ملف

“مملكة التناقضات”: ما هي العلاقة التي تربط المغرب بفرنسا؟ (ح 83)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 83: ما هي العلاقة التي تربط المغرب بفرنسا؟

وطّد التراث الاستعماري وضعية اللغة الفرنسية كأول لغة أجنبية إلزامية في البلاد واللغة الرئيسية للتعليم العالي، وفرنسا كأول بلاد يقصدها المهاجرون المغاربة البالغ عددهم 2.5 مليون مواطن مغربي أو مزدوج الجنسية.

لكن البيانات الإحصائية لا تكفي لتصوير العلاقة الخاصة بين المغرب وفرنسا. وعلى عكس الجزائر، حيث السلطات تدين فرنسا الاستعمارية – وليس الفرنسيين – بشكل جماعي، فإن المغاربة يوازنون بين إيجابيات وسلبيات الاستعمار.

إنهم ممتنون للمارشال ليوطي لعدم إهانتهم، واحترامه لهم ولوجدانهم العميق. غير أنهم يدينون بلا تردد تلك الطريقة التي نُفي بها السلطان سيدي محمد بن يوسف وابنه في عام 1953 باعتبارها لا تليق إلا بالمتمردين، لكن محمد الخامس والحسن الثاني كانا ينظران للوقائع بشكل مختلف وتوازن.

كانا يميزان بين الإقامة العامة ومصالحها الأمنية الممقوتة، المسؤولة عن الأزمة، وبين شخصيات فذة مثل فرانسوا مورياك François Mauriac أو جان فيدرين Jean Védrine، فضلاً عن الكنيسة الكاثوليكية، الذين أعدوا المستقبل لأن هؤلاء هم الذين عملوا، في عام 1954 و1955، وبمساعدة عدد قليل من السياسيين، على الرجوع إلى الصواب والتوجه نحو علاقة بين فرنسا والمغرب تبنى على فكرة “الاستقلال في الارتباط المتبادل indépendance dans l’interdépendance”، الذي كان مناسبا للسلطان محمد الخامس.

لم تتوقف الصداقة بين النخب في المملكة وبعض النخب الفرنسية. وقد حوّل العديد من الفرنسيين الجزائريين، وخاصة من ذوي الثقافة اليهودية السفاردية والموظفين المدنيين والضباط والسياسيين الفرنسيين، استياءهم العميق من خسارة البلاد التي تعلقوا بها وهي الجزائر، إلى ارتباط بالمغرب.

لقد لعب الحسن الثاني بشكل باهر على مرارة الفرنسيين تجاه الجزائر التي أصبحت معادية، ليعاملهم بسخاء وكرم غير مجاني. وهكذا أقيمت علاقة خاصة بين النخب الفرنسية والمغربية، تتمحور حول العديد من المصالح المتبادلة، والزيجات وروابط الدم والصداقات، ومختلف أشكال التعاون، وأحيانا في مجالات غير متوقعة.

بعد لندن، واشنطن وبرلين، أصبحت الرباط تضم رابع أكبر سفارة فرنسية في العالم: من حيث عدد الموظفين الفرنسيين والمحليين، والمؤسسات التابعة (6 قنصليات، 13 معهدا فرنسيا و40 مدرسة أو ثانوية)، بالإضافة إلى حجم الالتزامات المالية للوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)، والمبادلات التجارية والسياحية والعمل القنصلي ووجود 100,000 فرنسي أو مزدوج الجنسية في المغرب.

وقد استمر هذا الوضع الاستثنائي على الرغم من المحاولات الرامية إلى إعادة توجيه هذا الإرث الدبلوماسي المذهل. كانت إيطاليا وروسيا والصين تمثل بالنسبة لفرنسا مصالح اقتصادية وقضايا استراتيجية عليا أقوى بكثير من المغرب. ولكن بعد خراب علاقاتها مع فيتنام والجزائر، بسبب الحروب، أصبح المغرب جسرا للعلاقات بين فرنسا من جهة وإفريقيا والعالم العربي من جهة أخرى.

وقد عززت الحرب الباردة هذه العلاقة بمباركة الولايات المتحدة. في مواجهة إسبانيا الفرانكوية والجزائر الثورية، كان المغرب هو الدعامة الأساسية للحضور الفرنسي في المنطقة. وكان الحسن الثاني شريكا مخلصا، إلا عندما انفجرت قضية بن بركة. وظلت السفارة الفرنسية في الرباط نوعًا من سوبير وزارة super ministère حتى نهاية القرن العشرين.

أما في عهد محمد السادس، فإن العلاقة لم تعرف نفس الصفاء والاستقرار، على الرغم من العلاقة العاطفية التي كانت تربطه بالرئيسين جاك شيراك وبعده نيكولا ساركوزي.

لقد أظهر الملك وأقاربه علامات التعب من هذه الوصاية الثقيلة. اندلعت أزمة دبلوماسية عنيفة في عام 2014 بين البلدين عندما استدعت العدالة الفرنسية مدير المخابرات المغربي – مدير مديرية مراقبة التراب الوطني – إلى باريس بتهمة ممارسة التعذيب.

بعد عام ونصف العام من العلاقات المتعثرة، قررت باريس والرباط تجاوز الأزمة وتخلت فرنسا عن ولايتها القضائية الدولية مع المغرب، وفي المقابل نجح الملك في الترويج لتعزيز حضور اللغة الفرنسية في التعليم المغربي، وهي نقطة حاسمة بالنسبة لباريس.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *