ملف

“مملكة التناقضات”: لماذا عاد المغرب إلى حضن الاتحاد الإفريقي؟ (ح 89)

الملك محمد السادس الاتحاد الإفريقي

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 89: لماذا عاد المغرب إلى حضن الاتحاد الإفريقي؟

أما القضية الدبلوماسية الكبرى الأخرى في عهد محمد السادس، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالشأن السابق، على الرغم من أنها تنبع هذه المرة من اختيار شخصي، فهي إعادة حضور المغرب في أفريقيا.

وفي مواجهة الصعوبات الداخلية والخارجية من جميع الأنواع، وبحثاً عن نمو اقتصادي إضافي، وحرصاً على حشد بلدان أفريقية جديدة لقضيته الصحراوية – ومن بينها بلدان كانت تناصبه العداء – انطلق الملك في عملية إعادة الحضور في الساحة الأفريقية، التي لم يكن والده يهتم بها لكونه مشغولا بالعلاقة مع الغرب.

منذ بداية حكمه، زار محمد السادس بلدانا إفريقية، ورحلاته كانت أقرب إلى جولات طويلة كما يفعل في أي مكان آخر في العالم. وكان يمضي في بعض الأحيان أسابيع طويلة مع حاشيته في نفس البلد نفسه وأقام علاقات وثيقة مع بعض القادة بمن فيهم صديقه علي بونغو رئيس الغابون.

إن الغابون، وهي دولة صغيرة غنية بعائدات النفط، تديم العلاقات الممتازة بين الغابون والمغرب وتدافع عن المغرب في وسط أفريقيا. المغرب أيضا لديه علاقات ممتازة مع أفريقيا الغربية وبلدان والساحل، والتي كان قد ساهم في أسلمتها قبل بضعة قرون، والتي لا تزال تربطها بالمغرب علاقات أخوية كما أن شخصية السلطان المغربي لا زالت حاضرة في ذاكرة تلك البلدان.

والملك يهتم أيضا بالفرص المتاحة. وعلى عكس والده، حضر محمد السادس قمة عربية واحدة بسبب علاقاته السيئة مع نظرائه الزعماء. وقد أدى الربيع العربي لعام 2011 إلى تفاقم الوضع؛ فقد ضيع الوقت في الاتصال مع البلدان التي تحكمها جماعة الإخوان المسلمين التي ينبذها وشهد انهيار دور الجزائر وليبيا في أفريقيا.

كان القذافي، وهو أحد المانحين الرئيسيين للبترودولار إلى بلدان وسط وغرب أفريقيا، يحظى بتقدير كبير لعمله الإقليمي. وتتبع الجزائر سياسة القوة في موريتانيا ومالي والنيجر بالتنسيق مع البلدين الكبيرين نيجيريا وجنوب أفريقيا. لكن الجلطة الدماغية التي أصابت الرئيس بوتفليقة في عام 2013 وضعت حداً لهذه العلاقات المتميزة لأن الحاشية لا تستطيع أن تشتغل بدلا من الرئيس ولا أن تقوم مقامه.

استفاد محمد السادس من الفراغ الذي كان مفتوحاً أمامه في جنوب الصحراء. إن الجهاد السوري وتوسع الجماعات الجهادية في منطقة الساحل (مثل بوكو حرام، التي أعلنت ولاءها لـجماعة داعش) سمحا للمغرب بتقديم نفسه كضامن للإسلام المعتدل والشرعي، تحت قيادة إمارة المؤمنين.

يوجد أكثر من 1000 إمام مالي يتدربون في المغرب منذ عام 2017، والمملكة تُدَرِّس الإسلام المالكي والصوفي. وبالإضافة إلى ذلك، تنتشر المصارف المغربية في غرب أفريقيا. وأصبحت لها واحدة من أكبر الشبكات المصرفية في هذه البلدان.

وقد ارتفع حجم الاستثمارات المغربية في أفريقيا بنسبة 15-20%. وهذا ليس استثنائياً ولكنه كاف للمغرب للاستفادة سياسياً وطرق باب الاتحاد الأفريقي، بعد ثلاثين عاماً من مغادرة الحسن الثاني لمنظمة الوحدة الأفريقية في عام 1984.

بعض البلدان التي تم التأثير عليها بعناية بالغة، توقفت عن مساندة البوليساريو تحت ذريعة أن ذلك لا يساعد خيار الاستفتاء. وهناك بلدان أخرى، مثل نيجيريا وجنوب أفريقيا، على الرغم من مساندتها لجبهة البوليساريو، لعبت ورقة الشرعية، مما سمح للمغرب، المصمم على الاستفادة من هذه الفرصة لتحقيق أهدافه، بالانضمام إلى الاتحاد الأفريقي في يناير 2017، إلى جانب جبهة البوليساريو.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *