أما بعد

أما بعد: فتح التحقيقات دون إعلان نتائجها .. متى تحترم الدولة ذكاء مواطنيها؟

الأمن يطوق موقع ورشة النسيج غير القانونية بفيلا بمدينة طنجة المغربية

كثيرة هي الفواجع التي أزهقت أرواح عدد من الأبرياء المغاربة بسبب حوادث ناجمة عن التقصير في المسؤولية، لكن دون أن نسمع عن تحديد المسؤوليات وتحقيق الجزاءات، فكل ما هنالك هو وعود رسمية بـ “فتح تحقيق إلى آخر مداه”، غير أنه للأسف لم نصل لذلك المدى رغم مرور سنوات عديدة.

وهنا نتساءل عن نتائج التحقيق في فاجعة “محرقة روزامور” بالدار البيضاء سنة 2008، إلى “فاجعة تيشكا” سنة 2012، مرورا بضحايا فيضانات كلميم سنة 2014 ،وبـ”محرقة حافلة طانطان” سنة 2015، ثم “شهيدات الدقيق” بالصويرة سنة 2017، وغيرها من الفواجع التي خلفت عشرات القتلى دون أن نسمع أن أحداث عوقب أو دخل السجن حتى.

إنها وقائع وأحداث تعكس خللا كبيرا في التعاطي الأمني / الحقوقي للسلطات مع مثل هذه الوقائع كما تعكس وجود خلل في ذاكرتنا الجمعية، والتي سرعان ما تنسى بالتفريط في مثل هذا الحق في المعلومة خاصة ما ارتبط منها بالكرامة والحقوق والمواطنة.

إن إعلان السلطة في شخص أحد أو عدد من أجهزتها فتح تحقيقات وأبحاث أمنية وقضائية في العديد من النوازل والقضايا، دون إتمام التحقيق فيها أو بعبارة أدق دون إعلان نتائجها للرأي العام، يعد دون أدنى شك أحد مؤشرات استخفاف هذه السلطة وتلك الأجهزة بالمواطنين.

إن واقع الإعلان عن تحقيقات دون إغلاقها أو دون إعلان نتائجها، يؤشر على استمرار وإعادة انبعاث عقلية متسلطة ومستخفة بالمواطنين وهي عقلية لطالما أعلنت الدولة عن رغبتها في القطع معها، بل أطلقت مبادرات عدة تعبيرا عن تلك الرغبة، بغض النظر عن الذهاب في تلك المبادرات إلى النهاية أو تعرضها للعرقلة أو الإلتفاف أو المعالجة التجزيئية.

من القراءات التي قد تفهم من سلوك الدولة هذا، هو أن عددا من تدخلاتها الأمنية مثلا تكون مقصودة وعن سبق إصرار وترصد بالمحتجين، وعندما تتعالى الإدانات والاستنكارات وتتحول الواقعة إلى قضية رأي عام، تسارع الجهات المعنية بالفضيحة إلى محاولة لملمة الكارثة بالتهوين منها تارة وباتهام المحتجين تارة أخرى، وبآليات عديدة منها حكاية إعلان فتح التحقيق وترتيب الجزاءات وهو الإعلان أو التصريح الذي سرعان ما يذهب أدراج الرياح حتى لو تم تحت سقف مؤسسة تشريعية اسمها البرلمان. وهو ما يعطي لتلك الإعلانات صبغة استخفافية تروم امتصاص الغضب لا أقل ولا أكثر.

إن مسؤولية إقبار التحقيقات أو عدم إقفالها أو عدم إعلان نتائجها لا تتحملها أجهزة الدولة فقط، بل إن المتضررين أنفسهم وعموم الهيئات المدنية، وخاصة الحقوقية بما فيها الرسمية والتي على رأسها أناس لا يتوقف ضجيجهم عن الحديث عن الحقوق والحريات وعن مبادئ باريس ونيويورك وبلا بلا بلا، هؤلاء أيضا مسؤولون بسبب الثقب الحاصل في الذاكرة، فلا المعنيون صرخوا وراسلوا وفضحوا هذا الأمر، ولا المناصرون وحماة الحقوق تابعوا الأمر، وللأسف حتى نواب الأمة المحصنين من متابعات قد تطال صحفي فقط لأنه وجه الأصبع اتجاه الداء… رغم ذلك لا يحركون سؤالا شفويا ولا كتابيا للسؤال عن مصير التحقيقات التي فتحت ولم تعلن نتائجها وعلى الأقل التي أعلنت أو أشير لها تحت قبة البرلمان “تعنيف الأساتذة المتدربين بإنزكان نموذجا”.

إن هذه المعضلة هي أحد أوجه المشكل الكبير في المغرب، والذي لم نراه حتى اليوم يتصدر اهتمام وانشغالات لا هيئات رسمية ولا غير رسمية، رغم أهميته وحساسيته لارتباطه المباشر بكرامة وقيمة المواطن في بلده، نعم هناك تحركات مطمئنة في المشهد العام (المصادقة على الاتفاقيات الدولية، تراجع حالات التعذيب، والإجراءات المواكبة للقضاء عليه، حضور الهيئات الدولية، ورش إصلاح العدالة…) لكن على مستوى الممارسة ما يزال ظهر المحتج غير محمي وما تزال جماجم الصحفيين والحقوقيين معرضة للجلد في أي تظاهرة وفي غياب أي وسيلة لانتصار الحق والعدالة ورفع الظلم وعدم الإفلات من العقاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *