مجتمع

من سيول 2008 إلى فاجعة “الإثنين الأسود”.. لماذا تغرق الأمطار مدينة طنجة؟

أعادت فاجعة “الإثنين الأسود” بمدينة طنجة، النقاش حول أسباب تكرار مشاهد الفيضانات والسيول في عاصمة البوغاز كلما ارتفعت مقاييس التساقطات المطرية، رغم التطور العمراني والاقتصادي السريع الذي تشهده المدينة.

والإثنين المنصرم، شهدت طنجة فيضانات وسيول اجتاحت عددا من الأحياء والشوارع، حيث غمرت مياه الأمطار الغزيرة مجموعة من المنازل والمدارس والمعامل والسيارات، مخلفة خسائر بشرية ومادية كبيرة، كان أثقلها مصرع 28 شخصا داخل معمل “غير مرخص”، وذلك عقب 3 ساعات من الأمطار.

وأثارت فاجعة طنجة والفيضانات التي شهدتها المدينة، نقاشات وتفاعلا متباينا على مواقع التواصل الاجتماعي، وتوجيه اتهامات للسلطات المحلية والمنتخبة حول وجود اختلالات وفساد في مجال التعمير والبنية التحتية، فيما اعتبر آخرون أن المسؤولية متداخلة ومتشابكة تتحملها عدة أطراف.

اقرأ أيضا: تقع في مجرى وادي.. مسؤول بجماعة طنجة يكشف معطيات مثيرة حول بناية “المعمل السري” 

ورغم مرور 13 سنة على الفيضانات التي شهدتها طنجة عام 2008 وتسببت في خسائر مادية فادحة وأدت إلى إغلاق أزيد من 130 وحدة صناعية وتوقف زهاء 30 ألف عامل عن العمل، إلا أن فاجعة “الإثنين الأسود” كشفت أن خطر الفيضانات لا زال قائما بعاصمة البوغاز بالرغم من التطور المتسارع الذي تعرفه المدينة.

وتداول نشطاء مقاطع فيديو وصورا تكشف حجم السيول والفيضانات التي شهدتها طنجة، وسط تساؤلات حول مدى قدرة البنية التحتية لمدينة البوغاز على استيعاب مياه الأمطار الغزيرة.

4 عوامل

وفي هذا الصدد، يرى أحمد الطلحي، رئيس لجنة التعمير بجماعة طنجة، أن أسباب وقوع الفيضانات ترجع بالأساس إلى أربعة عوامل تتجلى في اختلالات قطاع التعمير، وضعف البنيات التحتية، والسلوكات غير الحضارية، إلى جانب التغيرات المناخية.

الطلحي المتخصص في العمارة الإسلامية، أوضح في هذا الصدد، أن مخالفات التعمير تكمن على مستوى التخطيط وعلى مستوى البناء، أو البناء في مجاري المياه والمناطق الرطبة.

وأشار إلى أن مشكل البنيات التحتية تكمن في غيابها أو ضعفها أو تقادمها أو تدهورها أو بها عيوب، مشيرا إلى أن ذلك نتيجة أخطاء تقنية أو ضعف صيانتها بسبب الغش أو ضعف الإمكانيات.

وبخصوص السلوكات غير الحضارية، ففقد بسطها الطلحي في رمي النفايات ومخلفات البناء والمتلاشيات في الأودية وقنوات الصرف الصحي أو بجانبها، وهو ما يجعلها تختنق بعد تهاطل الأمطار، مما يؤدي إلى الجريان السطحي للمياه بدل الشبكة.

اقرأ أيضا: فاجعة طنجة.. صورة قديمة تكشف تواجد بناية “المعمل السري” فوق مجرى الوادي 

غير أن الأسباب لا تكون بشرية دوما، يضيف المسؤول المنتخب، مشيرا إلى أن التغيرات المناخية هي تحدي عالمي، حيث أن آثاره وسبل علاجه تتجاوز إمكانيات المدن والدول بما في ذلك الدول الغنية، وهو الأمر الذي يحتاج إلى تضامن عالمي لمواجهة هذا التحدي.

جغرافية المدينة

رئيس لجنة التعمير بطنجة، كشف أن المدينة كانت توجد، قبل التمدد العمراني، فوق هضبة نظرا لأن الأراضي المستوية كانت عبارة عن مروج ومناطق رطبة، بالإضافة إلى شبكة من الأودية، لدرجة أن أحد المهندسين الأجانب في فترة الاستعمار اقترح شق قناة تربط بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي.

وأضاف أنه حين جاء المعمرون بنوا أحياءهم خارج الأسوار في المناطق المرتفعة أيضا، مثل هضبة مرشان، الجبل الكبير، البوليفار، ونفس الشيء بالنسبة للمداشر التي كانت محيطة بالمدينة، فيما كان السكان يعبرون الأودية التي تخترق المدينة الآن بالقوارب، مما يدل على اتساع مجراها وعمقها في بعض الأماكن.

وأشار إلى أنه بسبب النمو الديموغرافي، تم توسع المدينة على حساب المناطق الرطبة ومجاري المياه، حتى أن بعض الأسماء حملت أسماءها كحي المرجة وحي الواد، حسب قوله.

ويرى الطلحي أن الظاهرة استفحلت أكثر مع الانتشار الواسع للبناء العشوائي حتى أصبح 60% من المدينة عبارة عن أحياء عشوائية، متابعا: “يكفي أن نعرف أسماء بعض هذه الأحياء لكي نعرف أنها بنيت في مناطق رطبة، حيث نجد العديد منها يبدأ اسمها بكلمة خندق”.

وأوضح في هذا الصدد أن المناطق الرطبة ومجاري المياه من أودية وشعاب، هي مناطق محرمة للبناء حسب قانون التعمير “Zone non aedificandi”، لكن من الناحية التقنية يمكن البناء فيها بشروط، وقانونيا بموافقة وكالة الحوض المائي وفي إطار مسطرة الاستثناءات. ولكن مع ذلك البناء فيها مكلف ومغامرة أيضا.

مشاريع الحماية

وبسبب فيضانات 2008 بمدينة البوغاز، عرفت المدينة إنجاز عدد مهم من المشاريع لحمايتها من خطر الفيضانات، تجاوزت كلفتها مليار درهم، وهي استثمارات ضخمة جنبت مدينة طنجة المزيد من الأضرار، حسب الطلحي.

ومن بين هذه المشاريع، بناء سد مشلاوة في عالية واد مغوغة، تهيئة الأودية، مد القنوات الرئيسية والفرعية لتصريف مياه الأمطار، مشددا على أن هذه المشاريع جنبت المدينة أضرارا أثقل يوم “الاثنين الأسود”، بالرغم من أن كميات الأمطار التي سقطت تفوق طاقة البنيات التحتية الحالية في كل المدن المغربية، وفق تعبيره.

وتابع قوله: “لكن لا تزال هناك بعض المناطق التي تنقصها شبكة تصريف مياه الأمطار، خصوصا في بعض التجزئات القديمة وفي بعض الأحياء العشوائية القديمة والجديدة، والتي لم تستفد لحد الآن من مشاريع إعادة الهيكلة”.

وفي هذا الإطار، يقول الطلحي إن الانطباع السائد عند الرأي العام، هو ضعف وهشاشة هذه البنيات التحتية، “وهو حكم فيه نسبة من الصحة، لكن كل مدن العالم تصبح عاجزة عندما تفوق التساقطات الطاقة القصوى لبنياتها التحتية”.

وأوضح أن كل المدن عندما تخطط لشبكات تصريف مياه الأمطار تعتمد على معدل التساقطات خلال مدة معينة، عشرين أو ثلاثين سنة الماضية، بل بالنسبة لبعض المنشآت كالقناطر يتم اعتماد مستوى الفيضانات التي عرفها الواد أو النهر خلال الخمسين سنة الماضية أو مائة سنة.

لكن مع التغيرات المناخية، يضيف المسؤول المحلي، أصبح من المستحيل توقع ما يمكن أن يحصل، نوعا وحجما، وأصبحت مظاهر هذه التغيرات المناخية جديدة في جميع المناطق، الشيء الذي أضعف مناعة المدن وجعلها غير قادرة على مواجهة آثار التغيرات المناخية.

يُشار إلى أن مدينة طنجة ومعها الرأي العام المغربي، اهتزت يوم الإثنين المنصرم، على وقع فاجعة وفاة 28 عاملا، أغلبهم نساء، داخل وحدة صناعية تقع في قبو بناية، قالت السلطات إنها “سرية”، بعدما غمرتها مياه الأمطار الغزيرة التي شهدتها المدينة، فيما تم إنقاذ 18 آخرين، من بينهم صاحب المصنع الذي نُقل للمستشفى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *