وجهة نظر

في الفيمنيست الإسلامي..

الحلقة الأولى: الدلالة المفاهيمية وسؤال التميز

ان الحديث عن التجربة النسائية بالمغرب هو نحث في التاريخ بصيغة المؤنت بما يفرضه من دقة في الكتابة والبحث والتحليل والابتعاد عن الاحكام والتجريح على اعتبار ان سؤال النسائية المغربية يبتدأ مع بروز الحركة الوطنية ابان الاستقلال ، حيث ان ما يميز الحركة النسائية المعاصرة هو هذا التعدد في الاطروحات رغم ان المطلب يكاد يكون واحدا، لكن مداخل الترافع عنه تبقى متعددة باختلاف المدارك والاتجاهات ،او بمنهج علمي يمتحي من حقل علم السياسة بما يضمن ادخال المنهج السلوكي في فهم خطاب الفيمنيست المغربي بصفة عامة والإسلامي بصفة خاصة لفهم طبيعة وطريقة اشتغاله ونمط تفكيره .

ويمكن ان نعرف الحركة النسوية المغربية ، بانها اتجاه او مجموعة من الدعوات الفكرية والسياسية التي كانت تناقش وضعية المرأة وحقوقها بصفة عامة ، لكن يصعب الحسم في بدايات الانطلاقة الحقيقية لديناميات اشتغالها المجتمعي ، نظرا لتداخلها مع السياسي ، في فترة من فترات التحول الذي عرفه المغرب بعد الاستقلال.

ولذلك فالحديث عن النسوية الإسلامية لا يمكن ان يكون بمعزل عن نسقها المغربي ، رغم تأثرها المشرقي الواضح في أدبياتها الفكرية ، ولذلك يمكن ان نتحدث عن تجارب متفرقة مزجت بين الطابع النسائي الصرف في مطالبها ، وبين عملها الحقوقي والاجتماعي بصيغة المؤنث ، وخاصة بعض التنظيمات التي فضلت القطيعة المؤسساتية بين مؤسسات الدولة .

ما لفت إلى أنه هذا المصطلح الغربي المنشأ “الفيمنيست” أو النسوية مصطلح مختلف عن النسائية، فالنسوية فكر يسعى إلي مركزية المرأة حول نفسها، ومصطلح النسائية يسعى إلي تحرير المرأة، وقد ظهر هذا المصطلح في القرن التاسع عشر، كدفاع عن عدم حصول المرأة على حقوق كثيرة بسبب اضطهاد الرجل .

ورغم ان النسوية قد تكون اعمق في الدفاع عن المرأة الا انها غالت في تطرفها حيث أصبحت تميل الى لغة الجسد وملكيتها بصناعة فكرية مثيرة ، حتى أصبحت بعض الجمعيات الغربية والعربية كذلك تدافع على حقوق الفئات الأكثر ميلا للجنس مما جعلها تعيش نوعا من العزلة البعيدة عن قضايا المجتمع والمرأة بصفة أساسية .

ولذلك لا يمكن الجزم اننا امام فيمنيست إسلامي صرف على اعتبار اننا سنكون ام عملية محاكاة لنسق غربي مع نسق ينتمي الى نسق عربي واسلامي بمقومات تختلف في الجذور والمنشأ والطبيعة ،ولذلك ساميل الى مصطلح النسائية لأنه اعمق وجدي في الطرح والترافع .

فالنسائيّة الإسلامية ، يقارب قضايا النساء والعلاقة بين الرجل والمرأة من منظور جديد مختلف عن منظور باقي الحركات النسائيّة الغربية وغير الغربية، ويدافع عن حقوق النساء المسلمات في كلّ أنحاء العالم. وهو تيّار يعتبر نفسه وسطاً بين التيارات العلمانية التي تعتمد على المرجعية الحقوقية، وبين التيّارات المحافظة التي تأخذ بالمرجعية الدينية، ولا تقبل أي جدل حول مضامينها، كما يؤكّد على ضرورة فصل التقاليد والعادات المحافظة والممارسات التمييزية ضد النساء السائدة في المجتمعات الإسلامية استناداً إلى النصّ القرآنيّ.

وتعمل الباحثات المنتميات إلى النسائية الإسلامية على توضيح أنّ الإسلام دين يحترم النساء ويقرّ بالمساواة بين الجنسين، ويبرهن على ذلك بالرجوع إلى العديد من الآيات القرآنية.

وترى الدكتورة أسماء بنعدادة ان النسوية الإسلامية كتيار فكري نسائي مدافع عن حقوق النساء المسلمات، لا توجد في الدول العربية والمسلمة فقط، بل هي ظاهرة عالمية موجودة في جغرافيات متفرقة عبر العالم، لا يمكن القول إنّها منتوج غربي أو شرقي، لأنّه يخترق هذين العالمين كما يخترق آسيا وجنوب إفريقيا.

وفيما يخص سؤال التميز بين النسق النسائي الغربي والنسق النسائي الإسلامي فان هناك مجموعة من العوامل التي عكست هذا التمايز بصفة عامة ونجملها في:

المعطى الفكري : حيث ان الحركات النسائية الغربية علمانية المنشأ والتفكير والتغيير وحتى الدينية منها، فانها تعمل بمقومات ممزوجة بين الفكر المسيحي والفكر العلماني ، وهي ذات مرجعية حقوقية وفي بعض الأحيان يمكن أن تنتقد حتى هذه المرجعية، خاصة حينما تعمل حقوق الإنسان على طمس هويّة النساء باسم الدلالة المجردة لمفهوم الإنسان. لهذا ظهرت العديد من المواثيق الدولية والاتفاقيات والبرتوكولات الخاصة بحقوق النساء، وعلى رأسها سيداو.

أمّا النسائية الإسلامية فمرجعيتها كما يدلّ على ذلك الاسم دينية بالأساس.

فهي إسلامية بمعنيين: أوّلاً لأنّها تتوجّه إلى المسلمات من النساء في كلّ بقاع العالم، ثانياً لأنّها تعتبر أنّ الإسلام كونه ديناً سماويّاً هو مرجعها الأساسي، وأنّ القرآن كتاب مقدّس يدعو إلى احترام النساء ويقرّ بمبدأ المساواة بين الجنسين، أمّا سلطة الرجل على المرأة السائدة في كلّ المجتمعات الإسلامية، فلا تعود إلى الإسلام كدين ولا للقرآن ككتاب مقدّس، بل ترجع بالأساس إلى المجتمع الأبوي وإلى الثقافة المحافظة ، اللذين أوجدا التمييز بين الجنسين، وعملا على الإبقاء عليه.

لهذا يجب التصدي إلى هذا الفكر والرجوع إلى النص الأصلي وتفسيره تفسيراً نسائياً يظهر مبدأ المساواة المتضمن فيه.

المعطى التاريخي وعلى أرض الواقع، الحركات النسائية الغربية حركات اجتماعية سياسية احتجاجية، ظهرت في سياق التحولات الكبرى التي شهدتها الدول الغربية في القرنين السابقين، كلّ واحدة تأسست داخل المجتمع الذي تنتمي إليه، كأن نتحدث عن حركة نسائية “فرنسية” أو “أمريكية”. مرّت هذه الحركات بموجات وعرفت تيارات فكرية متعددة ومختلفة، لكنّ خصوصيتها هي أنها تتوجه إلى كل النساء بدون تمييز بسبب الدين أو العرق…، كما نجد لها امتدادات في المجتمعات التي تتواجد فيها ساهمت بشكل مباشر في تغيير العديد من القوانين المتعلقة بالعلاقات بين الرجل والمرأة، كما كانت وراء حصول النساء على العديد من الحقوق المدنية والاجتماعية والفردية.

أمّا النسائية الإسلامية فقد ظهرت مع بدايات الإسلام ،رغم ان الكتابات المعاصرة لا تميل الى هذا التدقيق التاريخي ،لان الحركة النسائية هي امتداد لكل فعل نسائي سواء من الذكر او الانثى ويهدف الى الدفاع وتوضيح الحقوق لفائدة النساء ، ورغم ان التاريخ في الحقل النسائي يبقى ضعيفا وغير مستقل للعديد من المعطيات ،على اعتبار ان المجتمع الذكوري بقي في مخيلة الفكر العربي والإسلامي ،ولذلك كانت الحركة النسائية الإسلامية قوية في رموزها اللذين استطاعوا ان يضمنوا حضورا سياسيا وفكريا في العديد من الدول التي حكمت واسست حضارات في الشرق والغرب ،لكن شح الكتابات سلط الضوء على بروز النسائية الغربية كنوع من التبشير الحقوقي في زمن الانتكاسة الفكرية التي كان العالم الإسلامي يعيش فيها ،ولذلك حتى الكتبات المعاصرة للعديد من الباحثين الاجتماعيين تميل الى تاريخ الحركة النسائية الإسلامية بعد الثمانينات وهذا ظلم تاريخي للنسائية الإسلامية ،لانها بصفة عامة امتداد للحركات النسائية المجتمعية التي كان لها دور أساسي في العديد من المراحل التي قطعتها الحضارة الإسلامية بصفة عامة .

المعطى السياسي

تميز خطاب النسائية الإسلامية بالمغرب ، كخطاب ذي مرجعية دينية برؤية مختلفة فكرياً وعملياً عن الحركات النسائية الغربية. حيث تأثر بأدبيات الشرق الإسلامي ، واعتمدت على مجموعة من القراءات الفقهية المعاصرة رغم انها ذكورية في أغلبيتها ،الا بعض الكتابات المحتشمة لبعض رموزها الفكرية والسياسية النسائية ،الا انها أصبحت في نوع من الانسجام برؤية واقعية ،حيث أصبحت توجد لها مراكز في الترافع على المستوى الدولي بما يجعلها تنسق مع العديد من الحركات النسائية الغربية وخاصة الدينية منها في قضايا تهم المرأة والاسرة والطفل والمجتمع .

وتشكل اهم وثيقة نوعية في نضال الحركة النسائية العالمية ، ما شكلته اتفاقية “سيداو باعتبارها ” وثيقة حقوق دولية للنساء”، تقرّ بأنّ التنمية الشاملة لأيّ بلد ورفاهيته يتطلبان إشراك النساء في جميع الميادين والقضاء على التمييز والإقصاء الممارسين ضدهنّ. ولتحقيق ذلك على الدول المصادقة وضع مبدأ المساواةِ بين الجنسين في دساتيرها وتشريعاتها واتخاذ التدابير وفرض الجزاءات لحظر التمييز ضدّ المرأة.

وهذا النضال العالمي جعل من الحركة النسائية حركة عالمية تلتقي بكل تلاوينها ، على شكل صورة متعددة الألوان ورسالة عالمية متعددة اللغات والأفكار ، مما يجعل من النسائية الإسلامية ورشا هاما في اثارة العديد من الإشكالات وجرأة في طرح القضايا التي تشكل مسكوت عنها او عجز على الاجتهاد فيها ، بما يضمن من هذا المنطلق إلى تأنيث فعل تفسير وتأويل القرآن والسُنّة، والاجتهاد في العديد من القضايا التي تشغل نضال الحركة النسائية بصفة عامة .

كما انه على المستوى الواقعي ما زال أمام نضالية النسائية الإسلامية ، عمل طويل وشاق من أجل إزالة أشكال التمييز المتفشية في جلّ المجتمعات العربية الإسلامية ، التي تصل حدود الجريمة، كجرائم الشرف وظاهرة ختان الفتيات.

كما انه يجب ان نتحرر من سؤال من المسؤول الذكر او الانثى، ام ان الذكر له مثل حظ الانثيين في المسؤولية فهذا الخطاب ليس هو المدخل الأساسي لتقوية النسائية الإسلامية ، باعتبارها تيار نسائي جديد، وكشاهد على تجربة عقد من الزمن بدأت بالتحاقي بإحدى الحركات النسائية المغربية وهي شبكة مختصة بالعمل النسائي *منتدى الزهراء للمرأة المغربية * والتي اصبح لها دور هام في الترافع بمقومات علمية وبحثية ، حتى أصبحت عضوة بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة ، مما جعلها تجربة حقيقية لكن برؤية تتسم بنوع من المحافظة والتأصيل المبني على ضوابط شرعية تحترم الخصوصية ، التي تعارضها النسائيات في الوطن والتي تنتصر للمرجعية الدولية كنوع من التحرر أو الثورة على الجاهز الذي ماهو الا صورة ذكورية نمطية لتفكير سائد غيب حضور المؤنت في الحياة بصفة عامة .

وهذا السلوك تلتقي معه “النسائية المسلمة” أو “النسوية الإسلامية”، على اعتبار انها تيار فكري جديد ظهر وسط مجموعة من الباحثات المسلمات من تخصصات علمية متعددة، علم الاجتماع، علم السياسة، الدراسات الإسلامية والفقهية، الطب…، هدفهن الرئيس دحض الفكرة التي هيمنت طويلاً، والتي مفادها أنّ قراءة القرآن وتفسيره مسألة سيظل يقوم بها الرجال والفقهاء وعلماء الدين وحدهم. وإثبات أنّه آن الأوان وحان الوقت لتقوم النساء المسلمات المثقفات والعالمات بهذا الدور، حتى يتمكن من استرجاع حقوقهن التي “سرقها” الرجال خلال أربعة عشر قرناً.

و ترفض النسائية الإسلامية بعض الأحاديث النبوية التي ترى أنّها تمييزية، وتحمل مضموناً تبخيسياً للنساء ولأدوارهن داخل المجتمع ، حيث قامت الباحثة التركية “هدايات طوكسال” التي اشتغلت مع وزارة الشؤون الدينية التركية حول مشروع حذف كلّ الأحاديث التمييزية ضدّ النساء. كما تعتبر هؤلاء الباحثات أنّ عدداً كبيراً من الأحاديث النبوية إمّا خاطئة أو مفتعلة، والغاية منها تكريس دونية النساء وزرع الكراهية ضدهنّ.

ولا يريد هذا التيار أن يترك باب التأويل والاجتهاد مفتوحاً في وجه التيارات. ويرى أنّه من الضروري ممارسة الاجتهاد المتنور المؤسس على مؤسسة دستورية وهي المجلس الأعلى للعلماء أو مؤسسات علمية غير رسمية كرابطة علماء المغرب . لهذا يمكن القول إنّه تيار إصلاحي جذري متنور،قد يساهم في انضاج المشروع الإصلاحي العام بالمغرب وبالوطن العربي بصفة عامة .

* رضوان بوسنينة مؤسسة تراحم للدراسات والبحوث الاسرية 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *