ملف

“مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”: هل أسفرت إصلاحات الملك لمدونة الأسرة عن نتائج إيجابية؟ (ح 32)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 32: هل أسفرت إصلاحات الملك محمد السادس لمدونة الأسرة عن نتائج إيجابية؟

في عام 1956، مباشرة بعد الاستقلال، عهد السلطان محمد الخامس إلى لجنة من العلماء الوطنيين والسلفيين بمهمة صياغة مدونة جديدة للأسرة الإسلامية. والواقع أن المدونة، التي سُنّت في عام 1957، أثبتت أنها محافظة للغاية وحبست المرأة المغربية في ما يسمى “معايير” الشريعة؛ حظرت عليها التعبير عن الرغبة في الطلاق أو الحصول على وظيفة أو على تأشيرة أو السفر دون إذن الزوج، وسمحت بالتطليق الشفوي من طرف الزوج وبتعدد الزوجات بشرط، كما أجازت الزواج في سن 13 عاما، ولم تسمح بالزواج المدني وسنت الوصاية القانونية الدائمة للذكورعلى النساء (باستثناء الأرامل) وفيما يتعلق بالميراث أرغمت النساء على قبول نصف حصة الذكور ومنعت الإجهاض.

هذه القوانين، التي ظلت سارية المفعول في عهد الحسن الثاني، تتناقض مع بعض الجوانب الليبرالية في النظام الملكي تجاه المرأة، وبعض التقاليد. غير أن الأحزاب السياسية والنقابات والقصر والبرجوازية والمجتمع والاتصالات مع العالم الخارجي مكنت من تحريرها، وذلك بفضل التعليم العالي والخدمة المدنية والوصول إلى الممارسات الفنية أو النضالات. وفي نهاية القرن العشرين طالبت الأحزاب اليسارية بإصلاح ليبرالي لمدونة الأحوال الشخصية لتعديل القوانين وانسجامها مع تطورات المجتمع مع الاقتباس من النموذج التونسي.

وحرصا منه على النأي بنفسه عن عهد والده المحافظ جدا قرر الملك محمد السادس أن يستعيد زمام المبادرة في مواجهة قوى اليسار وقد منحت له الهجمات الإرهابية التي وقعت في 16 مايو 2003 في الدار البيضاء الفرصة لاستعادة السيطرة على المجال الديني.

وفي هذا السياق، قام الملك بخطوة كبيرة؛ على الرغم من عدم توافر شروط المساواة القانونية الكاملة بين الرجل والمرأة، أمر أعضاء البرلمان، بما في ذلك إسلاميو حزب العدالة والتنمية، بالتصويت على مدونة جديدة للأسرة تخلصت من أسوأ المقتضيات القانونية التي كانت في المدونة القديمة فحصلت المرأة المغربية على الأهلية القانونية (ومنها الحق في السفر دون مرافق)، كما تحددت السن القانونية للزواج في 18 سنة وحصلت على الحق في التطليق إذا رغبت والحق في منح الجنسية إلى أبنائها كما أصبح تعدد الزوجات شبه ممنوع.

والواقع أنه إذا لم يتغير الميراث، ولم يجرؤ أمير المؤمنين على تغيير حكم قرآني، فإن القانون يترك هامش التقدير للقاضي الذي يمكنه منح بعض الإعفاءات والاستثناءات. لقد أصبحت أحكام مدونة الأسرة الآن طليعية وحداثية مما تسبب في حدوث رد فعل من طرف بعض الرجال وخاصة المحافظين والإسلاميين. وإذا لم يكن هؤلاء قادرين على التعبير الصريح عن اعتراضهم، فإن السياق القمعي بعد الهجمات ساعدهم على استعادة المبادرة والعودة للتأثير في المجتمع، مستغلين تفشي الفساد ووجود عدد كبير من القضاة المحافظين.

والحصيلة هي أنه في السنوات العشر الأولى، تزوجت 100,000 فتاة قبل سن 18 عامًا، مع رقم 40,000 في عام 2016. وفيما يتعلق بتعدد الزوجات وعدم موافقة المرأة على الزواج، أو ممارسات الطلاق البائدة فلا زال عندها بعض الأتباع. وهذه القوانين تطبق أيضا في فرنسا، حيث إن المغاربة خاضعون لنقس المدونة، وهو أمر لا يخلو من آثار على بعض السياسات العامة مثل التجمع العائلي. ومما لا شك فيه أن قانون عام 2004 حسّن أحوال المرأة المغربية لكنه لم يقتلع بعض الممارسات التي لا يزال الليبراليون والمناصرون في مجال المساواة بين الجنسين يدينونها بشدة.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *