لنا ذاكرة

رحيل عبد الله زجلي.. مهندس انتفاضة “16 غشت” وقيدوم المقاومين بالجهة الشرقية

قبل 67 سنة من اليوم، انفرد عبد الله زجلي، الذي وافته المنية قبل أيام، وكان حينها كاتبا عاما لحزب الاستقلال بوجدة، بكل من عبد الصادق القادري “بوتشيش” وأحمد بن يحيى القادري، وأسر لهما بنيته في تأسيس تنظيم مسلح ضد الاستعمار الفرنسي بالمغرب، وبعدها بأيام قاد انتفاضة ضد المستعمر بمدينة وجدة.

يحكي عبد الصادق القادري “بوتشيش”، في كتابه “أضواء على حركة المقاومة المسلحة”، أن زجلي أومأ له بالبقاء بعد انتهاء اجتماع لمكتب فرع حزب الاستقلال كان يحتضنه بيته، “ظننت أنني الوحيد المقصود بهذا الأمر، غير أنني شاهدت أحمد بن يحيى القادري الآخر يبقى إلى جانبي، وفاجأنا عبد الله الزجلي بقوله: إن الوضع في المغرب لاشك سيتمخض عن ميلاد حركة المقاومة المسلحة، وعلينا من الآن الاستعداد لمواجهة الموقف، إن ما نهيئه في النطاق الجماعي على مستوى خلايا الحزب لا يمكنه أن يستمر أكثر من أيام معدودة، ولذلك علينا أن نهيئ تنظيما سريا لضمان استمرارية العمل المسلح”.

حزب الاستقلال

كان زجلي منذ نعومة أظافره يتوق إلى الحرية والاستقلال والانعتاق من قيود الاستعمار، إذ تجرع رفقة عائلته مرارة المضايقات والاعتقالات، حيث زج المستعمر ببعض أقاربه في السجون، هكذا انخرط زجلي، وعمره لا يتجاوز 24 سنة، في صفوف حزب الاستقلال.

تلقى عبد الله زجلي، وهو ابن محمد بن عبد الواحد نائب قاضي بالمحكمة الابتدائية بوجدة، تعليمه في البداية بالكتاب القرآني، قبل أن يلتحق بأول مدرسة حرة بمدينة وجدة، كان يديرها عبد السلام الوزاني، كما أنه نشأ في أسرة متشبعة بالقيم والمبادئ الدينية والوطنية الصادقة، كل هذه العوامل ساهمت في تكوين شخصية وطني مناضل مبادر مناهض للظلم والاستعمار.

الشاب عبد الله الذي التحق بصفوف حزب الاستقلال عام 1945، سرعان ما أصبح مسؤولا عن تسيير خلية، قبل أن يتقلد مسؤولية الكاتب العام لفرع الحزب بوجدة، بعد إبعاد سلطات الاستعمار الفرنسي لسلفه محمد الدرفوفي إلى ميسور.

التعذيب الذي تعرض له زجلي إثر اعتقاله في أواخر 1950، رفقة عدد من الوطنيين، لم يثنه عن التشبث بمقاومة الاستعمار بعد مغادرته لأسوار السجن، حيث يضع لمسته على كل الأحداث السياسية التي شهدتها منطقة الشرق، كما دأب زجلي على السفر إلى مدن فاس والرباط والدار البيضاء وغيرها، حيث كان ينسق بين فروع حزب الاستقلال لتأسيس خلايا وتنظيمات حركة المقاومة المسلحة.

أواخر عام 1952 زجت قوات الاستعمار الفرنسي بعدد من الوطنيين وأعضاء حزب الاستقلال في السجون، بعد مشاركتهم في الإضراب العام احتجاجا على اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد، وهو ما دفع زجلي إلى عقد اجتماع طارئ تقرر خلاله توسيع مكتب فرع حزب الاستقلال وتدعيمه بنخبة جديدة من شباب مدينة وجدة.

انتفاضة 16 غشت

في غشت من عام 1953 تلقى زجلي تعليمات من قيادة حزب الاستقلال للتوجه إلى مدينة وجدة، بعد زيارة التهامي الكلاوي وعبد الحي الكتاني للمدينة الشرقية، فعاد إلى وجدة للتصدي للمؤامرة التي كانت تحاك ضد السلطان محمد بن يوسف، وعقد اجتماعا مع أعضاء المكتب لإعادة تنظيم الخلايا الحزبية والفرع تماشيا مع تطور الأحداث.

بعد يومين من إعلان سلطات الاستعمار تنصيب محمد بن عرفة “سلطانا” للبلاد(14 غشت 1953)، كانت الحركة الوطنية بالشرق، بقيادة زجلي، قد أعدت العدة ووزعت المهام على مختلف شرائح المجتمع لمواجهة المستعمر رفضا للمؤامرة التي حيكت ضد سلطان البلاد الشرعي.

وانتفض الوجديون ضد الاستعمار والمتعاونين معه في ثورة شهدتها كل أرجاء المدينة يوم 16 غشت 1953، وهي ما بات يعرف فيما بعد بـ”انتفاضة 16 غشت”، وخلال هذا اليوم أمعن المستعمر في القتل والتنكيل والاعتقال والمداهمات.

زجلي كان أيضا ضحية للتعذيب والتنكيل خلال الاستنطاق، قبل أن تحكم عليه هيئة المحكمة العسكرية بوجدة في دجنبر 1954 بالإعدام بتهمة التحريض على القتل والنهب والفوضى، فظل في السجن المركزي بالقنيطرة إلى أن أمر الملك محمد الخامس، بعد عودته من المنفى، بإطلاق سراحه.

بعد حصول المغرب على الاستقلال، ظل عبد الله زجلي يحافظ على حركيته ونضاله، حيث تولى مسؤولية نائب مفتش حزب الاستقلال، كما كان عضوا في أول برلمان بالمغرب (1963)، وفي سنة 1976 انتخب رئيسا للمجلس البلدي لوجدة، كما تولى رئاسة منظمة 16 غشت بوجدة لسنوات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *