وجهة نظر

إيقاع جوقة الطبالين المختل

محمد راضي الليلي ومحمد حاجب

استهل فرانز كافكا روايته المسخ بـ “استيقظ جريجور سامسا ذات صباح بعد أحلام مزعجة، فوجد نفسه قد تحول في فراشِه إلى حشرة هائلة الحجم”، لو منحت لي فرصة التصرف لقلت “استيقظ جريجور سامسا ذات صباح بعد أحلام مزعجة، فوجد نفسه قد تحول في فراشِه إلى كائن نصفه محمد راضي الليلي والنصف الآخر محمد حاجب”، فأكيد أنهما أكثر مسخا من الحشرة مهما كبر حجمها، ولا أعتقد أن كائنا كان أو سيكون يضاهيهما وضاعة وقبحا وسفالة.

إذا كان تسَفُّل الشأو نقيضا للمروءة، فدنوه درجات، أعلاه إتيان الأذى وأدناه محمد راضي الليلي، فهو صفة قائمة بذاتها، وأكثر دناءة من كل فعل داعر عاهر، لأنه ألَّف وبنجاح بين الوضاعة والبلادة، وأنتج قبحا تجسد في كائن سمي خطئا إنسانا.

مثير للشفقة أن تمارس عملا دعائيا مزيفا بغباء كبير، لا الواقع ظهيرك ولا مخك ومخيخك ولا بصلتك السيسائية أسعفتك لقلب الحقائق. تصفح محمد راضي الليلي صور كل كوارث المعمور، إسراء ومعراجا، حربا كانت أو زلزالا أو بركانا أو سيولا، باحثا عن أشلاء الجرحى وآثار الدمار ولم يجد لبلادته ودهاءه المحدود إلا صورا لحروب باكستان والهند حول جامو وكشمير وفيديوهات لمناورات عسكرية يعود تاريخها إلى سنوات مضت. فأراد أن يسوق بها انتصارا متخيلا ومأمولا ولكنه في الواقع ممزوج بهزيمة نكراء وشنعاء، فعوض أن يستميل بها الضعفاء وتنطلي حيله البئيسة على البسطاء، سقط في المحظور ووقع في موائد التندر والسخرية. وعليه سأقول له، بحزم وبغيرة شديدة، خذ مني هذه النصيحة فلن تخيب بعدها أبدا، كف عن قراءة نصوص الخوارق وقصص العربي الصغير “ففي الرسوم المتحركة فقط تسبق السلاحف الأرانب”. ولا تذهب بخيالك وببحثك بعيدا مرة أخرى فحروب داحس والغبراء لا وجود فيها للصورة والمصور.

لمحمد راضي الليلي ومحمد حاجب مساران مختلفان، أولهما ترامى خلسة على الصحافة وفيما بعد خسر معركته مع الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية بعد اقترافه لأخطاء مهنية جسيمة، والثاني طال تطرفه الأداني والأقاصي من المغرب إلى باكستان مرورا بألمانيا، وتورط في قضايا الإرهاب وفيما بعد نال جزاء مخففا سبع سنوات حبسا. بيد أنه جمعت بين قلوبهما البغضاء والانتقام لإشفاء غليل لا تعرف له النفوس السليمة نهجا ولا معنى، وتألَّفت أساليبهم الدنيئة على نصب العداء لدولتهم، وجعل خلافهما مع مؤسستين أساسا للاقتصاص من الوطن، ونصَّبا أنفسهما أبواقا دعائية لأراجيف وتخاريف الخصوم.

محزن جدا أن يقذف بكما مركب الاضطرابات النفسية والعقلية العميق إلى التنكر للوطن والكفر بالأصول وخدلان الأهل والأصحاب. أولم يبلغكما أن حب الأوطان من الإيمان؟

أعرف صحفيين وصحفيات كثر غادروا قنوات القطب العمومي وواصلوا مسارهم كإعلاميين مرموقين في محطات إعلامية عالمية، أتساءل لماذا بدأت الصفة الإعلامية لمحمد راضي الليلي بدخوله إلى دار البريهي وانتهت بخروجه منها؟ لماذا فشل في كل مشاريعه الإعلامية فيما بعد، داخل المغرب وخارجه؟ لولا أنه صحافي فاشل وإعلامي قليل الدراية وكثير البلاهة والغباء. لا أعرف حقا لماذا تذكرت مقولة اينشتاين “أمران لا حدود لهما، الكون والغباء البشري، مع أني لست متأكدا من الكون ما إذا كان كذلك”.

ونفس الأمر بالنسبة لمحمد حاجب، لماذا نجحت حملات المراجعة الفكرية مع مراجع التكفير سابقا في المغرب، وفشلت في ترويض غرائب أطواره؟ لولا أنه متفرد في سلبيته واستثنائي في تطرفه. وما الذي جعل الدولة الألمانية تمنحك رعاية خاصة وتحجر عليك أهلية ممارسة أي نشاط اقتصادي أو تجاري، لولا أنه تبين لها ما بك من سفه وخبل واضطراب نفسي وعقلي سحيق؟

تتبعت مشارب جوقة الغياطين والطبالين لخرجات مليشيات البوليساريو، وهي شطحات مرتزقة على إيقاع أزيز الرصاص وهدير مدافع الجيش الملكي، فزاد يقني بكون الجاذبية ليست قانونا فيزيائيا فقط، بل هي أيضا قانونا للسلوك البشري، فلا غرابة أن يكون القاسم المشترك، بلغة الجبر في الرياضيات، لمناصري الانفصال، هو الخيانة والعمالة والارتزاق والتطرف والإرهاب دون أن ننسى الاهتزاز النفسي والاضطراب العقلي. فالتسفل كعادته مجمع الخبائث يجذب الوضاعة والتطرف والانفصال والعمالة والخيانة… فالطيور دائما على أشكالها تقع.

اهتم المؤرخون منذ القدم بتوثيق الأمجاد والانتصارات والتأريخ للأعلام والأبطال والشهداء، ولم يلتفت أحد إلا ما نذر للكتابة عن العملاء والجواسيس. ولن يذكرهم التاريخ إلا إذا ما استحدث فرع للبحث في تاريخ القمامة، فإذ ذاك سيحظى محمد راضي الليلي ومحمد حاجب بنصيب وافر من الاهتمام. وقبل ذلك، فليسألا عن عاقبة الخائنين. ودون عناء سأقول لهما أنها لم تكن سيئة على أي حال، بل كانت فظيعة، ازدراء الأهالي قبل الغرباء وانفضاض الأصدقاء قبل الخصوم، وتأنيب الضمير إذا ما استفاق يوما، وهو الأكثر وخزا وإيلاما.

أعود في الأخير إلى ما خلصت إليه رواية كافكا المومأ إليها، والتي تكاد تتطابق فيها شخصية جريجور سامسا مع الخصائص النفسية لأصحابنا، وهو أن مجرد التفكير في البقاء ممسوخا هو أمر مرعب وغير محتمل، ويعد الانتحار الحل الوحيد الممكن. لا أدعوهم إلى ذلك، فقط أذكرهم بعاقبة الممسوخين والجواسيس والعملاء المزدوجين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *