ملف

“مملكة التناقضات”: هل توجد معارضة في المغرب؟ (ح 53)

مذكرة للانتخابات

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 53: هل توجد معارضة في المغرب؟

يستعد المغرب للانتخابات من أجل تجديد أعضاء مجلس النواب (البرلمان) ومجلس المستشارين (أي ما يعادل مجلس الشيوخ الفرنسي، وهذا المجلس أنشئ في عام 1996)، وكذلك مجالس الجهات الاثني عشر وأعضاء المجالس الجماعية وعددها 1538، ومجالس العمالات والأقاليم وعددها 75.

وسوف تجري جميع هذه الانتخابات في عام 2021، وربما على مرحلتين في نهاية فصل الشتاء ثم في الخريف. في عام 2016، صوّت 6 ملايين ناخب فقط من أصل 34.5 مليون نسمة، باستثناء مغاربة الخارج وبعد الانتخابات تشكل برلماني غريب وتشكلت حكومة غريبة أيضا.

إن حكومة سعد الدين العثماني، التي تشكلت في مارس 2017، تجمع الأضداد: حزب العدالة والتنمية الإسلامي الفائز في الانتخابات – والذي يخلف نفسه في رئاسة الحكومة – وخمسة من أحزاب المعارضة السابقة: التجمع الوطني للأحرار، وهو حزب ليبرالي أسسه بأمر من القصر صهر الحسن الثاني أحمد عثمان في عام 1978 وحزب الاتحاد الدستوري (الذي يشبه الحزب السابق) وحزب التقدم والاشتراكية، وهو الحزب الشيوعي السابق، الذي غادر الحكومة السابقة في أكتوبر 2019. وحزب الحركة الشعبية التي كان يزعم تمثيل النخب الأمازيغية والعالم القروي منذ تأسيسه في عام 1957. وأخيرا العدو الإيديولوجي الرئيسي لحزب العدالة والتنمية، وهو حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. ويجمع هذا الائتلاف بين “اليمين” و”الليبراليين” و”الاشتراكيين” و”الإسلاميين” و”التيار الأمازيغي”. ولذلك أصبح المغرب بلداً بدون معارضة، وقد حقق القصر حلمه بإنجاز الإجماع المقدس وهو حل وسط بين حالة “ليس هناك أي بديل” ومبدأ “الإجماع” الإسلامي.

ولكن هذا التوافق الوهمي يخفي توترات حقيقية ويبدو أن التحضير يجري لخلق البديل السياسي الذي سيتسلم المشعل في سنة 2021. لقد كان فؤاد علي الهمة، كبير مستشاري الملك، قد أنشأ في عام 2008 حزب الأصالة والمعاصرة الموالي للقصر والذي استحوذ على موارد هائلة من أجل انتزاع السلطة آنذاك من حزب الاتحاد الاشتراكي و قطع الطريق على حزب العدالة والتنمية. لكن “الربيع العربي” في عام 2011 أحبط هذه الخطة، مما أجبر القصر على إسناد الحكومة مرتين إلى تحالفات بقيادة حزب العدالة والتنمية (في عام 2011 ومرة أخرى في عام 2017). ومع ذلك فالقصر لم ينس خطته الأصلية، بل إنه فقط أخر لحظة تنفيذها.

كان حزب الأصالة والمعاصرة هو الضحية الجانبية لحراك الريف وكان زعماؤه من السياسيون والإداريين المنتمين إلى تلك المنطقة “مجموعة الريف” فاضطر الملك لـمعاقبتهم على التقصير والفساد والنتيجة هي أن القصر أصبح معتمدا على حزب آخر قريب من القصر، هو التجمع الوطني للأحرار، الذي استلم قيادته في عام 2016 إلى رجل أعمال ثري مقرب من محمد السادس، وزير الزراعة القوي عزيز أخنوش.

من المحتمل أن يتكلف هذا الأخير بتأسيس الائتلاف المستقبلي معتمدا على الحزب الخاسر الكبير الآخر في عام 2016، وهو حزب الاستقلال التاريخي.

لم يحصل هذا الأخير إلا على 60 مقعدا في البرلمان في عام 2016 (من أصل 395 نائباً)، وبعد أن تجاوز أزماته الداخلية العنيفة يبدو أن حزب الاستقلال في طريقه للعودة إلى الحكومة ويمكن أن يضم الائتلاف كلا من الحركة الشعبية وحزب الأصالة والمعاصرة للمزيد من تهميش وعزل حزب العدالة والتنمية وهو ما يحلم به المخزن، لكن الشرط هو ألا يحتل حزب العدالة والتنمية مركز الصدارة في الانتخابات التشريعية.

وفي النهاية، فإن الأحزاب الرئيسية الثمانية الممثلة في البرلمان قابلة للاستبدال فيما بينها: فالفروق الضئيلة بين برامجها السياسية تجعلها متوافقة مع بعضها البعض. ولكن الخلافات موجودة ومُقنَّعة وخاصة أن المعارضين الحقيقيين للنظام إما ضعيفون جداً أو ممنوعون من الترشح: الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي محظور؛ وجماعة العدل والإحسان تفتقد للوجود القانوني ووحده اليسار الراديكالي ممثلا في الحزب الاشتراكي الموحد (PSU) ممثل في البرلمان، ولكن باثنين من النواب وبالتالي فإنه لا يشكل تهديدا.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *