ملف

“مملكة التناقضات.. المغرب في مئة سؤال”: كيف يتعامل المغرب مع الأقليات الدينية؟ (ح 39)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 39: كيف يتعامل المغرب مع الأقليات الدينية؟

لطالما حافظت أرض الإسلام هذه على الأقلية اليهودية المحلية، وقد أصبحت القبائل اليهودية أمازيغية أوتعرّبت، بل إن هذه الطائفة ازداد حجمها عندما استقبل السلاطين الوطاسيون (القرنين الخامس عشر والسادس عشر) آلاف اليهود الذين طردوا من الأندلس في عام 1492 واستقر بعضهم في المدن الكبرى العربية (فاس) أو البربرية (مراكش)، التي أغنوا تقاليدها الحرفية والعمرانية ثم اغتنت هذه الطائفة في القرن التاسع عشر باليهود المارانيين القادمين من البرتغال أو إسبانيا.

في منتصف القرن العشرين، كانت الطوائف اليهودية المغربية هي الأكبر في العالم الإسلامي، حيث تجاوزت 260,000 نسمة أو 3 إلى 4٪ من السكان ومن هنا بدأت حكاية أخرى.

من ناحية أخرى، منذ فترة الدولة الموحدية (القرون 11-13)، اختفى المسيحيون المحليون من شمال أفريقيا. في القرون الوسطى استقر الرهبان الفرنسيسكان الإسبان في طنجة لتخليص – أو حتى دفن – المسيحيين الأسرى (ما يسمى بـ “الأسرى”) الذين يختطفهم القراصنة في سفنهم قرب سواحل أوروبا. وقد بلغ هذا النشاط ذروته في القرن السابع عشر بفضل مدينة سلا التي كان كبار القراصنة ينطلقون منها إلى جانب زملائهم الجزائريين.

ويقيم المسيحيون الأجانب أيضا في المدن الإيبيرية والموانئ التي احتلها الإيبيريون منذ نهاية القرون الوسطى. ثم، مع حرب تطوان في القرن التاسع عشر(1859-1860)، انتقلوا إلى المدن التي كانت تحت حكم السلطان. ولكن لا الإسبان ولا الفرنسيين بعد عام 1912 حاولوا تحويل المسلمين المغاربة من الإسلام للمسيحية، مدركين أن إمارة المؤمنين تقف حاجزا مانعا وأن محاولة من هذا القبيل تعتبر مثل إعلان الحرب على المغرب.

وعلى الرغم من بعض المغامرات الاستعمارية، فإن الوضع لم يتغير منذ ذلك الحين. ولا يوجد مسيحيون مغاربة رسميون، وأي تغيير أو محاولة للتبشير يعاقب عليه بالملاحقة القضائية أو الطرد أو السجن. ووفقاً للإحصاءات الدولية، هناك حوالي 200 ألف مسيحي من جميع الطوائف في المغرب (بما في ذلك 30,000 يمارسون الشعائر)، وأسقفيتان واحدة في طنجة والأخرى في الرباط.

وهم في الغالب من الغربيين القاطنين في المغرب، والطلاب الأفارقة والمهاجرين والدبلوماسيين ودوائر الأعمال والخادمات من الفلبين والكهنة ورجال الدين (على نحو متزايد من الشرق الأوسط أو أمريكا اللاتينية) والمسيحيون في المغرب يحظون بالاحترام . يقول الأسقف الفرنسي السابق في الرباط، الأسقف لاندل: “في المغرب، لدينا حرية العبادة في جو يعرف غياب الحرية الدينية”.

والسلطات المغربية لها علاقة متينة مع الكنيسة: استقبل الملك الحسن الثاني البابا يوحنا بولس الثاني في الدار البيضاء في 19 غشت 1985 وهو يلاحظ بروح الدعابة أن “أمير المؤمنين ” يلتقي “أمير الكفار” وفي عام 2019، استقبل الملك محمد السادس البابا فرنسيس. ولكن إذا كان المغاربة يشجعون المسيحيين على اعتناق الإسلام، فليس للمسيحيين مصلحة في الاهتمام بمعتقدات المسلمين.

وبطبيعة الحال، ينشط المبشرون البروتستانت على الحدود وأحياناً داخل البلاد، ويفترض وجود بعض المتحولين المغاربة الذين اعتنقوا المسيحية في دوائر محدودة حيث يقدر عددهم بين 2000 و6000 وفقاً لتقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في عام 2017.

ومع ذلك، راسلت “لجنة المسيحيين المغاربة” البابا فرانسيس قبل زيارته للمغرب لإخباره ببعض مخاوفها بشأن “حقوق الأقلية المسيحية” و”انتهاكات الحرية الدينية” و”الاضطهاد من طرف الشرطة” و”الاعتقالات التعسفية”.

إضافة إلى هذه المبادرة غير المسبوقة، فإن أسقُف الرباط، الأسقف كريستو بال لوبيز روميرو، يجرؤ على القول: “نحن كمسيحيين، كاثوليك، ممتنون جداً للتمتع بحرية العبادة الكاملة، ولكننا سنكون سعداء إذا كان الشعب المغربي يتمتع بجميع الحريات، بما في ذلك حرية الضمير”. وقد تم تناول هذا الموضوع بشكل سلبي في عام 2011 أثناء الإصلاح الدستوري.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *