وجهة نظر

“جمعية أحضان”.. أحضان الأيتام بالمحمدية

توجيه البوصلة عبر هذا المقال نحو “جمعية أحضان لرعاية الأيتام” بالمحمدية، ليس من باب الإشهار كما قد يعتقد البعض ولا من باب الدعاية الإعلامية كما يتخيل البعض الآخر، ولا حتى من باب النبش في حفريات تاريخ الجمعية ورصد ما حققته من مكاسب ومنجزات منذ تأسيسها لفائدة أيتام المحمدية، فالجمعية ليست في حاجة إلى إشهار أو دعاية أو تعريف، وأعمالها وأنشطتها الاجتماعية والتضامنية والتطوعية والإنسانية في حق الأيتام دالة عليها، ولاتحتاج بذلك، لأي قلم أو صوت ليعرف بها أو يترافع دفاعا عنها، ويكفي قولا أنها تفتح الأحضان للأيتام وتواكبهم ماديا ودراسيا واجتماعيا ونفسيا عبر شركائها المتعددين، محافظة بذلك على ما يجمعنا كمغاربة من قيم دينية وإنسانية مشتركة على رأسها التضامن والتعاضد والتكافل، مبقية على الجسور قائمة وممتدة عبر المكان والزمن مع ثقافة “رعاية الأيتام” التي لم يعد لها صدى أو تأثير في مجتمع بات يعيش بين فكي الأنانية المفرطة والمصلحة العمياء، في ظل ما تعيشه منظومة القيم والأخلاق من تراجع وانحطاط.

نزولنا اليوم من صهوة جواد السياسة والمجتمع والتربية والتعليم والإعلام، لنطرق باب “جمعية أحضان لحماية الأيتام” هو محاولة مقصودة لفتح ملف واقع “الأيتام” بالمغرب، وفي هذا الصدد، وفي غياب أرقام ومعطيات رسمية حول الموضوع، وخاصة حول جمعيات المجتمع المدني النشيطة في مجال التكفل بالأيتام ورعايتهم، نــرى أن هناك بؤسا جمعويا على مستوى الجمعيات الراعية للأيتام، بدليل أن “المحمدية” تحتضن جمعية “يتيمة” متخصصة في المجال (جمعية أحضان) تتحمل وزر التكفل بأيتام المحمدية ورعايتهم، وهذا البـــؤس الجمعوي، هو مرآة عاكسة لمجتمع بات أبعد ما يكون من ثقافة “رعاية الأيتام”، ونحن بذلك، نساهم أفرادا وجماعات في تعريض حياة الأيتام الصغار للخطر خاصة بالنسبة لمن فقد والديه أو من يدخل في خانة “مقطــوع من شجرة” (لا أب ولا أم)، لتكون النتيجة، السقوط في مستنقعات الإهمال والضياع والانحــراف والجريمة، في غياب الأحضان الدافئة التي تربي وتعلم وتلقن القيم وتواكب وتدعم وتحمي من قساوة الحياة وصعوبات الزمن، وتزاد المشكلة تعقيدا لما يكون الأيتام تلاميذ في طور التمدرس ويتخلون اضطرارا عن المدرسة متجهين نحو دروب الضياع والتيهان.

وبمفهوم المخالفة، فالأيتام الصغار الذين يفقدون آبائهم أو أمهاتهم أو هما معا في سن مبكــرة ولايجدون من يكفلهم من الأقارب أو من الجمعيات، يتحولون بقوة الواقــع إلى أطفال يعيشون في هامش المجتمع، وفي ظل شيوع ثقافة الأنانية والمصلحة وتدني منسوب القيم الدينية والمجتمعية والإنسانيـة، تحتضنهم الشوارع على مضض ويتربون في أحضان الواقع الصعب، بمعزل عن المدرسة والتعلم والرعاية النفسية والمواكبة الاجتماعية، وهي حياة بئيسـة لا يمكن تصورها إلا داخل مفردات الاغتصاب وهتك العرض والتشرد والضياع والتعاطي للمخدرات والانحراف والجنـــوح، ونحن بذلك دولة ومجتمعا وأفرادا وجماعات، نساهم بقصد أو بدونـه، في صناعة أجيال صاعدة مرتبكة فكريا ونفسيا ومعاقة قيميا وتربويا، لما يكبرون وتشتد سواعدهم يصعب إقناعهم بحب الوطن الذي تخلى عنهم أو بالمصالحة مع المجتمع الذي أبى أن يرعاهم ويحتضنهم وهم أطفالا في عمر الزهور…

وإذا كان المجتمع يعيش مجموعة من الأزمات والمشكلات الاجتماعية من قبيل “الهدر المدرسي” و”التسول” و”الانحراف” و”الجنوح” بكل تعبيراته وتجلياته، فالقضاء النهائي على ظواهر من هذا القبيل أو على الأقل الحد من انتشارها وامتدادها، يمر قطعا عبر العناية بقضايا الطفولة والشباب، وعلى رأسها “رعاية الأيتام” الذين لا أحضان لهم إلا أحضان الوطن والمجتمع، ومن مسؤوليات الدولة – عبر السياسات العمومية الاجتماعية – إيلاء المزيد من الاهتمام والدعم لهذه الفئة الهشة من الأطفال والشباب الذين يحتاجون أكثر من غيرهم ليس فقط إلى الدعم المدرسي والاجتماعي والنفسي، بل أيضا إلى أحضان دافئة تحتضنهم وتقيهم من قساوة الحياة الصعبة وتحميهم من شمــس الواقع المقلق، إلى أن يتم إيصالهم إلى بر الأمان، وهي أيضا مسؤوليات الجماعات الترابية وجمعيات المجتمع المدني التي لابد وأن تضطلع بأدوارها “المواطنة” و”الإنسانية” و”الاجتماعية” في رعاية الأيتام واحتضانهم شأنهم في ذلك شأن باقي الفئات الاجتماعية الهشة من قبيل الأشخاص المسنين والأمهات العازبات … إلخ.

لذلك، ومن باب ثقافة الاعتــراف، فلا يسعنا إلا أن ننوه ونثمن ما تقوم به “جمعية أحضان” بالمحمدية من أدوار وتدخلات إنسانية واجتماعية وتضامنية في حق أيتام المدينة الذين فقدوا أحضان الأب أو الأم أو هما معا، ومن حسن حظ هؤلاء الأيتام أنهم وجدوا في مدينة الزهور أحضانا دافئة يقف وراءها “جنــود خفاء” من الأطر والشركاء “المواطنين” الذين يخدمون الوطن في صمت بعيدا عن الدعاية والإعلام، قدموا من حقول معرفية ومجالات مهنية مختلفة، لكن وحدتهم إرادة رعاية الأيتام والتكفل بهم، وما حقتته وتحققه الجمعية من مكاسب منذ تأسيسها، ما كان له أن يتحقق لولا وجود “شركاء” انخرطوا بروح مواطنة في دعم المهام النبيلة والإنسانية للجمعية، وهم بذلك يساهمون في إشاعة القيم الإنسانية النبيلة وفي طليعتها قيمة احتضان الأيتام ورعايتهم، وبما أن الجمعية تنشط على صعيد مدينة المحمدية، فهي دعوة لها للتفكير في خلق اتفاقيات شراكة وتعاون مع المؤسسات التعليمية، تسمح بمواكبة وتتبع عدد من التلاميذ الأيتــام نفسيا واجتماعيا، خاصة الذين لايمكنهم الانخراط المباشر في الجمعية بحكم عامل السن، وفي هذا الإطار، يظهر واقع الممارسة أن الوسط المدرسي يحتضن بعض التلاميذ الأيتام، وهؤلاء التلاميذ يحتاجون أكثر من غيرهم للمواكبة النفسية والاجتماعية إنقاذا لهم من شبح “الهدر المدرسي”، والمدرسة المغربية حاليا، يصعب عليها تحمل هذه المهمات الموازية للعمليات التعليمية التعلمية في غياب أطر متخصصة في الدعم النفسي والاجتماعي، ما لم تنخرط في اتفاقيات شراكة وتعاون مع الجمعيات المتخصصة في المجال.

نختم بالقول، إذا كان من حظ وقدر مدينة المحمدية أن تحتضن “جمعية أحضان لحماية الأيتام”، فالأمل أن تحتضن كل المدن المغربية جمعيات مماثلة تفتح أحضانها للأيتام وتحميهم من حياة الشوارع وما يرتبط بها من ضياع وإهمال وانحراف وجنوح، والأيادي البيضاء مدعوة لدعم المهام الإنسانية لهذه الجمعيات “المواطنة”، وفي دعمها دعم لقيم التضامن والتكافل والتطوع والتماسك المجتمعي، أما الدولة فمن مسؤولياتها الاهتمام بقضايا الطفولة والشباب وفي طليعتها قضايا الأيتام عبر تشريعات قانونية رصينة وسياسات عمومية ناجعة تستهدف هذه الفئة الهشة اجتماعيا، أما الجماعات الترابية فهي مدعوة – في إطار المهام والاختصاصات الموكولة إليها- للتحرك من أجل الأيتام حرصا على التماسك الاجتماعي وتعزيزا لثقافة التضامن والتطوع والتعاضد والتعاون، هي إذن، مسؤولية دولة ومجتمع وأفراد وجماعات، وكلنا نتحمل كل فيما يتعلق به، ما يعيشه المجتمع من أزمات ومشكلات اجتماعية، نتيجة ما بات يعتري سلوكاتنا وتصرفاتنا من مشاهد الأنانية والمصلحة، التي أذابت وتذيب ما يجمعنا كمغاربة من قيم دينية واجتماعية وإنسانية، وإذا كنا جميعا نتطلع إلى “النموذج التنموي المرتقب” لتحقيق النهوض والإقلاع الشامل، فلايمكن أن نكسب رهانات هذا النموذج التنموي، إلا باسترجاع ما افتقدناه من قيم وطنية ودينية وإنسانية، وأسسنا ميثاقا اجتماعيا جديدا تتأسس دعاماته على المواطنة الحقة والتضامن والتكافل والتعاون والمساواة والعدالة الاجتماعية، في ظل مجتمع “مواطن” و”مسؤول” يحتضن الأيتام والفقراء والضعفاء والبؤساء…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *