ملف

“مملكة التناقضات”: هل توجد في المغرب إبداعات موسيقية؟ (ح 70)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 70: هل توجد في المغرب إبداعات موسيقية؟

إن المغاربة على العموم بعيدون كل البعد عن الأفكار السلفية المتشددة التي تحظر الموسيقى. بالنسبة للدولة، فإن أحد التحديات التي تواجهها المعركة الثقافية والدينية الجارية هو على وجه التحديد استمرار وإثارة الاهتمام الموسيقي للمغاربة في الفضاء العام. من الصعب أن نسرد ولو بشكل موجز مراحل تاريخ الموسيقي الغني في المغرب.

في القرن العشرين، كان هذا البلد يشارك الجزائر في العديد من الصفات والتأثيرات الموسيقية. بصفته بلدا في شمال أفريقيا، لدى المغرب ثلاث أصناف من الثقافة الموسيقية الرئيسية منها الداخلية ومنها التي تأثرت بعوامل خارجية: الموسيقى الأمازيغية غالباً ما تكون معتمدة على قصائد شعريةً، لها ما يعادلها في الموسيقى الشعبية العربية في السهول، ثم الموسيقى الشعبية التي يعبر عنها على وجه الخصوص طرب الملحون، أما الموسيقى الأندلسية، التي أتت من مدن إسبانيا من القرن الخامس عشر إلى القرن الثامن عشر (من غرناطة إلى الرباط أو تطوان، أو من قرطبة إلى فاس)، فإن أشعارها و أنغامها تنتقل بالحفظ من جيْل إلى جيْل، وهي التي ترافق جميع الاحتفالات الرسمية في المغرب، بما في ذلك إقلاع طائرات الخطوط الملكية المغربية.

إن تأثير الإيقاعات الأفريقية، التي ترافق كل هذه الأصناف الموسيقية بصوت الدربوكة، تندمج بسهولة في المشهد الديني والاحتفالي المحلي.

ويمكن الاطلاع على الإلهام الأفريقي بشكل مباشر في رصيد موسيقى الكناوة وهنا نقترب من موسيقى الزوايا الصوفية التي كانت منذ فترة طويلة وسيلة قوية لنشر ونقل الموسيقى في المنطقة. على هذا الإيقاع القوي وهذه الخلفية الغنية، التي امتدت مع مر العصور، تطورت التأثيرات الموسيقية الأجنبية الجديدة في القرن العشرين.

وهي أساساً تأثيرات عربية وغربية وجزائرية: إن الموسيقى العربية الشرقية – وخاصة المصرية في نسختها الكلاسيكية منذ سنوات الخمسينات – اندمجت مع الموسيقى المغاربية، ولم تمنع التنوع العربي المعاصر، بأدواته الكهربائية، من الحضور في المشهد، وقد لعبت الموسيقى الغربية دوراً أكثر مهما جداً، مع تأثير فرنسي أقل قوة مما حدث في الجزائر، لكن الموسيقى الأنجلوسكسونية، وخاصة بوب مارلي، كان لها تأثير قوي في المغرب.

وفي الآونة الأخيرة، برزت موسيقى الراي واشتهر مغنوها الذين ستمتعون بشعبية كبيرة في المغرب منذ نهاية القرن العشرين، وألهموا العديد من المطربين الذين يحاولون محاكاتهم. في القرن الحادي والعشرين، استمر الانفتاح الموسيقي، بل وأصبح مؤسسياً مع الاهتمام الملكي الذي سمح بتنظيم العديد من المهرجانات.

هذه يمكن أن تكون تقليدية، مثل مهرجان الملحون أو الموسيقى الروحية. لكن الجديد الرئيسي هو المشهد الموسيقي المغربي المعاصر، الذي يسهل اختراقه من طرف التأثيرات الجزائرية والغربية والراب والإفريقية، والفنانون المغاربة يتألقون في كل الأنواع، وهناك نجوم محبوبون يؤدون عروضهم على شاشات التلفزيون، في وسائل الإعلام، وعلى منصات المهرجانات وبالطبع على قنوات اليوتيوب.

إن مغني الراب المغاربة لا تنقصه الجرأة في كلماته وأحياناً يقتحم حاجز الرقابة ويمكن أن يختفي من المشهد. وفي عام 2019، حُكم على الكناوي بالسجن لمدة عام بتهمة ازدراء الشرطة. وهناك مطربون آخرون، أقل اهتماما بالمشهد السياسي يُحبهم الجمهور، مثل زينة الداودية، ملكة الطرب الشعبي المغربي، أو سعد لمجرد، نجم سنوات 2010 وما بعدها، وأخيرا فإن العديد من الفنانين الأجانب يحيون سهراتهم في المغرب.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *