مجتمع

دار الدباغ.. “براريك” مهمشة تحول جلود المواشي لمنتوجات فنية (صور)

حمزة اليوسفي – وزان

تتواجد دار الدباغ، أسفل حي “الدرعاويين”، وسط مدينة وزان، قبالة ضريح سيدي مولاي علي بن أحمد، وتشكّل فضاء يعرف حركية إقتصادية في مجال الصناعة اليدوية، وتعد دار الدباغ وزان، من أقدم المدابغ على الصعيد الوطني، الضاربة في تاريخ الذاكرة المحلية.

كانت “الدباغين”، كما يحلوا للوزانيين تسميتها، فضاء يوفر مناصب شغل لسواعد المدينة، وقد ساهمت في تقليص من نسبة البطالة، وتأطير الشباب الوزاني الذي لم تسعفهم الظروف لإكمال الدراسة، إلى أن انقلبت الأقدار وصارت مرتعاً مستباحا للجنس والخمر وأشياء أخرى.
فبين تهميش من طرف السلطة الإقليمية والمجالس المنتخبة المتعاقبة على تسيير شؤون المدينة الجبلية، ظلت “دار الدباغ” تعاني في صمت وتقاوم اندثارها في انتظار انفراج قد يأتي أو قد لايبرز بالمرة.

إبداع وسط القاذورات..

في جولة قامت بها جريدة “العمق” المغربي، داخل أسوار “دار الدباغ”، وعلى بعد أمتار قليلة من ولوج مدخلها، تعصف بك رائحة قوية إلى درجة النتانة، ناتجة عن مواد طبيعية مستعملة في التصنيع، وداخل “الدباغيين” ترى حفرا مملوءة بالمياه، وجلودا منتشرة يغزوها الذباب والحشرات، وكلاب تحرسها على طول أرضية المدبغة المذكورة.

هي بحيز صغير أشبه ببراريك عشوائية، وقد تم وضع “قصدير” وبلاستيك على جنباتها تفاديا لمواسم الإمطار، فيما يفتقد المكان إلى الإنارة وربط بقنوات الماء الصالح للشرب، وبه يواظب”الدباغ”، نشاطه اليومي، بجمع جلود أشبه بالقمامة، في ظروف قاسية، وجهد بدني كبير، ليحوّلها بحسه الفني إلى منتوج تقليدي ذو رونق وجمالية ملفتة، ينتج “بدار الضمانة”، ويصدّر ويباع داخل وخارج أرض الوطن، ليكتمل بذلك الإبداع المشارف على الموت.

نظرة سريعة لمحيط الفضاء كافية لرصد حجم الإهمال والتهميش، اللذان تعرفهما “الدباغين”،”الدار التقليدية”: جنس، ودعارة، ومثلية، وتشمكير، وتجارة في “ماء الحياة”) نوع من الخمور البدائية المنتشرة بجهة الشمال( كلّها ممارسات تتم بالفضاء المجاور لضريح مولاي التهامي المحاذي لمقبرة المدينة.

تهميش وإهمال..

محمد رفيق العمراني رئيس جمعية مفتاح الخير للدباغة، والممتهن لهذه الحرفة منذ السبعينيات، يحكي لنا عن معاناة هذا القطاع داخل “دار الضمانة”، من منطلق الغيرة والحبّ، حيث عاش وتدرج في تعلّم المصنوعات الجلدية التي تتخذ من جلود المواشي كالأغنام والبقر والماعز مواد أولية، إلى أن أصبح فناناً في هذا الميدان.

وأوضح محمد رفيق أنّ دار الدباغ، تعاني انحدارا من ناحية العمال، بسبب قلة الموارد والآليات، صارت مهددة بالإندثار داخل المدينة العتيقة، مرجعا سبب ذلك أن أرضية الدباغيين في ملك خاص، وقد يطالب أصحاب الأرض في أية لحظة رحيل بقايا ممتهني دباغة الجلود.

كما دعا العمراني، المسؤولين عن الشأن المحلي والإقليمي، إلى ضرورة توفير الأرضية اللازمة، والآليات الممكنة، لإعادة إحياء هذه الصناعة التي ترمز لتاريخ المدينة العريقة.

ومن جهته عبر عبد الصمد الدكالي، الكاتب الإقليمي للفدرالية الديمقراطية للشغل، والذي يشغل نائب رئيس الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك، عن امتعاضه واستيائه جراء واقع دار الدباغ وزان، مؤكدا أنّ تدهور هذا القطاع يشكل وصمة عار ستبقى على جبين كل المنتخبين ورؤساء الجماعات الذين تناوبوا على تسيير شؤون مدينة وزان.

ودعا الدكالي، في تصريح لجريدة “العمق”، كل من عامل الإقليم والمجلسين البلدي والإقليمي، إلى ضرورة العمل سويا لإيجاد حلّ لهؤلاء المعلّمين لدباغة الجلود، السائرين في طريق الانقراض، من خلال مشروع من مشاريع التنمية البشرية، التي يرى عبد الصمد بأن هؤلاء أحق بها، بدل تكديس شوارع المدينة بعربات زادت من ضيقها، على حد قوله.

إكراهات..

وعزا عبد الحليم علاوي رئيس المجلس البلدي لوزان، مكامن الصعوبات في هيكلة هذا القطاع، إلى عزوف حرفيي هذا الميدان عن هذه الصناعة، وغياب الموارد البشرية، مرجعا الإكراهات الرئيسية لإنقاذ مجال “دباغة الجلود” بالمدينة العتيقة، إلى إشكالية العقار المرتبطة بأرض “الدباغيين” التي تعد ملكا خاصا.

وأضاف علاوي، أنه على أتم الاستعداد لطرق جميع الأبواب لحل إشكالات المتعلقة بهذا المجال الحرفي، مشددا في الوقت نفسه، على فعل اللازم بما تقتضيه مصلحة الساكنة، حتى وإن كانت الميزانية العامة للمجلس الجماعي تعرف عجزا في مواردها المالية.