وجهة نظر

بين آمنة ماء العينين واعتماد الزاهدي.. درس المحافظة “المغشوشة”

لا يستقيم أبداً أن تتحوّل الفرصة السياسية الى قاعدة تابثة، ولا أن يتحوّل حزب سياسي بمرجعية قادته الى رئاسة الحكومة في ظرف اقليمي لم يكن يقتضي غير ما كان الى ثكنة عسكرية يُحجَر فيها على النساء والشباب والأصوات المنتقدة واصحاب الأفكار النيّرة والمختلفة عن السائد، حتى ولو كنّا في حاجة ماسّة له لاكتمال الديمقراطية، فإن الغاية من وجوده تصبح في رِحاب الغموض والشكّ .

وعكس كلّ ما كان يروّج عن حزب العدالة والتنمية، من كونِه الحزب الاكثر ديمقراطية والأكثر ايماناً بالاختلاف والأكثر قُرباً من “جنّة الأحزاب المستقلة”، فقد وجدنا أمامنا عبر سنوات طويلة قضاها هذا الحزب في تسيير الشأن العام أمام خطابٍ مغايِر يصدح بغير المألوف، ينتقد ما كان قائما ويكشف حيثياتٍ خطيرة عن تحول “البيجيدي” الى أداة من أدوات استنزاف الطاقات والكفاءات في مِقصَلة المناصب والمحافظة .

ما وقع من قبل لآمنة العينين، وهي برلمانية شابّة وقيادية نقابية بارِزة، من اضطهاد واستهداف وتضييق داخلياً، في الوقت الذي كانت السيدة تحتاج الى دعم “الاخوان”، وجدت نفسهاً في وجه مدفعيتهم تتلقى النصائح وتستمع للوعظ والارشاد من طرف الملتحين والمنقّبات سابقاً، في قالِب من التشفّي والاستنقاص و”التّمرجُل” على سياسية قادِمة الى قبّة البرلمان بأصوات قبيلتها في سوس لا بعطف ورضا القيادة الوطنية في الرباط .

أكثر الأشياءِ اثارة في قضية التغيير الذي طرأ على حزب العدالة والتنمية، أو بدقّة أكثر، النفاق الخفِيّ الذي ظهرَ وطفى على السطح بعد تولّي قيادات “الاخوان المغاربة” لزمام تسيير شؤون الحكومة والتدبير، “اكثرها” هي هذا العدوان الذي بدأ يُظهِرُه روّاد المناصب ووزراء الأحذية المطّاطيّة المتمسحّين بالسلطة والدواليب الخفية إيّاها، اتجاه كل من يحمِل وراه “باكيدج” محترم من الأصوات، وشعبية قد تهدّد سطوة “الصفّ الأمامي” .

وهذا ما وقع مؤخراً مع الشابة البرلمانية السابقة، اعتماد الزاهيدي، التي خرجت للعلن بعد مسار عشرين سنة في صفوف الحزب الحاكم، لتكشِف الوجه الحقيقي لحزبٍ أُريدَ له أن يكون رمزاً مغشوشاً للاستقامة والمحافظة، وأراد قياديوه أن يروّجوا صورة “طهرانية” عنه، -خرجت- كي تؤكّد مرة اخرى أن العدالة والتنمية حزب لا يستغل الدين، وإنما يخضع لاستغلال بعض المتديّنين، من خلال فرض الاِتاوات الأخلاقية على مناضليه، وحصر سوكيات اعضائه فيما هو مكتوب ومحفوظ في كتاب “العَلن للتّقِيّة والسّر للمدلِّكات والمؤخِّرات والمقدّمات” .

وبآمنة ماء العينين واعتماد الزاهدي، ونماذج أخرى لأصوات صدحت بالحقيقة من داخل العدالة والتنمية، لا بدّ ان يدقّ المرء ناقوص الخطر في مواجهة تيّار سياسي قزّم معنى المحافظة وشوّهَه، وألصق علامَة النفاق والكفر السياسي بحزبٍ أقبَر تجربة الانتقال الديمقراطي وعطّل المسار الحداثي للملكة لأكثر من عشرين سنة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *