ملف

“مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”: هل نجح انتشار الإسلام السياسي في تغيير البلاد؟ (ح 34)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 34: هل نجح انتشار الإسلام السياسي في تغيير البلاد؟

من المجتمع التقليدي حيث كان الدين مفروضا على الجميع، انتقل المغرب، في مطلع القرن الحادي والعشرين، إلى مجتمع حيث يتم إبراز مظاهر التدين في كل مكان. وقد ظهرت بعض الصرامة الإسلامية، التي يقف وراءها منظرو الإخوان المسلمين وفرضت نفسها على المجتمع.

اخترع الإخوان مفهوم إعادة أسلمة المجتمع من الأسفل ولذلك فإن نشطاءهم داخل الأسرة وفضاء العمل والحي والمدينة والقرية، قد نسجوا بفضل دولارات النفط،، شبكات للإصلاح الاجتماعي والديني، قد يصل إلى العنف والتهديد، وخاصة فيما يتعلق بما يزعجهم، مما يعتبرونه انحرافا من طرف المغاربة عن دينهم الإسلام الصحيح.

والفرضية بسيطة، كما صاغها الداعية الإسلامي المصري سيد قطب في أوائل ستينيات القرن العشرين: إن ما يسمى “المجتمعات الإسلامية” هي في الواقع جاهلية تشبه مجتمعات ما قبل الإسلام، لأن هناك فسادا أخلاقيا منتشرا بين الناس ولذلك وقبل المرور إلى مرحلة الثورة السياسية والدينية، يجب أن تنصب الجهود على إعادة بناء المجتمع والأفراد من حيث الجانب الأخلاقي، مما يسمح بهيمنة إسلام متشدد ومبسط وله معاييره الخاصة.

لقد حدد أنصار الإسلام المتشدد لنفسهم مهمة واضحة: تطهير الأخلاق والعلاقات الاجتماعية للمغاربة فحرموا بعض الأماكن والممارسات وضيقوا على من يعتبرونهم من “المنحرفين” وأول فعل اهتموا به هو الضغط على النساء، بدءاً بالفتيات الصغيرات، لفرض الحجاب وحظر الوشم الأمازيغي، الذي يُقدَّم على أنه خطيئة قاتلة.

ثم انتقلوا إلى مرحلة التضييق على المكتبات “غير الإسلامية” والمقاهي وأماكن بيع الخمر والفنادق وأماكن اللقاءات والملاهي الليلية ودور السينما ومحلات البقالة التي تبيع الخمر وأماكن الاختلاط الجنسي وما إلى ذلك. ومعركتهم تمر عبر المقاطعة التجارية التي تدفع صاحب المحل إلى الإفلاس كما حرصوا على إبعاد من الحياة الاجتماعية: شيئا فشيئا، حتى في القرى الناطقة بالأمازبغية بدأوا يحاولون منع النساء من حضور مراسيم الدفن ومن زيارة المقابر والأضرحة.

ثم هاجم السلفيون أو هددوا المخالفين لهم حتى لو حدث ذلك في الارتباك والتعسف: المعتنقون لديانة أخرى والملحدون والمفكرون المتحررون والبغايا، والشواذ جنسياً، وشاربي الخمر ومدمني المخدرات والمسيحيون (باستثناء الغربيين) واليهود، والعلمانيون والصحفيون المستقلون والفنانون “السيئون”، إلخ.

هذا البرنامج الهادف إلى استعادة فرض الأخلاق وتعزيز الفضيلة الإسلامية ليس حكراً على المغرب. لكنه في المغرب اصطدم مع رغبة الدولة في الحفاظ على الحد الأدنى من مجالات الحرية وتطوير السياحة، فضلاً عن جاذبية البلاد، لا سيما بالنسبة لنخبها الليبرالية.

إن ضرورات الدولة هي أيضا نشر الثقافة الفرنكوفونية والموسيقى والفنون الشعبية – ومن الناحية السياسية هي مكافحة التيار الأصولي وتنمية الاقتصاد لأن جزءا كبيرا من الاقتصاد مرتبط بالتجارة الدولية والأنشطة التي تعتبر “محرمة ” مثل النبيذ والسياحة الجماعية.

ويتضامن الفاعلون الاقتصاديون مع توجهات الدولة. ومع ذلك، وكما هو الحال في الجزائر، يفلح جزء كبير من البرنامج الأصولي في النفاذ إلى المجتمع بسبب أوجه القصور في التنمية وكذلك بسبب الدعاية المكثفة التي تأتي من بلدان الشرق الأوسط.

إذا كانت السياحة مزدهرة ومازالت الحانات السياحية والفنادق موجودة، فلأن هناك مغربان. لا يزال هناك حوالي 15 مكتبة غير دينية فقط والعديد من دور السينما، ولكن 90٪ من الكتب التي تباع في البلاد هي كتب إسلامية.

خارج المدن الكبرى، أغلقت جميع حانات الخمور وتضاعفت الفنادق التي لا تبيع الخمر و معظم النساء يرتدين الحجاب وقد أصبحت مظاهر التدين وعدم الاختلاط بالرجال ظاهرة بارزة في المجتمع المغربي لدرجة أن عدا كبيرا من الأطر لا يفكرون إلا في مغادرة البلاد والفرار من هذا الجو الخانق.

لم يتقدم تسامح المجتمع المغربي، وقلة من الرؤوس العنيدة تغامر بكسر هذا الإطار المغلق لأن المخاطر كبيرة ولا يمكن للدولة أن تواجه مجتمعها، بل تحاول فقط أن تتجاوزه.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *