وجهة نظر

لماذا لم ننجح في امتحان الديمقراطية.

وينستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا الذي قاد بلاده إلى هزم النازية في الحرب العالمية الثانية، و نال شهرة واسعة لازالت محفورة في التاريخ إلى اليوم، مباشرة بعد النصر انهزم في الانتخابات بطريقة مفاجئة، يعني اصبح خارج الحياة السياسية ،قال قولة مشهورة مفادها “، أن الديمقراطية هي أسوأ نظام عرفته البشرية،و استطرد لكن البشرية لم تعرف نظاما أفضل ” على الأقل في تصوره.رغم دلك يلاحظ أن المجتمعات الغربية عرفت صراعات و حروبا أهلية دموية و مؤامرات و ضحايا فبل أن تصل إلى حالة التعاقد الاجتماعي، و التوافق الديمقراطي الذي يعطي مساحة كبيرة للشعوب في تحديد القيادات و بالتالي رسم معالم الطريق التي ينبغي أن نسلكها في اتخاد القرارات العامة، ويختلف الأمر من دولة إلى اخرى حسب درجة الرخاء الاقتصادي و الرقي الاجتماعي و دور الشعب في الدفاع عن حقوقه.

و قد استفاد المواطن الغربي من كل هذا في خلق تعايش داخل المجتمع يراعي الاختلاف و خلق آليات تناوب سياسي يحافظ للجميع على فرص التكليف و التسييركنتيجة للطموح السياسي داخل المجتمع. لكن لماذا لم تنجح الوصفة في العالم العربي الذي جرب كل أنواع الأنظمة، محافظة، اشتراكية، علمانية، ثورية…الخ لكنه لم يصل إلى ماوصلت إليه دول الشمال أي الديمقراطية التي تستوعب الاختلاف و تقبل بالتداول السلمي و تطبق سنن التدافع الحضاري في مناخ حر بعيد عن فرض ايديولوجية معينة قهرا.

الأسباب التي دفعت و لازالت تدفع الدول العربية خارج دائرة الحياة الديمقراطية و التعددية الحقيقية عديدة و لكننا سنقف عند بعضهافقط.أول معرقل للديمقراطية في العالم العربي هي الأحزاب السياسية أو على الأقل معظمها لأن زعاماتها التقليدية كافرة بالديمقراطية و تحاول خلق ولاءات داخل المنظومة الحزبية و لا تقبل مطلقا بتسليم سلطة القرار الحزبي و حتى إن غاب زعيم الحزب يبقى ظله حاضرا في كل صغيرة و كبيرة،بغض النظر عن الشعار الايديلوجي للحزب لدرجة أن المواطنين غالبا مايقولون حزب فلان نظرا لهيمنة القيادة على المؤسسة الحزبية..

السبب الثاني في تعثر الديمقراطية في العالم العربي هو انقسام بعض المجتمعات إلى مذاهب و قوميات و قبائل و زعامات…الخ هذا الأمر يضعف الولاء للدولة المركزية، مما يجعل الدولة متحفظة في غض الطرف عن اتساع مساحة الحرية السياسية داخل البلاد و يتخذ دلك كحجة لإقبار الديمقراطي.

السبب الثالث هوغياب الطبقة الوسطى التي بحكم الواقع هي المحرك الأساسي لكل تغيير ديمقراطي، لأنها طبقة متعلمة حصلت على تعليم جامعي في العموم لا تعاني من مشاكل الفقر المدقع، تتابع الأحداث الداخلية و الخارجية متأثرة بالحياة في الدول الناجحة. فالطبقة المتوسطة تشكل أكثر من80% من سكان الدول الديمقراطية في حين تنكمش نسبتها في عالمنا العربي الى أقل من30% في الدول الغير النفطية طبعا، و السبب في تقهقرها هو عدم تركيز السياسات العمومية في كثير من هذه الدول على خلق فضاءات تعليمية و صحية و اقتصادية تساهم في خلق طبقة متوسطة كبيرة. فالديمقراطية لها علاقة متوازية مع الرخاء الاقتصادي.

السبب الرابع هو غياب الدعم الدولي سواء للمنظمات الدولية أو الدول المؤثرة في اتخاذ القرارات الكبرى في توجيه العالم العربي نحو مزيد من دمقرطة المؤسسات ،فهذه الدول تؤمن إيمانا قاطعا بالديكتاتورية و الاستبداد مع الاستقرار أكثر من إيمانها بالحرية و الديمقراطية التي قد تجلب الاضطرابات حسب تصورها، صحيح أن كلفة عدم الاستقرار مكلفة جدا من الناحية الاجتماعية والاقتصادية و نتائجها غالبا ما تكون كارثية،و تستمر تداعياتها لأجيال متعاقبة لكن لها من قوة و فعالية التأثير الشيء الكثير، و غالبا ماتم انتقاذ هذه الدول على تغليبها المصالح على القيم المطبقة في بلدانها، مما شكل تناقضا فجا بين الخطاب الموجه للاستهلاك الدولي و الممارسة المحسوبة بعناية ،و هذا جعل عدد من المثقفين يصرحون جهرا بأن التعويل على الخارج لترسيخ قيم الديمقراطية و مبادئ حقوق الإنسان لن يأتي بنتائج و التجارب اثبتت دلك في اكثر من دولة!!

الديمقراطية ليست مستحيلة التطبيق في العالم العربي و لكنها تحتاج لترسيخ بنيات فكرية و سياسية تضمن عدم الردة.

*  الغازي هيلال_ أمريكا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *