وجهة نظر

التطبيع ومستقبل خيارات الأحزاب الرافضة

وجدت مجموعة من الأحزاب المغربية الرافضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني نفسها في وضعية تسائل نظرية العمل السياسي التي سوف تتبناها في ظل ترسيم العلاقات مع “إسرائيل”. وللدقة، فالأمر لا يتعلق بتصريحات أو إصدار بيانات منددة أو رافضة أو متحفظة، بل بتوجهات تجديد رؤية للعمل السياسي والحزبي التي تتبناها لتستوعب المعطى الجديد، وتحدد الخيارات العملية في ظل وضع تؤكد مؤشراته الأولية أنه تجاوز الوضع الذي كان قبل سنة 2000، إلى وضع جديد تم تدشينه بتوقيع اتفاقات قطاعية، وقد يضم تبادل الزيارات والاستقبالات وغيره من الأشكال التي تترجم درجة تطبيع العلاقات بين الدول على مستويات عدة، الدبلوماسية و الحكومية والبرلمانية وعلى مستوى الجماعات الترابية أيضا.

والتحديات التي يطرحها الوضع الجديد تهم بالخصوص الأحزاب التي سوف ترشحها نتائج الانتخابات المقبلة لترؤس الحكومة، أوتفرزها مشاورات تشكيل الأغلبية الحكومية لتولي حقائب وزارية، ونفس الشيء تقريبا فيما يتعلق بالجماعات الترابية. والأمر يهم بالخصوص 4 أحزاب، وهي العدالة والتنمية بشكل كبير، وأحزاب التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي والاستقلال بشكل أقل. وباقي الأحزاب لم تبرز القضية الفلسطينية من قبل لديها بشكل قوي يجعلها تعيش إكراهات ذاتية مرتبطة بها، وقد يمارس بعضها المزايدات السياسية على الأغلبية الحكومية من موقع المعارضة، والذي ينبغي تدقيق مفهومه في هذه القضية.

وبعيدا عن التناول الاعلامي وفي مواقع التواصل الاجتماعي، الذي اختصر الصورة، جهلا أو استثمارا سياسويا، في تحميل مسؤولية التطبيع لحزب العدالة والتنمية، يعلم الجميع أن قرار استئناف العلاقات مع “إسرائيل” قرار اتخذته الدولة، ويتعلق بمجال حصري لرئيسها، وستعززه مبادرات الطعن فيه أمام القضاء إذا فشلت في إبطاله. أي أننا أمام واقع سياسي أصبحت فيه العلاقات مع إسرائيل أمرا رسميا.

هذه الوضعية تعني أن مؤسسات الدولة، وخاصة البرلمان والحكومة والجماعات الترابية التي قد تتعاقب في ظل هذا الوضع، سيُلزمها منطق الدولة على تمثل إعادة العلاقة مع “إسرائيل” على مستواها، مما يفرض بالتالي على الأحزاب المعنية الانخراط من منطق الدولة. ليبقى هامش معارضة استئناف العلاقة مع “إسرائيل” للمجتمع المدني وللأحزاب التي قد تختار مقاطعة المؤسسات.

ورغم ما سبق فهذا المستجد لم يسفر عن مواقف رسمية واضحة إلى حد الآن لدى الأحزاب المشاركة حول رؤيتها للتعامل مع وضعية التطبيع وما تفرضه من تعامل مباشر مع أجندة الدولة في إطاره، إلا أن الأمر ما يزال في بدايته، وستضطر تلك الأحزاب، أغلبية ومعارضة، إلى التعبير عن مواقف واضحة قبل الانتخابات المقبلة.

في هذا الإطار الذي يتجاوز لحظة صدمة استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية، إلى استشراف مواقف الأحزاب في ظل التطورات المستقبلية المحتملة لتلك العلاقات على المدى القصير والمتوسط على الأقل، ستجد الأحزاب المشاركة الرافضة للتطبيع نفسها أمام ثلاث خيارات كبرى متمايزة:

الخيار الأول: الاستمرار في خيار المشاركة السياسية المؤسساتية الشاملة (ونقصد به المشاركة الانتخابية، والمشاركة من موقع المسؤولية في تدبير الشأن العام الحكومي والترابي).

الخيار الثاني: المشاركة المؤسساتية بأفق المعارضة، وفيه مستويين يلتقيان في المشاركة الانتخابية ويختلفان في مستوى المعارضة، الأول يقتصر على المعارضة البرلمانية، ويشارك في تدبير الشأن العام على مستوى الجماعات الترابية. والثاني، يتعلق بالمشاركة الانتخابية بأفق المعارضة الشاملة (البرلمانية وعلى مستوى الجماعات الترابية).

الخيار الثالث: مقاطعة المشاركة المؤسساتية، بدءا بمقاطعة الانتخابات.

وفي مناقشة هذه الخيارات سنجد أن القضايا المحددة لتطور خيارات الأحزاب تتعلق بطبيعة الموقف من أمرين أساسيين ودرجة ذلك الموقف، الأول يتعلق بالموقف من قرار الدولة، والثاني يتعلق بالتطبيع الإسرائيلي. وكلما كانت العلاقة مع الدولة هي المحدد كان التوجه نحو المشاركة الشاملة قويا، وكلما كان رفض التطبيع هو المحدد كان التوجه نحو المقاطعة السياسية قويا.

ومن المهم، قبل مناقشة تلك الخيارات، ملاحظة أننا نتحدث عن الموقف من التطبيع، وليس الموقف من القضية الفلسطينية، على اعتبار أنه، من جهة أولى، قرار الدولة لم يكن نتيجة تحول في موقفها من القضية الفلسطينية، كما أكدت بلاغات الديوان الملكي، بقدر ما كان نتيجة تحول في موقفها من التطبيع مع إسرائيل في علاقة مع ملف القضية الوطنية. كما أن أيا من الأحزاب السياسية المشاركة، وبناء على ما سبق، ليس مطلوبا منها بالمطلق أن تغير موقفها من القضية الفلسطينية، بقدر ما سيطلب منها التعامل مع قرار الدولة. وهناك فرق دقيق بين الأمرين، يجعل للقضية الفلسطينية بعدا مبدئيا واستراتيجيا ويجعل لقرار التطبيع بعدا ظرفيا يخضع لمنطق سوق موازين القوى والعلاقات الدولية والمصالح الإقليمية للدول، والتقديرات التي تعتمدها الدول في تدبير هذا المستوى.

في الخيار الأول: الاستمرار في خيار المشاركة السياسية المؤسساتية الشاملة

الوضوح الذي يتطلبه هذا الخيار هو في الموقف من التطبيع، ففي هذا الخيار سيطلب من أحزابه تجديد رؤيتها للتطبيع، بحيث أن رفض التطبيع كان يدخل ضمن خدمة القضية الفلسطينية ودعمها، وفي هذا الخيار سيصبح رفض التطبيع عمليا خارج منظومة دعم القضية الفلسطينية بدرجات مختلفة. وفي إطار هذا الخيار يمكن أن تتبلور ثلاثة توجهات ممكنة:

التوجه الأول: لاشيء تغير مبدئيا في الموقف الرافض للتطبيع، وتكون المشاركة السياسية الشاملة لتعزيز حضور القضية الفلسطينية في المؤسسات وتقويته، باعتبارها قضية وطنية لم يطرأ عليها أي تغيير بالنسبة للدولة. ويكون التعامل مع علاقات التطبيع من باب إكراهات سياسية ينبغي استثمار الممكن منها أيضا لخدمة القضية الفلسطينية، أي أننا سنكون مع “تعامل نقدي” مع التطبيع، يقبله كأمر واقع وينتقده كخيار للدولة. أي أن رفض التطبيع من حيث المبدأ ما يزال ضمن منظومة دعم القضية الفلسطينية وخدمتها، والقبول به من حيث الممارسة يكون من باب المرونة في التعامل مع قرارات الدولة، تفاديا للمواجهة معها.

التوجه الثاني: وقع لديه تحول في الموقف من التطبيع، وقد يرى من الناحية المبدئية أن رفض التطبيع لا يخدم القضية الفلسطينية. وحتى مع بقاء الموقف من القضية الفلسطينية في إطار موقف الدولة، فالمشاركة في مؤسسات الدولة لن تحضر فيه القضية الفلسطينية، ولكن أيضا ليس للإضرار بها.

التوجه الثالث، توجه لا تهمه سوى علاقات التطبيع، وهو توجه سيعمل على تعزيز تلك العلاقات ولو على حساب القضية الفلسطينية.

هذا التمايز، حتى حين لا يكون واضحا مند البداية، فهو سيكون نتيجة موضوعية للفرز الذي سيعتمل داخل مربع المشاركة السياسية الشاملة. وسيكون الموقف من القضية الفلسطينية ومن التطبيع من القضايا الحارقة في ذلك المربع.

في الخيار الثاني: المشاركة السياسية بأفق معارض (معارضة جزئية أو كلية)

في حال تموقع حزب أو عدة أحزاب في هذا الخيار، فإن تأثيراتها على قرارات الدولة فيما يتعلق بالتطبيع، ستكون قوية بقدر ما يكون حضورها العددي قويا ومؤثرا، وقد يؤدي إلى عدم استقرار المؤسسات، وقد تنتج عنه أزمات خاصة إذا لقي تجاوبا في الشارع العام، وهذا كله سيضع الدولة أمام معادلة سياسية بخيارين كبيرين:

التراجع عن قرار التطبيع مع أدنى فرصة متاحة، أو حل المؤسسات المنتخبة وإعادة الانتخابات وفق شروط مغايرة، تمنع “استغلال” مؤسسات الدولة لمعارضتها، وما يعنيه ذلك من إمكانية اعتماد التزوير الممنهج، وتعبئة المال الحرام، وتجييش السلطة للتحكم في النتائج.

تواجه الأحزاب التي قد تختار هذا الخيار تحديين، التحدي الأول سياسي، سيضع الأحزاب على “خط التماس” مع الدولة، ذلك أن الحديث عن المعارضة هنا غير دقيق، إذ لا يتعلق الأمر في الواقع بالمعارضة بمفهومها الدستوري المعتاد التي تقابلها الأغلبية، والتي تنحصر في المؤسسات المنتخبة وتعارض برامج واختيارات الأغلبية، بل يتعلق الأمر في الواقع بمعارضة توجه الدولة. التحدي الثاني، أخلاقي سياسي، يطرح مسألة الوضوح مع الناخبين: بأي برنامج ستخوض أحزاب هذا الخيار الانتخابات؟ هل ستقول للناخبين صوتوا على برنامجنا كي نمارس المعارضة؟ وما معنى برنامج انتخابي لممارسة المعارضة؟ وما جدوى الحملات الانتخابية؟ وما معنى حزب سياسي يخوض الانتخابات للتموقع في المعارضة؟ أم أنها ستلجأ أحزاب هذا الخيار إلى ممارسة “التقية”، فتضمر التوجه نحو المعارضة في الوقت الذي تظهر فيه أنها تشارك مشاركة طبيعية؟ وعلى كل حال فهذا الخيار الثاني هو “خيار متأزم”، أزمة معارضة الدولة من داخل مؤسساتها، وأزمة الوضوح مع الناخبين، وأزمة مصداقية الخطاب السياسي.

لقد عاش المغرب تجربة معارضة الدولة من داخل المؤسسات، وذلك في موضوع الخوصصة الذي كان قرارا للدولة اتخذه الراحل الحسن الثاني رحمه الله (خطاب الملك الحسن الثاني، رحمه لله، بمناسبة افتتاح الدورة الربيعية لمجلس النواب بتاريخ 8 أبريل 1988)، وعارضه الاتحاد الاشتراكي بالخصوص في البرلمان معارضة شديدة، لكن حكومة التناوب التي قادها نفس الحزب لم تتردد في إعطاء الخوصصة ديناميكة غير مسبوقة! وربما أعادت أحزاب الخيار الثاني نفس تجربة حكومة اليوسفي، إذا استمرت العلاقات المغربية الإسرائيلية وتعززت، لا قدر الله. حيث ستجد تلك الأحزاب نفسها مضطرة لتغيير موقعها إما نحو الخيار الأول، أو نحو الخيار الثالث، بعد أن يفقد ذلك الموقع حيويته، من حيث محدودية مردوديته، وعدم إمكان استمرار حزب سياسي في المعارضة الاختيارية، والطبيعي أنه يشارك ليمارس السلطة.

في الخيار الثالث: مقاطعة المشاركة السياسية المؤسساتية

إذا كان خيار المعارضة داخل المؤسسات يعبر عن عدم قدرة الأحزاب إعلان معارضة الدولة صراحة، وتغليف ذلك بالتموقع في المعارضة داخل المؤسسات، فإن الخيار الثالث يمثل الوضوح التام في علاقة أحزابه بالدولة فيما يتعلق بقرار التطبيع مع الكيان. غير أن التموقع في هذا الخيار، يفرض التمييز بين مستويات فيه.

المستوى الأول، تكتفي أحزابه بإصدار بلاغ مقاطعة الانتخابات، وإطلاق التصريحات، دون الدخول في تحالفات، او الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، على اعتبار أن الأجهزة التي ستفرزها تلك الإنتخابات سوف تمأسس التطبيع.

المستوى الثاني، تتجاوز أحزابه إعلان مقاطعة المشاكرة السياسية المؤسساتية، إلى الدعوة إلى مقاطعة الانتخبات، سواء بالتنسيق مع الفاعلين التقليديين في هذا التوجه، وخاصة العدل والاحسان واليسار الرادكالي، أو تنظيم حملات مقاطعة الانتخابات بشكل مستقل. المستوى الثالث، يتجاوز المحطات الانتخابية والدعوة خلالها إلى المقاطعة، إلى تحريك ديناميكية مجتمعية للضغط على الدولة للتراجع عن قرارها.

ورغم أن خيار معارضة استئناف العلاقات مع إسرائيل من داخل المؤسسات، يعني معارضة الدولة داخل مؤسساتها، إلا أنه متحكم فيه مقارنة مع الخيار الثالث، الذي يعني الدخول في مواجهة الدولة بشكل مباشر، وخارج المؤسسات. مما يعني إمكانية تحول الموقف الرافض لاستئناف العلاقة مع “إسرائيل” في الشارع إلى مصدر “تهديد” بالنسبة للدولة، يجعلها بين خيارين: وقف العلاقات مع “إسرائيل” أو مواجهة معارضيها بكل الوسائل.

إن بلوغ درجة ضغط سياسي ينتزع وقف تلك العلاقات يفترض وجود نواة صلبة من التنظيمات وتعبئة شعبية واسعة ودائمة، وهما شرطان أقرب إلى المستحيل في هذا الموضوع. ذلك أنه من جهة، أكدت تجربة “حراك 20 فبراير” كيف ضربت الخلافات والصراعات نواتها الصلبة، وكيف يمكن لتنظيم مثل جماعة العدل والاحسان، التي كانت العمود الفقري لذلك الحراك، أن تتخلى عنه في لحظة حاسمة بسبب حسابات سياسية، أدركت منها خطورة الاستمرار في تعبئة الشارع. ومن جهة ثانية، بعيدا عن العاطفة، لم تبلغ قط القضية الفلسطينية مستوى تحريك الشارع العام في أي بلد بشكل واسع ودائما يؤدي إلى تغيير مواقف الدول حتى بالتزامن مع المجازر الخطيرة والصادمة التي اقترفتها “إسرائيل” ضد الفلسطينين، فكيف بأن تبلغه بقرار إعادة علاقات كانت إلى حدود 2000 قائمة بين البلدين. إن أقصى ما يمكن أن تبلغه الديناميكية الشعبية هو تنظيم مسيرات حاشدة قد تعد بمآت الآلاف، لكن تعبئة الشارع على أساس رفض التطبيع وحده بشكل يفرض تغيير موقف الدولة، ليست له حظوظ راجحة إلا في سياق يعيد أجواء سنة 2000.

في الخلاصات:

إن الخلاصة الأولى التي يمكن أن نخرج بها من التحليل السابق هو أن خدمة القضية الفلسطينية وتفعيل كونها قضية وطنية، يتوسل إليه الخيار الأول، وخاصة التوجه الأول منه، بتعزيز حضور دعم وخدمة القضية الفلسطينية في سياسات الدولة وداخل مؤسساتها، دون مواجهة قرار الدولة باستئناف العلاقات مع إسرائيل. فيما يتوسل إليه الخياران الثاني والثالث بمحاولة الضغط على الدولة للتراجع عن قرار استئناف علاقتها مع “إسرائيل”، حتى وإن أدى ذالك إلى مواجهة مفتوحة ضدها. وهو ما يعني الاختلاف في الطريق الذي ينبغي أن تسلكه الأحزاب لحمل الدولة على الاستمرار في جعل القضية الفلسطينية قضية وطنية، وتعزيز دعمها وخدمتها: طريق التعامل النقدي مع خيار الدولة دون مواجهتها، وخيار الرفض الممنهج لقرار الدولة ولو بمواجهتها.

الخلاصة الثانية تفيد أنه في الخيار الأول، وحده التوجه الأول منه، من بين توجهاته الممكنة، هو الأكثر “واقعية” وفاعلية للبقاء في دائرة خدمة القضية الفلسطينية بشكل فعال ومؤثر. ومؤشر النجاح فيه هو أن تتبنى الدولة مقاربة نقدية في تدبير علاقاتها المستأنفة مع “إسرائيل”، ويتعزز دعم القضية الفلسطينية بشكل أقوى وأكبر في مؤسسات الدولة، على مستوى الدبلوماسية المغربية وفي سياسات الدولة على مختلف الأصعدة، وأن يحضر كورقة ضغط وتعامل في تدبير العلاقات مع الكيان لتدرك أن استئناف العلاقات معها ليس اختيارا استراتيجيا. ومخاطر هذا الخيار، بما فيه التوجه الأول منه، أن لا تقوى أحزابه على فرض رؤيتها، وتفشل في تعبئة ما يكفي من الفاعلين والرأي العام لصالحه، وخاصة مع وجود احتمال انزلاق الخيارين الثاني والثالث إلى دائرة الاحتكاك مع الدولة. وتكون النتيجة العملية تقوية نفوذ التطبيع.

الخلاصة الثالثة تفيد أن الخيارين الثاني والثالث، خيارات ترتبط نجاعتهما بمدى قدرتهما على إنشاء وضع لا تكون فيه للدولة خيارات أخرى غير وقف العلاقات مع “إسرائيل”. وهذا سيكون ممكنا على مستوى المؤسسات في حال غياب بدائل للدولة عن الأحزاب التي اختارت الخيار الثاني، ولم تكن لتوجه أحزاب الخيار الثالث تأثيرات ذات بال على سير المؤسسات وعلى الاستقرار. ومن مخاطر هذين الخيارين، أن النجاح في وقف العلاقة مع “إسرائيل” لا يعني تعزيز القضية الفلسطينية وخدمتها تلقائيا، بل قد تكون للدولة ردود فعل تجعلها تتراجع على مستوى خدمة القضية الفلسطينية، والعمل على جعلها قضية عادية على المدى البعيد، لتوفير شروط التحرر من معيقات الدخول في علاقات جديدة مع “إسرائيل” بأقل تكلفة. وهذا مضر جدا بالقضية الفلسطينية على المدى البعيد، بل وعلى المدى التموسط أيضا. ومن مخاطرهما أيضا أن الفشل فيهما يوفر حظوظ تمتين العلاقات مع “إسرائيل” بشكل أقوى، والتمكين للتطبيع بشكل أعمق وأشمل، وقد تكون نتيجته إضعاف الأحزاب التي اختارت أحد الخيارين، أو حتى أخطر من ذلك.

الخلاصة الرابعة والأخيرة، أن ما سبق لا يعني نهائيا أن مستقبل العلاقات الرسمية المغربية مع “إسرائيل” رهين فقط بمدى تأثير الفاعلين الحزبيين وغير الحزبيين داخل المغرب على الدولة، بل يخضع أيضا للتطورات على مستوى المنطقة، فطبيعته تخضع للتطورات في الساحة الدولية والإقليمية، وقد تعيد “إسرائيل” حماقاتها بشكل يحرك الشارع في العالم كما حركته انتفاضة سنة 2000، وتوفر بذلك شروط قطع العلاقات معها من جديد. وهذا يعني أننا لسنا أم وضع طبيعي ودائم، بل أمام وضع متحرك على الدوام يتطلب تعاملا حكيما ومتبصرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *