مجتمع

التعليم بالتناوب في زمن كورونا .. هل يعمق أزمة التحصيل عند التلاميذ؟

توقيف مدرس

سارة باكريم -صحافية متدربة

يقال إننا  “يجب أن نقاتل من أجل التعليم مهما كانت الفاتورة باهظة”، فالتعليم هو اللبنة الأولى لتقدم الدول وازدهارها. وعلى سبيل المثال لا الحصر  نجد دولة “كوبا”، التي تحولت من دولة صغيرة في بحر الكاريبي إلى قوة لا يستهان بها، والمغرب يختلف كثيرا عن مثال كوبا، خاصة في مجال التربية والتعليم، وعلى غرار ما ذكر سابقا يمكن القول إن المنظومة التعليمية في المغرب لا زالت تعاني من عدة “ثغرات” قد أبانت عن هشاشتها مع ظهور وباء كورونا.

لقد فرض الوضع الوبائي على وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، اتخاذ قرارات حاسمة لكسب رهان ضمان إجراء السنة الدراسية في أفضل الأحوال، فاختارت تمكين التلاميذ من الإستفادة من التعليم بصيغة التناوب واعتماد نظام التفويج، بين الحضوري والتعليم عن بعد.

إن قرار التعليم بالتناوب بالرغم من أنه يروم الحفاظ على صحة التلاميذ بالخصوص لأنه يحترم شرط التباعد الجسدي الذي تنص عليه منظمة الصحة العالمية من أجل تجنب إنتشار وباء “كوفيد” إلا أنه تجاوز الإجابة عن سؤال مهم ألا وهو “هل سينعكس هذا القرار سلبا على قدرة التلاميذ في استيعابهم للدروس التي يتلقونها؟”

أسباب النزول

انطلق الموسم الدراسي، باعتماد نظام التفويج والتعليم بالتناوب بين الحضوري وعن بعد بمختلف مناطق المملكة المغربية يوم الاثنين 7 شتنبر، بقرار من وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، لضمان دخول مدرسي آمن، تنفيذا للإجراءات الصحية في سياق تفشي جائحة (كوفيد-19).

 وكانت الوزارة قد أعلنت يوم 22 غشت الماضي عن قرارها باعتماد “التعليم عن بعد” كصيغة تربوية في بداية الموسم بالنسبة لجميع الأسلاك والمستويات بكافة المؤسسات التعليمية العمومية والخصوصية ومدارس البعثات الأجنبية، بينما وفرت “تعليما حضوريا” بالنسبة للمتعلمين الذين عبر أولياء أمورهم، عن اختيار هذه الصيغة.

وفي عشية الدخول المدرسي أصدرت الوزارة المعنية مذكرة إلى المسؤولين التربويين، حددت فيها المبادئ والمرتكزات الكبرى والتوجيهات الأساسية المؤطرة لعملية الأجرأة الفعلية للأنماط التربوية المعتمدة، والتي ستطبق فعليا على مستوى المؤسسات التعليمية، بما فيها مؤسسات التعليم العمومي والخصوصي والأقسام التربية غير النظامية.

وتفيد المذكرة بأنه تم باعتماد ثلاثة أنماط تربوية تنطلق من فرضيات مختلفة، يتمثل أولها في تحسن الحالة الوبائية، والعودة إلى الوضعية الصحية شبه الطبيعية، وفي هذه الحالة يتم اعتماد “نمط التعليم الحضوري”، وثانيها في وضعية وبائية تستلزم تطبيق التباعد الجسدي بالفصول الدراسية، وفي هذه الحالة يتم اعتماد “نمط التعليم بالتناوب” الذي يزاوج بين “التعليم الحضوري” و”التعلم الذاتي”، أما النمط الثالث فيتجلى في استفحال الحالة الوبائية بما يستوجب تعليق الدراسة الحضورية، فيتم اعتماد النمط التربوي القائم على “التعليم عن بعد”.

أصبحت أنسى دروسي

في تصريح لجريدة “العمق”، كشفت دعاء التي تبلغ من العمر 12 سنة، وهي تلميذة بإحدى المدارس الإعدادية بمدينة الدار البيضاء، أنها أصبحت تنسى الكثير من الدروس التي تتلقاها داخل القسم، مضيفة بالقول “عندما أخرج من الفصل الدراسي ولا أعاود ارتياد المدرسة إلا بعد مرور يوم آخر، هذا النظام يجعلني أحس بخلل في مساري الدراسي، على عكس الأيام العادية التي كنا نذهب فيها إلى القسم يوميا، لقد أصبح لدي الكثير من أوقات الفراغ التي أستثمرها فقط في اللعب مع صديقاتي مما يجعلني أهمل كثيرا دروسي وواجباتي”.

من جهته يعيش آدم وهو تلميذ في الصف الابتدائي، نفس معاناة دعاء، موضحا في تصريح مماثل، أنه “بالرغم من كونه لا يحب المدرسة كثيرا ونقطه كانت عادية جدا في السنوات السابقة من الدراسة، إلا أنها أصبحت جد متدنية، حيث فقد القدرة على التركيز جزئيا”، وأردف قائلا: “ألعب الكثير من ألعاب الفيديو في الأيام التي لا أدرس فيها، ولا أركز في دروسي، والمعلومات التي يعطيها لنا الأستاذ تكون غالبا عرضة للنسيان ربما لأني لا أدرس يوميا كما كنت في السنوات السابقة”.

ثلاثة أيام في الأسبوع غير كافية

أشارت نعيمة اسنيبلة وهي أستاذة في مدرسة الانبعاث الابتدائية، إلى أنه “من بين أكثر مساوئ التعليم بالتناوب هو أن التلميذ لا يحضر إلى المدرسة الأسبوع بكامله، لأن ثلاثة أيام في الأسبوع لا تكفي للدراسة… فنضطر نحن الأساتذة إلى إعطاء التلاميذ نصف الدروس  أو الدروس الملخصة بإيجاز، ثم يجب عليهم الحصول على  بقية الدروس عن طريق التعلم الذاتي في المنزل، وكما نعلم جميعا أن التلاميذ في هذه المرحلة العمرية إذا غاب عنهم  إشراف وتأطير الأستاذة فإنهم لا يبلون حسنا، خاصة وأن الوسائل الرقمية لا تتوفر عند جميع التلاميذ”.

تلاميذ لا يستفيدون من التعليم عن بعد

من جهته يقول أيمن (اسم مستعار) وهو أستاذ بإحدى الثانويات بمدينة المحمدية أن مجموعة من التلاميذ “لا يستفيدون من التعليم عن بعد، ربما لظروف مادية أو لغياب رقابة أولياء الأمور. وفي هذا يجد التلميذ نفسه أمام ضياع نسبة كبيرة من الدروس التي يقدمها الأستاذ عن بعد. من جهة ثانية يجب الإشارة الى أن الفيديوهات المصورة، تكون في غالب الأحيان بجودة ضعيفة وبالتالي يجد التلميذ صعوبة في تلقي المعلومة إما لقلة الصوت او ضعف جودة الصورة. وبناء على ما سبق فالتلميذ لا يستفيد كما ينبغي من هذا النوع من  التعليم كما هو الشأن بالنسبة للتعليم الحضوري”.

 وأضاف في اتصال بجريدة “العمق”، “بالنسبة للتعليم لمدة 3 أيام في الأسبوع، فهي مدة غير كافية ليستوعب التلميذ دروسه كما يجب، لأنه يجد نفسه مطالبا باستكمال نسبة 50٪ من الدروس معتمدا على نفسه، وفي ذلك صعوبة كبيرة تطال التلميذ. ومن الممكن الحديث عن نتائج جد إيجابية إذا تظافرت الجهود وتمت توعية التلاميذ وأولياء الأمور بمدى أهمية هذا الشق من التعليم”.

وعن التحديات التي تواجه الأساتذة خلال هذه العملية الدراسية، أوضح أيمن أن “الأستاذ يعاني الأمرين في هذه العملية، فمن من جهة  يعاني من الضغط لأنه يستنزف طاقة وجهدا مضاعفين من أجل استكمال جميع الوحدات في آخر الدورة، ومن جهة أخرى النقص في المعلومة الذي يجده عند أغلب التلاميذ الذين لم يستفيدوا من التعليم عن بعد. بالإضافة إلى أن معظم التلاميذ لم يتلقوا تعليما كافيا في السنة الفارطة مما أثر سلبا على مردودية التلميذ”.

ليس هناك بديل

في حديثه مع جريدة “العمق”، خلص محمد تامر رئيس الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات التلاميذ بجهة الدار البيضاء-سطات،  إلى أنه ليس هناك خيار آخر غير اعتماد نظام التفويج، “ففي الوقت الذي قامت فيه العديد من الدول خاصة الأوروبية بغلق المدارس التعليمية، غامر  المغرب بفتح المدارس معتمدا على صيغة التعليم الحضوري بالتناوب، استجابة لنداء الأسر المغربية التي ملأت استمارة تطالب فيها  بالتعليم الحضوري، أخدا بعين الإعتبار أن الدراسة عن بعد في السنة الماضية لم ترقى إلى المستوى المطلوب لأن التعليم الحضوري لن يعوضه أبدا أي تعليم آخر. وهذا راجع لعدة أسباب”.

  واستطرد قائلا « سنتحدث عن التعليم بالتناوب من الناحية الإيجابية ثم السلبية. الأولى- هناك ردود فعل إيجابية من طرف بعض الأساتذة، فمنهم من يقول أن  المنظومة التعليمية حققت نتائج ملموسة جدا في ظل جائحة كورونا، الشيء الذي لم تحققه النقابات التعليمية من قبل ، كذلك هناك تجاوب كبير من طرف التلاميذ في الفصل الدراسي، وهذا راجع إلى تعطشهم للعودة إلى المدرسة بسبب توقفهم عن الدراسة عدة أشهر من الحجر المنزلي. أما سلبيات التعليم بالتناوب، فالمشكلة تكمن في توزيع وتقلص الزمن  الدراسي، فالطريقة التي نسير وفقها لا تكفي لكي نستوفي المقرر الدراسي بالكامل، وبالتالي سننجح فقط في استكمال نسبة 50 في المائة من المقرر المدرسي، بالرغم من أن الأستاذ يطبق استعمال الزمن بحذافره ويعمل كل  الساعات الواجب عليه العمل فيها، لكن نظام التفويج هذا يتطلب من الأستاذ جهدا مضاعفا لأن يقوم بإلقاء الدرس مرتين”.

كما ألمح محمد تامر إلى أن التعليم عن بعد الذي أسماه بـ”الأنشطة الموازية والإستعداد الذاتي” كوسيلة لاستكمال التلميذ بقية الدروس، “لم يكن  كوسيلة تكميلية كما هو متصور، لأنه لا توجد مراقبة مشددة للتلاميذ في خضم هذه الفترة، ففي المنزل لا تتوفر الشروط اللازمة نوعا ما لممارسة هذه الأنشطة الموازية، فيكتفي التلميذ فقط بما يأخذه داخل القسم. لكن ليس هناك بديل في هذه الظروف نظرا للحالة الوبائية التي يعيشها المغرب والعالم، لذا ليس باليد حيلة سوى تقبل هذا الوضع والتعايش معه، والعمل على تجاوزه من أجل مصلحة التلميذ”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ 3 سنوات

    مقالة ممتازة بثوفيق