وجهة نظر

التوظيف الخبيث والإنتقائي لأدوات ووسائل الإستعمار.. نماذج “حق تقرير المصير” و”البوليساريو”

“حق تقرير المصير” حق إنساني أخد بُعده كمبْدَئ أساسٍ في القانون الدولي العام خاصة منذ أن استخدمه الرئيس الأمريكي ويلسون ضمن ما سمَّاه بمبادئ السلم الأربعة عشر والتي شكلت وقتئذ مُنطلقا لتأسيس عصبة الأمم سنة 1919. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية وتدريجيا، أخد “حق تقرير المصير”، مكانة مرموقة في النصوص والمواثيق الدولية وتعزز أكثر فأكثر من خلال مواثيق الأمم المتحدة وكذلك القرارات التي أصدرتها محكمة العدل الدولية. من حيثُ المبدأ، إنه ولا شك حق إنساني لا غبار عليه.

ولكن اليوم وفي كثير من الحالات ومن خلال تنزيله، بات يبدو كحقٍ يرادُ به باطلٌ. لقد أصبح من أحد الأسلحة الإستعمارية الناعمة والفتَّاكة في آن معاً، إذْ ما فتئ يُستعمل لتقسيم الدول التي يراد لها ذلك وهي حاليا -وربما حصريا- الدول الاسلامية، كلها وجميعها وبدون استثناء… ولكن لكلٍ دورُه إما أتَى وتقسيمه على قدم وساق، أو سيأتي في أقرب فرصة متاحة. هذا “الحق الإنساني” لم ولن نسمعَ عنه حول حراك واستفتاء منطقة ‘كتالونيا’ وقبلها منطقة ‘الباسك’ بإسبانيا؛ لم ولن نسمع عنه استجابة لشعب كورسيكا بجنوب فرنسا؛ لم ولن نسمع عنه لشعب جزر ‘المالوين’ الارجنتينية التابعة للعرش البريطاني. هذا الحق يرفض أيضاً جملة وتفصيلا لأتراك جزيرة قبرص ولم تعترف لهم به الا دولة واحدة ووحيدة هي تركيا.

لم ولن يذكره أحد لما يقعُ لشعب الإيغور المسلم المحتل بقوة السلاح والنار من قبل الصين… لم ولن يذكره أحد لشعب الروهيغيا المسلم بالبورما ولا لشعب التتار المسلم بشبه جزيرة القِرم الذي احتلها روسيا بالقوة ومنذ حوالي أربع سنوات وأخدته من أوكرانيا وباتت تمارس فيه تغييرا ديموغرافيا من خلال الاستيطان الروسي بل لربما تطهيراً عرقياً. هذه الشعوب، عندما تطالب بحق تقرير المصير، تصبح جماعات انفصالية تقع طائلة المعاقبة القانونية. في هذه الحالات، يخرج حق آخر مناقض له ولكنه أيضا حق تابتٌ وطبيعيٌ ومكفول بالمواثيق والأعراف الدولية ألا وهو حق الدولة في الحفاظ على سياتها ووحدة أراضيها. وهكذا ففي حالات الدول القوية، تصبح الدعوة لحق تقرير المصير دعوة “انفصالية” يجرمها القانون ويعاقب بأشد العقوبات ويطارد دعاتها حيثما كانوا ويقتادون مصفدي الأيدي ليلقوا في غياهب السجون والمعتقلات.

لمن إذن “حق تقرير المصير”؟

في عالم النفاق الغربي الذي نعيشه اليوم، هذا “الحق” يكاد يكون حصريا للشعوب وحتى الجماعات، أيا كان حجمها، التي تتشكل منها البلدان الإسلامية. يصبح حينها “حقاً مقدساً” و”غير قابل للمزايدة” لشعوب وجماعات الصومال، وأقاليم السودان وأقاليم ليبيا وأكراد العراق وسوريا وتركيا، وشعب تيمور الشرقية في أندونيسيا، وجنوبيو اليمن… وهلم جراً.

عندما يذكر مصطلح “الإستعمار” يتبادر للذهن فرض سيادة دولة على أخرى بقوة الحديد والنار لأجل الاستغلال ونهب الخيرات والثروات وإخضاع الرقاب؛ والحال وخاصة في الوقت الراهن، أن الإستعمار بات يستعمل أدوات غير مباشرة منها الناعم ومنها الخشن والهدف واحد والنتيجة هي نفسها ولكن بتَكْلفة أقل. وهذه الأدوات قد تكون أفرداً وقد تكون منظمات تؤمن بفكرهِ ونهجهِ وتنظيمه للحياة.. من هذه المنظمات، هناك ما يسمى ب”البوليساريو” أو “البوليزاريو” وربما الأصح “البوليزاغيو”…

الإسم غربي طبعاً، ومن الممكن عند نقله للعربية، كتابتُهُ كما اتفق.. لأنه ليس من نبات هذه الارض. فهذه نبتةٌ غريبةٌ عن المنطقة تم خلقها وطبخُها في مكاتب المخابرات الغربية المظلمة وعلى رأسها الفرنسية والإسبانية أما احتضانها وتربيتها فعُهِد به لعسكر الجزائر الذين لم ينتخبهم الشعب الجزائري ولا يأتمرون بمصالحه بل بأوامر “ماما فرنسا”. إنها مثال حي ونموذج صارخ لذوي الألباب، عن المنظمات والجماعات الارهابية فعلاً وحقيقةً ولكن لا تُنعت بهكذا وصف لأنها تستخدم لتقسيم المُقَسم وتَجْزيئ المُجزَّئ وفي حد أدنى لإعاقة نمو وتقدم بلد ما، وتستخدم كورقة جوكر للضغط عليه بمناسبة وبغير مناسبة كسيف “داموكليص” المعلق فوق رأسه.

إنها من أهم أدوات بث الفرقة بين مكونات المجتمع، واللعب على وتر التنوع العرقي أو اللغوي أو القبائلي. أما عن المغرب، فإن جُل سكانه ومُلوكه عبر العصور، إما صحراويون أو من أصول صحراوية. وعليه فإن مصير نبتةِ “البوليزاريو” سيكون كمصير أي نبتة غريبة… الى زوال محتوم ولن تتجدر في هذه الأرض بفضل من الله أولاً وإرادة حديدية لشعب المغرب وقيادته. وفي التاريخ عِبرٌ كثيرة لأولي الأبصار.

* جامعة الحسن الأول – سطات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *