وجهة نظر

العدالة والتنمية والتطبيع على الطريقة المغربية

فجأة ظهر عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة السابق بعد شهور من الصمت السياسي الناتج أساسا عن أزمة 2016 ومعارضته لتوجهات الحزب الحكومية وعن تراجع شعبيته بسبب ريع التقاعد. ظهر في الساحة العمومية في ما يشبه ضابط إيقاع للنقاش حول قضية اتفاقية فلسطين والأقاليم الجنوبية أو التطبيع على الطريقة المغربية. حيث أنه دعا في مرحلة أولى إلى تأييد المواقف الرسمية للدولة من هذه الاتفاقية مع تأييده لترك المجال مفتوحا أمام حرية التعبير للآراء المعارضة. وقد لقيت دعوته صدى داخل حزب العدالة والتنمية وخارجه. وفي مرحلة ثانية، تدخل ليمنع انعقاد اجتماع للمجلس الوطني الذي يعتبر بمثابة برلمان الحزب. انعقاد المجلس الوطني لأي حزب دليل على الحيوية والدينامية، لكن قرار المنع هذا قد يضرب هذه الحيوية في الصميم ويمس بشعبية الحزب المتراجعة.

خرجة ابن كيران تطرح مجددا إشكالية القيادة الحزبية، وتراجع صورة وموقع سعد الدين العثماني رئيس الحكومة والزعيم الرسمي للعدالة. كما تطرح سؤال: هل نحن أمام حزب برأسين؟ يربط بعض علماء السياسية مسألة القيادة داخل الدولة بعناصر مختلفة مثل الكاريزما، وكيفية اختيار المستشارين والمحيط الحاكم، وكذا بالسياق العام الوطني والدولي. فأسلوب التعامل مع مختلف هذه المعطيات وتدبيرها هو ما كان يحدد حس وروح القيادة لدى الرئيس الفرنسي السابق الجنرال شارل دوغول مثلا.

في هذا المشهد العام، يظهر ابن كيران وكأنه سارع لإنقاذ العثماني إنقاذا واضحا عبر دعمه له في حملة الانتقادات القوية التي يتعرض لها، لكن في العمق وبحكم الوقائع وتطور المبادرات والأفعال وردود الأفعال، فإن ابن كيران يكرس قيادته وزعامته الصامتة أو ربما المتجددة.

كل الأحزاب تبنت نفس الموقف تقريبا في هذا الملف، مع اختلاف في الصيغ اللغوية وفي الحبكة السردية، وذلك باستثناء أحزاب اليسار الموحد المعارضة التي رفضت بشكل واضح وقاطع اتفاقية التطبيع.

بالنسبة للعدالة والتنمية، يبدو الوضع معقد نسبيا. بحيث أن الحزب تبنى رسميا عبر بلاغ للأمانة العامة نفس مواقف أحزاب الأغلبية تقريبا. إلا أن خرجات بعض أعضاءه والنقاش داخله، إلى جانب معارضة تيارات مقربة منه لاتفاقية التطبيع، صار يمس نوعا ما بموازين السلطة وبانسجام الخطاب الرسمي.

هذا النقاش الداخلي كان سيعتبر مؤشرا على أن الحزب ما زال مهيكلا ومنظما نسبيا، لكن التحول قد يكون وقع عندما تقرر عقد اجتماع للمجلس الوطني لإعادة تقييم الموضوع رغم حسم الأمانة العامة للأمر. والمفارقة هي أنه بعد مرور 4 أيام على هذا القرار، لم ينتظر الحزب أن يمنع اجتماع المجلس الوطني من قبل وزارة الداخلية في حال انعقاده في جلسة عمومية، وليس افتراضية. لم ينتظر الحزب ذلك بل قرر أن يمنع نفسه بنفسه. وهذه الرقابة الذاتية تضرب في الصميم تصريح ابن كيران نفسه عندما قال إنه شخصيا سجل أن السلطة لا تعارض حرية التعبير في هذه القضية.

انعقاد هذا الاجتماع كان سيفتح الباب أمام احتمالين أساسيين: أولا، مراجعة موقف الحزب جذريا، وتبني خطاب معارض للاتفاقية، وهو احتمال مستبعد في رأيي لأنه قد يمس بموقع الحزب في الحكومة وسيؤدي إلى خروجه منها. ومع أن الاستقالة أمر طبيعي في السياسة، فإن الحزب لا يبدو مستعدا للإقدام على مثل هذه الخطوة. ثانيا: احتمال أن يعرض الحزب نفسه لتجاذبات وصراعات داخلية قد لا يخرج منها سالما. وهو احتمال يبقى واردا وقويا.

البراغماتية السياسية لحزب العدالة صارت على المحك اليوم، وهي براغماتية نحتها بشكل مختلف عن الإخوان المسلمين في مصر الذين اصطدموا مع العسكر في 2013 رغم وجود مرجعيات مشتركة بين التجربتين المغربية والمصرية. وبسبب اتفاقية التطبيع، فإن التجربة المغربية توجد أمام الامتحان.

عموما، سواء عقد العدالة والتنمية أم لم يعقد مجلسه الوطني، فإن وضعية الحزب يطبعها التعقيد والتردد، وذلك في ظل صعوبة تدبير الشأن السياسي حاليا بالنسبة لمختلف الفاعلين في النخبة السياسية وذلك في ظل تراجع مؤشرات الثقة والمشاركة، رغم ما يبدو من ربح نقاط في معركة الوحدة الترابية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *