ملف

“مملكة التناقضات”: هل المغاربة ناطقون بالفرنسية؟ (ح 71)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 71: هل المغاربة ناطقون بالفرنسية؟

إن المغرب، على عكس الجزائر، عضو مؤسس في المنظمة الدولية للفرنكوفونية. أصبحت اللغة الفرنسية اللغة المهنية للأطر والموظفين في القطاعين الخاص والعام (الطب والعلوم والهندسة المعمارية والاقتصاد والجيش، وما إلى ذلك). وقد دافع عنها الملك الحسن الثاني ثم تبعه الملك محمد السادس. بعد ثلاثين عاماً من تعريب التعليم أعادها الملك في عام 2019 كلغة تدريس المواد العلمية في المدارس الثانوية.

إنها لغة الإبداع الفني والثقافي عند النخب، لكنها تبقى غريبة تماماً عن الثقافة الشعبية، على عكس الجزائر حيث فن الراي ثنائي أو ثلاثي اللغات.

يعتز المغاربة بالفرنكوفونية التي تعتبرها السلطات في السنوات الأخيرة من الميزات التي تعتمد عليها لتعزيز التعاون والمبادلات مع بلدان أفريقيا الناطقة بالفرنسية.

في عام 2010، كان أكثر من ثلث المغاربة فوق سن العاشرة من الناطقين بالفرنسية، فضلا عن ثلثي السكان الذين يجيدون القراءة والكتابة.

وهذا التطور لم يكن متوقعا أبدا من قبل. عند الاستقلال في عام 1956، كانت أقلية صغيرة من المغاربة تتقن الحديث باللغة الفرنسية ولا يعرف سوى بضع عشرات الآلاف كيف يكتبونها، مقارنة بـ 15% من الجزائريين.

بالإضافة إلى ذلك كانت أيديولوجية النظام الجديد تؤيد اللغة العربية، وفي وقت مبكر من عام 1957، قام الحزب الوطني ممثلا بالوزير محمد الفاسي بتعريب مدرسة. إذن كيف أصبح المغرب يتحدث الفرنسية على نطاق واسع منذ أن أصبح مستقلاً؟

كانت اللغة الفرنسية غير منتشرة في فترة الحماية لدرجة أن المغاربة لم يعاملوها كتركة استعمارية. كان مدة الاستعمار قصيرة وعدد الفرنسيين القاطنين في المغرب قليلا ونسبة التمدرس هزيلة (12% في 1955) والمجتمع الفرنسي يعيش منفصلا عن السكان المحليين، وفي الستينات، بدأ تعاون تعليمي هام بين البلدين؛ فقد أرسلت فرنسا إلى المغرب آلاف المعلمين والأساتذة من المدرسة الابتدائية إلى الجامعة، واستقبلت في جامعاتها 000 30 طالب مغربي خلال عشرين عاماً.

أصبحت اللغة الفرنسية لغة النخب والتميز والإغراء، مما ترك انطباعًا قويًا أن بنية البلد اللغوية هي الثنائية حتى إن جزءً من السكان، الذي اعتادوا على الانتقال بين الأمازيغية والدارجة المغربية، أضافوا الفرنسية إلى رصيدهم اللغوي.

في السبعينيات، اضطر الحسن الثاني إلى التراجع تحت ضغط مشترك من القوميين العرب ثم الإسلاميين لكنه تراجع ببطء شديد. لقد ظل أفراد العائلة المالكة والنخب يدرسون في المدارس الفرنسية أو الفرنسية-المغربية. فالسائح والطالب العائد من فرنسا والمهاجر والشركات الفرنسية في المغرب، في انتظار التلفزيونات والمدارس الخاصة، كلهم يسهمون في تعزيز الفرنكوفونية التي تتقدم بلا قيود في المجتمع.

حتى في مجال قوات الأمن كانت الفرنسية هي لغة القيادة. ونتيجة لذلك، يطمح المغاربة بشكل متزايد إلى تعلم هذه اللغة التي تعتبر شرطا للعمل في الوظائف وشرطا لمن يطمح للهجرة التي تزداد صعوبة.

على مدى السنوات العشرين الماضية وفي كل مكان تضاعفت المدارس الخاصة الناطقة بالفرنسية، والمراكز الثقافية الفرنسية، والتعليم العالي الخاص المفرنس، بل أصبحت اللغة الفرنسية موضع رغبة وإعجاب من الشعب، مما أثار استياء الإسلاميين والقوميين العرب، وازداد هذا الغضب عندما تقرر ترسيم اللغة الأمازيغية بصفتها لغة وطنية ثانية.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *