ملف

“مملكة التناقضات”: هل للمغرب تقاليد في مجال الطبخ؟ (ح 81)

الطبخ المغربي

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 81: هل للمغرب تقاليد في مجال الطبخ؟

لقد تم تقديم المغرب من طرف ليوطي كبلد الكوكاني. وكل شيء، في مطبخه الممتاز، يعزز هذه الصورة من البذخ والتنوع والتفنن ومثل جميع البلدان ذات التقاليد الملكية العظيمة (فرنسا والصين وفيتنام وتركيا)، يقدم المغرب فن الطبخ المتنوع والغني واللذيذ.

وتستند هذه التقاليد على وجه الخصوص على أربعة أطباق: الكسكس والمشوي والطاجين والمعجنات المورقة، المتاحة في عدد كبير من الأصناف.

بالإضافة إلى ذلك، هناك السلطات وأنواع الحساء المختلفة والفواكه والحلويات. لم يحبذ البلاط والأمراء فقط إنشاء أطباق عالية اللذة (الحلو/ المالح، مجموعة واسعة من التوابل)، بل دفعوا المغاربة الأثرياء إلى الاستمتاع بتناول الأطباق الجيدة وحسن استقبال الضيوف وإكرامهم؛ ولا يجب على الضيف أن يتذوق إلا جزءا قليلا من الأطباق المقدمة له، قبل أن تعود إلى المطبخ، ليأكل منها الضيوف العابرون.

إن الولائم الكبيرة تكون مصنوعة من عدة لحوم (الدواجن والأغنام بشكل رئيسي) أو من الأسماك الجيدة، وحتى لدعوة ظرفية، فإن والمضيف لا يتردد في الإسراف في النفقة حتى لو كانت إمكانياته المالية لا تسمح له بذلك.

وهذا البذخ يتناقض مع التقشف الذي يعيشه الشعب المغربي الذي اعتاد على المناخ شبه القاحل ويعرف شظف العيش. إن اقتصاد الصحراويين لا يمنع بعض السكان الآخرين من الإسراف وخاصة من البدو الرحل الذين يمكن تمييزهم عن أمازيغ الجبال (سكان الريف والأطلس المتوسط)، الذين يعشقون الأغنام والأرانب والخنازير البرية ولحم البقر والحمام، وما إلى ذلك، وهو أمر أقل احتمالاً، نظراً لتكلفة اللحوم ونمو السكان.

وفي الجنوب، وعلى الحدود الصحراوية، وعلى المرتفعات الشرقية، فإن ندرة الموارد دفعت إلى تفضيل الكسكس والزيتون والقهوة كأساس للغذاء. وينتشر هذا الاقتصاد على نطاق واسع في جميع أنحاء البلد، مع وصول الخبز والسكر المصفى الموجود في الكوكاكولا والشاي والمشروبات الغازية، وما إلى ذلك. لم يعد حوالي ثلاثة أرباع السكان يأكلون اللحوم خارج فترة عيد الأضحى مع عدد قليل جداً من منتجات الألبان، باستثناء الأطفال (عندما يستطيعون).

ومن ناحية أخرى، يستهلك الناس الكثير من السكر، مما يطرح مشاكل خطيرة على الصحة العمومية، ولا سيما بين النساء. أما في المدن الكبيرة، السياحية أم لا، منذ السبعينيات، اعتمدت الطبقات الوسطى الحضرية نظامًا غذائيًا موحدًا: الدجاج المقلي أو شطائر اللحم والتي يمكن العثور عليها في جميع قوائم المطاعم ثم البيتزا والكباب الآن تعيث فسادا أيضا، وكذلك الوجبات السريعة على غرار المجتمعات الغربية، مع الدجاج أو الديك الرومي.

هذا التغيير ثقافي بسبب تطور طريقة حياة سكان المدن: النساء لم يعد لهم الوقت لقضاء ساعات طويلة في المطبخ كل يوم لإعداد الأطباق التقليدية، ناهيك عن أن تأثير التقليد لا يمكن إنكاره. لا يوجد شيء أكثر أناقة في البرجوازية المغربية من الذهاب بأطفالك إلى ماكدونالدز أو تيكس ميكس، حتى لو بدأ التعب يظهر بعد عشرين عاما من وصول هذه العلامات إلى المغرب.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *