وجهة نظر

مباريات أطر الأكاديميات.. نتائج بنـون النسوة

أسدل الستار عن مباريات توظيف أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، بالإعلان الرسمي عن النتائج النهائية، وإذا كانت مباريات هذه السنة قد أجريت أطوارها في ظل الإجراءات الوقائية والاحترازية ذات الصلة بجائحة الإمبراطورة “كورونا”، وميزها فسح مجال التوظيف الجهوي أمام أطر الدعم الإداري والتربوي والاجتماعي علاوة على أطر التدريس، فإن الملاحظة التي لايمكن أن تخطئها العين، هي الهيمنة “شبه المطلقة” للعنصر النسوي، بعدما ظفر الإناث بغالبية المناصب المتنافس عليها بالمقارنة مع العنصر الذكوري.

هيمنة بنون النسوة، ربطها البعض بما يجري في المشهد النضالي من قبل الأساتذة أطر الأكاديميات الذين لم ييأسوا من عناء النضال، بالرهان على العنصر النسوي لكسر شوكة النضال وكبح جماح الاحتجاجات، وهو رأي انطباعي انفعالي لايمكن القبول به، لاعتبارات ثلاثة، أولهما: أن عمليات التصحيح وإجراءات مسك النقط تتم وفق أرقام سرية يصعب معها التثبت من جنس المترشح أو المترشحة، ثانيها: أن كل المحطات النضالية التي انخرط وينخرط فيها الأساتذة أطر الأكاديميات لم تخل من حضور العنصر النسوي، ثالثها: أن الكفاءة تعلو ولا يعلى عليها سواء كان المترشح ذكرا أو أنثى، إذ، العبرة فيما يحمله المترشح(ة) من كفايات وقدرات بغض النظر عن جنسـه.

وبقدر ما نحن على بينة وإدراك أن ظاهرة من هذا القبيل، تحتاج إلى دراسة علمية رصينة متعددة الروافد الفكرية، تقطع مع الآراء والمواقف الغارقة في الانطباعية والذاتية، بقدر ما نسمح لأنفسنا بالمجازفة في النبش في حفريات هذا الانقلاب النسوي، ومبررنا في ذلك ما يلي :

– أن واقع الممارسة المهنية، يظهر تفوقا واضحا للإناث على الذكور سواء تعلق الأمر بفروض المراقبة المستمرة أو في استحقاقات امتحان البكالوريا بشقيه الوطني والجهوي، بل وحتى في المستويات الإشهادية الإعدادية والابتدائية.

– أن المعدلات أو النقط التي يتم تحصيلها على مستوى الجامعات والمؤسسات العليا، تكون في شموليتها بنون النسوة.

أن الإناث يتميزن بخصائص الانضباط والجدية والمثابرة والتنظيم والجاهزية والاهتمام والمسؤولية، بالمقارنة مع الذكور أو على الأقل أغلبيتهم.

– أن مباريات هذه السنة بالتحديد، لقيت إقبالا واسعا للإناث مقارنة مع الذكور، وهذا ما عايناه أثناء إجراء المراقبة (الحراسة)، وكمثال على ذلك، فالقاعة التي أسندت لنا مهمة الإشراف على إجراء مراقبتها، تشكلت كلها من العنصر النسوي، وهي نفس الخاصية التي ميزت القاعات الأخرى بنسب متفاوتة حسب ما أفادنا به بعض الزملاء الأساتذة المراقبين، ووضع من هذا القبيل، من الضروري أن يعطي الأولوية للإناث على مستوى نسب النجاح في الاختبارات الكتابية والشفوية.

– أن الأفضلية النسوية خاصة في هذه السنة الكورونية، تتطلب مساءلة الأرقام والمعطيات العامة ذات الصلة بالمباريات، من حيث العدد الإجمالي للمترشحات والمترشحين في اختبارات الكتابي، وعدد المتغيبات والمتغيبين، وعدد المتباريات والمتبارين الذين مروا إلى مرحلة الشفوي، ونسبة الإناث منهم، وهذه المعطيات، قد تساعد على فهم هذا التفوق النسوي الكاسح.

ما هو باد للعيان، أننا أمام “تميز” بنون النسوة شئنا أم أبينا، وهو ما تعبر عنه الأرقام والإحصائيات وواقع الممارسة، مقابل تراجع مستويات الذكور بشكل مثير للقلق ومحفز على السؤال، وسواء تعلق الأمر بالتميز النسوي أو بالتراجع الذكوري، فنحن بتنا أمام ظاهرة أو واقع، لا يمكن فهم تفاصيله وجزئياته، إلا وفق مقاربة متعددة الأبعاد يتقاطع فيها الذاتي النفسي والموضوعي والأسري والاجتماعي والمجالي والثقافي والسلوكي …إلخ، وأي تفسير أو محاولة تفسير للظاهرة الناشئة بمعزل عن هذه الأبعاد، لن تكون إلا محاولة مبتورة ومعاقة، وفي جميــع الحالات، فالشيء الذي لا يمكن الاختلاف بشأنه، أن خريطة تعليمية آخذة في التشكل سيرسم إطارها وأبعادها بمداد “نون النسـوة”، أما “الذكور” فما عليهم إلا الاحتجاج والترافع لكسب “رهان المناصفة” إلى أجل غير مسمى.

ونختم المقال، بتهنئة كل من حضي بشرف الانضمام إلى مهنة التدريس بما لها وما عليها، أما الآلاف الذين لم يحالفهم الحظ في النجاح بالنظر إلى محدودية المقاعد المطلوبة، فنقول لهم بروح رياضية : الحياة تستمر والأرزاق بيد الخالق عز وجل، ولا خيار أو بديل، سوى الكد والاجتهاد والإصرار على النجاح والوصول، مهما كان ألم الخيبة وقسـوة الإخفاق، والحكومة أو الدولة مطالبة بتوجيه البوصلة نحو عشرات الآلاف من العاطلين الذين شاركوا في مباريات التعليم وخاب ظنهم في الحصول على الوظيفة، وسيتعززون بأفواج أخرى من العاطلين من خريجي الجامعات والمعاهد العليا كل سنة، مما يفرض استعجال الحلول الممكنة والمبادرات المبدعة والخلاقة، التي من شأنها تخليص الآلاف من الشباب من شبح البطالة القاتلة التي تعيق أي مجهود في إدراك التنمية الشاملة، على أمل أن تكون “اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي” قد انتبهت إلى هذا الخطر الصامت الراقد تحت الرماد، واقترحت “اللقاحات” الناجعة والفاعلة، بشكل يقطع مع كل مشاهد البـؤس والهشاشة واليأس وانسداد الأفق…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *