سياسة

ما هي المسؤولية القانونية للجزائر عن استفزازات البوليساريو للمغرب؟

الاستفزازات الأخيرة لجبهة البوليساريو الانفصالية بمعبر الكركرات بين المغرب وموريتانيا، التي ردت عليها الرباط بتأمين المعبر، تؤكد مرة أخرى ضلوع الجزائر في تحركات الجبهة الانفصالية، خصوصا أن مليشياتها دخلت المنطقة العازلة التابعة للمغرب عبر التراب الجزائري، لذلك في كل مناسبة يجدد المغرب التأكيد على دور النظام الجزائري في قضية الصحراء المغربية، كونها هي حاضنة البوليساريو.

فما هي المسؤولية القانونية للجارة الشرقية للمغرب عن استفزازات البوليساريو؟ وهل يحق للجزائر تفويض اختصاصات عسكرية وقانونية وأمنية وقضائية لكيان داخل ترابها؟

جريدة “العمق” نقلت هذه الأسئلة للمحامي والخبير في القانون الدولي، صبري لحو، الذي أوضح أن المسؤولية القانونية للجزائر يحكمها القانون الدولي للهجرة، خصوصا اتفاقية جنيف المتعلقة باللجوء، التي تضع مجموعة من الالتزامات على عاتق دولة اللجوء (الجزائر).

وضع شاذ

وشدد على أن كل ما يصدر من فعل أو تصرف يتضرر منه المغرب باعتباره دولة ذات سيادة فإن للجزائر مسؤولية مباشرة ، “وهناك أيضا مسؤولية أخرى حددتها الاتفاقية الدولية المتعلقة بمنع استعمال واستئجار المرتزقة من للنيل من سيادة دولة أخرى”.

وتابع، في تصريح لـ”العمق”، أن المغرب يحتفظ لنفسه بكافة الحقوق سواء في التعقب أو في المتابعة أمام المؤسسات الدولية، “لأن الجزائر لها مسؤولية قانونية مباشرة وهي مسؤولة عن كل أفعال البوليساريو سواء في المنطقة العازلة أو التراب الجزائري”.

واعتبر أن كل من يتواجد في المنطقة العازلة يفقد بحكم القانون صفة اللجوء لأنه تجاوز الدولة التي استضافته، وكل عنصر من ميليشيات البوليساريو الذين يتحركون في المنطقة العازلة قد “فقدوا بصفة نهائية وضع اللجوء وأصبحوا معتدين عن سيادة الدولة ومن حق المغرب أن يتعامل مهم بالطريقة التي يراها مناسبة وتحقق الهدف الذي يريده لضمان وحدته الترابية، ويطبق القانون الجنائي المغربي على كل من يقبض عليه بالمنطقة العازلة”.

وأضاف أن صفة اللجوء اكتسبتها ساكنة تندوف بقواعد القانون الدولي التي تحكم اللجوء، “بحيث أن هؤلاء وكاستثناء شارد وشاذ اكتسبوا هذا الوضع بصفة جماعية في حين أن القانون الدولي للجوء يكون بمسطرة فردية”، مستدركا بأن هذا النقاش تم تجاوزه من قبل المغرب.

وحسب هذا الوضع، يضيف الحو، فإنه من المفروض أن يحتكم سكان تندوف في كل ما يتعلق بأمورهم الشخصية إلى القانون الجزائري، ويحتكمون في كل ما يتعلق بنزاعاتهم إلى القانون الوطني الجزائري، ناهيك عن تمتعهم بمجموعة من الحقوق في العمل والتنقل والملكية وفي تكوين الجمعيات وحتى في اكتساب الجنسية الجزائرية بعد انصرام 7 سنوات التي يحددها مرسوم القانون الجزائري.

واستدرك الحو بأن الجزائر تعتمد “خطة” و”مناورة”، مفادها أنها لا تطبق القانون الجزائري على ساكنة تندوف ولا يحتكمون إلى القضاء الجزائري، بل لديهم قانون خاص وقضاء خاص ومؤسسات خاصة.

ويسترسل الخبير في القانون الدولي، “منذ البداية تحاول الجزائر فبركة وصناعة دويلة داخل الدولة وهذا شأن يهمها”، مستدركا “ولكن ما لا تملكه الجزائر هو أن تفوض للبوليساريو اختصاصات من هذا القبيل، وكأن الأمر يتعلق بعقد مقاولة من الباطن”.

وشدد الحو على أن القانون الدولي لا يمكن أن يتحول إلى مقاولة من الباطن، لأنه ليس محل تفويض، “وهو ما رفضه المجلس الأممي لحقوق الإنسان بحيث لم يعترف للجزائر بهذا الدفع”.

ووصف المتحدث الوضع بـ”الشاذ”، مضيفا و”هو ما يفسر مجموعة من قرارات مجلس الأمن التي تطلب من الجزائر أن تضطلع بمهامها وبما يفرضه عليها القانون الدولي للجوء وأن تتعامل مع مفوضية غوث اللاجئين، سواء في إحصاء وتسجيل الساكنة أو في ضمان حقهم في التنقل “.

وأوضح الحو أن الهدف من خلق هذا الوضع، هو قمع حرية العبير بالمخيمات، بحيث أصبح سكان المخيمات “كأنهم أصنام، فالأفكار الوحيدة التي يسمح لأصحابها التعبير عنها هي الأفكار الانفصالية، ما دون ذلك من أفكار؛ سواء باختيار حق العودة أو غيرها فإن البوليساريو ومن ورائها الجزائر لا تسمح بذلك”.

واسترسل المتحدث، “بل إنهم منعوا أوراق الهوية في جواز السفر على اللاجئين، (بالرغم من أن القانون الدولي يضمن لهم ذلك)، خشية أن يسافروا إلى دولة أخرى ويعبروا عن أفكار تناقض فكرة الأصنام”.

وأضاف الحو أن القانون الدولي، في هذه الحالة، يسمح بثلاثة حلول، يتمثل الأول في “العودة” “وهو ما ترفضه الجزائر حيث طوقت سكان المخيمات بحواجز ترابية وعناصر أمنية درءا للفرار الجماعي”، فيما يتمثل الحل الثاني في “إعادة التوطين”، أما الحل الثالث فهو الاندماج في النسيج الاجتماعي بمعنى اكتساب الجنسية.

اتفاقية جنيف

في الاتجاه ذاته ذهب الخبير في القانون الدولي عزيز إدامين، قائلا إن ساكنة مخيمات تندوف تخضع لقواعد القانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقية جنيف المعنية بشؤون اللاجئين لسنة 1951، وهي الاتفاقية التي تحمل الجزائر مسؤولية حماية كل الموجودين على ترابها. موضحا أن الجارة الشرقية للجزائر تتحمل مسؤولية من تقدم عليه الجبهة الانفصالية من تصرفات ضد المغرب.

وأشار إدامين، في مقال نشره على حسابه بموقع “فيسبوك”، إلى القرار الصادر عن لجنة القانون الدولي في دورتها الـ 53، والمعتمد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 56 بتاريخ 26 نونبر 2001، المتعلق بمسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دوليا.

وأوضح أن هذا القرار ينص في مادته الخامسة، أن الدول مسؤولة عن أي تصرف غير مشروع دوليا يقوم فوق ترابها، وهذه التصرفات قد تمارس من قبل أجهزة الدولة القضائية أو التنفيذية أو التشريعية، أو من قبل جهاز أو كيان لا يشكل جزءا من الدولة، ولكن الدولة تسمح له وترخص له ممارسة تلك التصرفات فوق ترابها.

وأشار إلى ما ورد في المادة السابعة من القرار نفسه، الذي ينص على أنه “يعتبر فعلا صادرا عن الدولة بمقتضى القانون الدولي تصرف جهاز من أجهزتها أو شخص أو كيان مخول له صلاحية ممارسة بعض اختصاصات السلطة الحكومية إذا كان الجهاز أو الشخص أو الكيان يتصرف بهذه الصفة، حتى ولو تجاوز حدود سلطته أو خالف”.

وتابع المتحدث أن المادة التاسعة من القرار، تعتبر أن الدولة مسؤولة عن الأفعال الصادرة عن الشخص أو مجموعة الأشخاص يمارسون في الواقع بعض اختصاصات السلطة الحكومية في غياب السلطات الرسمية أو في حالة عدم قيامها بمهامها وفي ظروف تستدعي ممارسة تلك الاختصاصات.

وأحال الخبير على رأي دائرة الاستئناف بالمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة في قضية تاديتش، المنشور في المجلة الدولية للصليب الأحمر عدد 839 لسنة 2000، و”التي قدمت اجتهادا للمادة الثالثة من اتفاقية لاهاي يفيد أن الدولة مسؤولة عن أي من الأفعال المرتكبة من قبل أي منظمة عسكرية قامت الدولة بتدريبها أو تمويلها”.

إدامين أشار أيضا إلى ما جاء في التوصيات والقرارات النهائية للجنة حقوق الإنسان بتاريخ 17 غشت 2018، حيث أعربت اللجنة “عن قلقها إزاء نقل اختصاصات الدولة الطرف بالفعل، بما فيها اختصاصاتها القانونية، إلى جبهة البوليساريو، وترى أن هذا الموقف يتعارض والتزامات الدولة الطرف باحترام وضمان الحقوق المعترف بها في العهد لجميع الأفراد الموجودين في أراضيها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *