات المدن الكبرى والهضبة الوسطى (سد بين الويدان في الأطلس الأوسط)، وامتد تحصين الحاجيات ليشمل كامل الأراضي.

في بداية القرن الحادي والعشرين، كان المغرب يتوفر على 130 سداً (ستة منها على المولوية، النهر الكبير الذي يتدفق من الأطلس المتوسط إلى الريف في الشمال ويصب في البحر الأبيض المتوسط) ويوجد ما يقرب من 60 سداً (منها أربعة عشر كبيراً) قيد الإنشاء أو مخطط لبنائها في أفق عام 2030.

وقد أدى هذا الجهد المستمر إلى تأمين الإنتاج الزراعي في الوسط والشمال وتلبية حاجيات المدن، إذا هطل المطر الكافي. لأنه، في المناطق الداخلية من البلاد، لا يمكن استخدام محطات تحلية مياه البحر بسبب الارتفاع. ويجري استعمال هذه التقنية، ولا سيما في الجنوب، ولكنها أبعد ما تكون عن الترسيخ في جميع المدن الساحلية.

في منطقة السوس الأسفل، السهل الزراعي الكبير في الجنوب، وفي حوز مراكش، بل وأكثر من ذلك في الصحراء الكبرى، تم اختبار هذه التقنية التي أصبحت ضرورية.

وقد أدخلت سلطة الحماية معايير صارمة لاحترام مستويات المياه الجوفية في سوس والحوز. ولكن هذا الرصد تلاشى مع تطور المدن ومنافسة الأنشطة التي تستهلك الماء بكثافة (زراعة الحوامض والشمّام ” الدلّاح” وملاعب الغولف والفنادق وأحواض السباحة وما إلى ذلك).

وفي الجنوب، أصبحت المياه نادرة وغير نظيفة لدرجة أن القرى فرغت من سكانها الذين هاجروها. وفي الشمال، تقوم السلطات، بمساعدة البنك الدولي، بترشيد توزيع المياه في مناطق الحبوب ومدن وقرى هضبة المسيطة.

ولكن هذا الورش الضخم يخضع للظروف المناخية التي تزداد سوءا مع مر العقود. إن معركة المغرب اللامتناهية مع قلة المياه مستمرة أكثر من أي وقت مضى، وهي تواجه طلبا متزايدا وإكراهات متنامية ً.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *