وجهة نظر

الإصلاح البيداغوجي رهان التغيير والتجديد في المنظومة التربوية

العلاقة العضوية بين المشروع المجتمعي والمشروع التربوي

-1-انطلق النقاش حول اصلاح الدولة و المجتمع منذ بداية الاستقلال بل وقبل الاستقلال بسنوات، وما وثيقة الحركة الوطنية المتعلقة بالمطالبة بالاستقلال الا دليل عن وعي النخبة السياسية الوطنية -آنذاك- بضرورة تكوين الانسان المغربي المتكامل والمتوازن في الشخصية، المشبع بالقيم الوطنية والروحية والانسانية، والمرتبط بقضايا وطنه.. ما هو الا دليل على اهمية القدرات البشرية في قيادة التحرير والتغيير، ثم تواصل بعد ذلك النضال الاجتماعي والسياسي عبر العديد من الاحزاب الوطنية التقدمية لأجل اقامة مجتمع عادل وبناء دولة وطنية ديموقراطية – حداثية.

واثناء فترة التسعينيات من القرن الماضي عاد النقاش السياسي الحاد الى موضوع الاصلاح، فتوج ذلك الحراك السياسي العام بصعود اول حكومة تناوب سياسي، جاءت حبلى بمشاريع الاصلاح شرعت في الحال بنفض الغبار عن المجالات التي تحتاج للتجديد او التغيير من قبيل: المؤسسات التمثيلية – جهاز الدولة-الاقتصاد – التشريع من دستور ومدونة شغل ومدونة الاحوال الشخصية- القضاء – الادارة – التعليم – الصحة…

وهكذا يبدو المغرب على ايقاع توجهات اعطت الانطباع بإعادة النظر او مراجعة عامة لعقود غابرة وقريبة من تاريخه، لكن بعض الاسئلة التي كانت مطروحة في بداية الاستقلال وفي بداية القرن الحالي عادت للظهور في صيغ جديدة وكأننا لم نساير التطورات الحاصلة على المستوى الوطني او الدولي، وهذا ربما راجع اما لوجود نفس الفاعلين السياسيين على الساحة الوطنية دون ان تحصل قطيعة بينهم وبين جيل الحراك ؟ اوان المجتمع المغربي مأزوم يراكم الازمات تلو الازمات لتمتد عدوى التأخر والازمة من الواقع الى الفكر فيعيدها لنا التاريخ في اشكال وصور مغايرة …فهل التاريخ يعيد نفسه ؟؟ ام ان في الامر صورة لمجتمع متردد عاجز يمتنع عن اخذ امره بيده ؟

ان النظام المجتمعي المغربي يعاني من غياب مشروع تاريخي عقلاني ، مشروع موحد الرؤية واضح الاهداف بارز المعالم والاستراتيجيات الكفيلة بالمساهمة في تحقيق الاهداف المنتظرة منه –د. مصطفى محسن- ومن هذا المنطلق نشير الى غياب او ضعف اي استثمار قوي في مجال العلم والمعرفة، ونجد الكثير من الفاعلين والمهتمين بالشأن الثقافي و التربوي ينتقدون ويطالبون باستمرار اعادة النظر في المنظومة التربوية بالشكل الذي يستجيب لطموحات المجتمع المشروعة في الحصول على تعليم نوعي كفيل بالامتلاك الجيد للمعارف والمهارات والتحكم في التكنولوجيات التي صار تطويعها وتوطينها وانتاجها مقياسا لقدرة المجتمع على التجديد والابتكار

2- تحتل مسالة اصلاح التعليم مكانة مركزية ومتواترة منذ اكثر من قرن، حيث كانت ولا تزال هذه المسالة ضمن اهم المشاريع المقترحة للإصلاح لا من طرف الدولة ولا من طرف النخب المغربية، وكانت حركات الاصلاح الديني والتربوي التي ظهرت في فترة الاستعمار قد عملت على تأسيس المدارس الحرة ضدا على المدرسة الفرنسية قصد المحافظة على العقيدة واللغة، وبعد الاستقلال اخذت الدولة على عاتقها مسؤولية توسيع قاعدة التربية او تعميم التعليم، وكان من بين اهم هذه المشاريع الاصلاحية في قطاع التربية والتعليم ذلك المشروع الذي احتضنته القوى الوطنية، وهو القائم على المبادئ الاربعة ( التعميم – المغربة- التعريب – التوحيد )، لكن تنفيذ هذا المشروع الطموح اعترته صعوبات ومعيقات وانتقادات فاستتبعته اصلاحات ومشاريع اخرى لم يحالفها النجاح هي الاخرى، حيث جاءت المحصلات التربوية دون الاهداف المعلنة، ليعود النقاش الدائر في الدوائر الرسمية والشعبية عن استمرارية المنظومة التربوية في حالة ” عطب ” على الرغم من الاصلاحات المتعاقبة التي كانت موضعا لها؟؟؟

وارتباطا بما سبق يمكن الاشارة الى ان تعليمنا يحمل اثر اللحظات التاريخية التي تم وضعه فيها:

-أ-هناك ثقل الاستعمار، وفرنسة الادارة والاقتصاد والتعليم الذي لم يتم التخلص منه نهائيا.

ب– هناك امتدادات الوطنية المغربية المترسخة بمرجعية الهوية الاسلامية .

ج– هناك المسالة اللغوية التي هي محط الخلاف بين المدافعين عن التعريب المباشر و الموجه والتعليم المزدوج. د– هناك التعميم المدرج في كل البرامج الحكومية منذ التصميم الخماسي الاول لحكومة الاستاذ عبد الله ابراهيم الى اليوم، الا انه ما يزال غير مكتمل.

وفي كل هذه النقاشات واللحظات التاريخية ظلت السياسة التعليمية محط نقاش وجدال سياسي بين الحكومات السابقة والمعارضة الوطنية واليسارية – خصوصا – الا انه منذ قيام حكومة التناوب السياسي عادت التوافقات السياسية الى الساحة التعليمية، لكن الحصيلة النهاية تبين ان هناك اجماعا حاصلا فيما يتعلق ب” كارثة التعليم ” فالحكومات والاحزاب والنقابات والمجتمع المدني …الجميع متفق على فشل السياسات التعليمية، ولذا ما انفك الجميع يطالب بالإصلاح او بإصلاح الاصلاح او انقاد الاصلاح منذ اكثر سبعة عقود، ويبقى السؤال المطروح دائما هو : كيف نقرر جودة التربية والتعليم في وجود معوقات تحول دون تحقيق اهداف ومتطلبات الاصلاح داخل المنظومة التربوية ؟

مشاريع الاصلاح : اشكالات قائمة ومقاربات غير ملائمة

يبدو ان مشاريع الاصلاح التي مرت خلال العقود الاخيرة فشلت في تجديد او تطوير النظام التربوي وفي الارتقاء بالمدرسة المغربية وجعلها تواكب مسيرة المجتمع مما يبين وجود ثغرة واسعة بين المخططات والمبادرات التي يقوم بها واضعوا السياسة التعليمية، وبين وقائع الحياة العملية في المدارس والمؤسسات التربوية، وتتمثل هذه الثغرة الواسعة في ان كلا الفاعلين (واضعي السياسة التعليمية – والممارسين للتعليم) ليس لديهم التصور الكافي والدقيق لما يعمله الطرف الاخر، ولا العالم الذي يشتغل فيه، فواضعوا السياسة التعليمية كلما صعدوا في مدارج السلطة التعليمية يتزايد بعدهم عن المؤسسة التعليمية وهذا البعد ليس قاصرا على البعد الجغرافي والمكاني ولكنه بعد في الرؤية وبعد في تصور مناخ العمل في المدارس وفي معرفة القيود والمحددات الثقافية والحضارية والاجتماعية التي يفرضها الواقع.

هذه الهوة المتسعة وهذا التواصل المنقطع او المتقطع بين الطرفين يؤدي الى تعدد في المقاربات والمنطلقات الفكرية والنظرية والمنهجية.

من المقاربات الحاضرة في عدد مشاريع الاصلاح، المقاربة التقنية في إصلاح المنظومة التعليمية، وهي مقاربة يتم اللجوء اليها تماشيا مع “الخبرة الدولية” او خضوعا لتوجيهات البنك الدولي، حيث تحليلات النتائج تبدو زائفة عن سياقها، والمقاربة الشمولية لا تأخذ كامل وقتها لتدخل في الاعتبار خصوصيات المسارات والتحديات، كما ان المنهج الوصفي المتزامن يختصر المدة وحجم التطورات و يحول ما هو سياسي الى تقني، ويحول الدولة من مشرع ومدبر و مخطط الى منفذ للتوجيهات لا غير، وحتى انه اذا كانت هناك مشاكل في قضايا التعليم والتربية ولا تتطلب في معالجتها الا حلولا تقنية فان اصلاحها يتطلب قرارا سياسيا للغاية، لان النظام التربوي هو في الاساس قرار سياسي يبرز فيه دور الدولة، وحاجات المواطنين، ومطالب التنمية الشاملة.

ان نظامنا التربوي المغربي مثل اي نظام اجتماعي مشبع بتجربة وبذاكرة ليس بإمكان اي اجراء تقني او قرار اداري فوقي محوهما بجرة قلم، فكل اصلاح يندرج ضمن مجال مبادرات وعلاقات اجتماعية وثقافية وسياسية ناجمة عن تجارب وتراكمات، وليس بإمكاننا “الاقتصاد ” في الاصلاح بتطبيق برنامج للإنقاذ او تمرير مجموعة من التوصيات، فالأهداف والاجراءات تكون خاضعة لمصالح ومحفزات متضمنة داخل نسيج من التقاليد والمواقف و من التحالفات والتعارضات. ففي مغربنا لم تتغير رهانات الاصلاح كثيرا بدءا بمسالة الهوية الثقافية واللغوية وصولا الى مسالة المساواة في ولوج المعرفة والعلوم مرورا بمحاربة الامية غير ان ما تغير هو السياق الاجتماعي والثقافي الذي تندرج فيه الرهانات وهو سياق يخضع لمتطلبات مستجدة ومن هنا فان التعليم مطالب بالتجديد في المجال البيداغوجي للاستجابة لتحديات العولمة التقنية والعلمية.

لذا من الضروري على المنظومة التعليمية انتهاج اساليب تعليم جديدة ومناهج دراسية حديثة تتماشى مع تطورات العصر حتى تكون قادرة في تكوين مواطن واع بأوضاع مجتمعه وعالمه، يكون فيهما قادرا على التكيف مع التكنولوجيات المعاصرة والابتكارات السريعة التطور.

الاصلاح البيداغوجي مدخل لإصلاح المنظومة التربوية

شهدت فترة التسعينيات اجماعا وطنيا على ان تعليمنا راكم ما يكفي من مؤشرات الازمة، وتأكد للجميع و بالملموس ان الازمة حقيقية في جوهرها واشكالها وابعادها، وان حدتها وانعكاساتها تتفاقم يوما بعد يوم. هذا الاجماع تبين بما لا يدع مجالا للشك ان التقويم يفرض التعامل مع هذه الازمة على اساس الموضوعية والنقد الذاتي والدراسات البعيدة عن التقارير المألوفة وسرد المواصفات وتحديد العوامل و الديناميات المجتمعية والادارية ومدى التعامل الايجابي بين عناصر المنظومة التعليمية والتموضع على مستوى خط الانتاج في المدرسة ولذى المتعلمين…وهذا يعد مطلبا ضروريا في كل استراتيجية شمولية. عن المنتدى الوطني للإصلاح – المكتسبات و الافق

ان البرامج والمناهج لم تكن قبل مرحلة الميثاق الوطني للإصلاح تعرف حركية كبيرة، وهي فترة هامة من تاريخ النظام التعليمي بالمغرب اتسمت فيها الاوضاع التعليمية بالركود والجمود باستثناء بعض “الرتوشات” من قبيل اقرار نظام التعليم الاساسي(سنة 1985)واقرار النظام الجديد للباكالوريا (سنة1987) واعادة هيكلة التعليم الثانوي (سنة 1994).

و بعد هذه المبادرات الاصلاحية المحدودة طرحت مقاربات في مجال الاصلاح البيداغوجي كعنصر اساسي في اصلاح النظام التربوي المغربي ( اعادة هيكلة اسلاك التعليم – البرامج – المناهج – الكتب المدرسية…) وما يستدعيه ذلك من بناء متناسق وتأسيس واضح للمنطلقات والاهداف بالنظر الى اهمية العنصر البيداغوجي كمجال خصب لزرع قيم المواطنة والحداثة ورعاية تجذرها رعاية مستمرة حتى تثمر سلوكات حضارية. ولهذا تمت مراجعة برامج عدد من المواد الدراسية (الفلسفة – التربية الاسلامية..) في عدد من الشعب وفي انواع التعليم العام والتقني والاصيل والمهني واعادة اصدار كتب مدرسية جديدة تتوافق مع المضامين المعدلة والفقرات المراجعة.

رغم هذه المبادرات ” الاصلاحية” فان مواطن الضعف ما تزال حاضرة ومستمرة بسبب انعدام او قلة الوسائط والدعامات التربوية الضرورية – عدم تجديد المختبرات العلمية – ضعف استثمار الوسائل التكنولوجية الحديثة للرفع من مردودية العملية التربوية – عدم تركيز المناهج التربوية على الجوانب التي تنمي التعلم الذاتي – عدم التخفيف من مضامين المواد الدراسية المقررة في كل الاسلاك التعليمية بما يتناسب مع الغلاف الزمني المسموح للمتعلم بإنجاز انشطة التعلم الذاتي… – استمرارية شكلية للمقررات وبدون امتلاء معرفي وتربوي وبيداغوجي وهذا خلق قطائع حتمية بين كل مستوى دراسي واخر وكل مادة واخرى( الا نلاحظ انه في نهاية السنة، وبعد اجتياز الامتحانات يعمد اغلب التلاميذ وفي تحد سافر للمؤسسة الى تقطيع دفاترهم ونتر اوراقها امام ابواب المدارس او بيعها لبائعي الزريعة والكاو كاو ).

المناهج التعليمية بين رهان الجودة وتحدي الانفتاح

المنهج هو روح العملية التربوية وقلب المؤسسة التعليمية ومركز المادة الدراسية وهو ليس محصورا في المواد الدراسية التي تدرس تقليديا بل هو كل الخبرات التي يكتسبها المتعلم من خلال الانشطة المتنوعة التي يمارسها في المدرسة والفصل الدراسي والمكتبة والمختبر والورشة والملعب والاتصالات المتشابكة والمتنوعة بين المتعلم والمعلم، اي ان المنهج هو الحياة المدرسية كلها، وهو كل التعليم والتعلم الذي يتم بشكل مقصود في الفصل الدراسي او خارجه، لذا نرى المجتمعات المتقدمة تراجع المناهج والبرامج التعليمية والتربوية بعد كل فترة زمنية قصيرة فتغير في الطرق والوسائل والكتب والاهداف والمحتوى حتى تساير المدرسة والمؤسسة التربوية تطور العصر وسيرورة الحياة المتحولة.

لقد تابعنا في بلدنا كيف ان التغيرات التي حصلت على مستوى النسقين الاجتماعي والثقافي – وخاصة خلال العقود الاخيرة- فرضت على كل جوانب المنظومة التربوية اعادة النظر في التفكير والتقييم فيما يخص مخزونها التربوي وخصوصا مدى مواكبة البرامج والمناهج الدراسية للإصلاحات والتطورات التي عرفتها المنظومة التربوية وملاءمتها للنسيج الاجتماعي والثقافي والاقتصادي الوطني حتى يعود الاعتبار لقضايا المواطنة والتربية البيئية وحقوق الانسان وتنمية شخصية المتعلم واعداده للعمل والحياة، فيكتسب المعارف العلمية والتكنولوجية كبوابة للانفتاح على العالم الخارجي. وهذا التغيير المتوخى للمدرسة المغربية انما يهدف الى ( الانتقال بالتربية والتكوين من منطلق التلقين والشحن والالقاء السلبي الى منطق التعلم والتعلم الذاتي، والتفاعل الخلاق بين المتعلم والمدرس في اطار عملية تربوية قوامها التشبع بالمواطنة واكتساب اللغات والمعارف والكفايات والقيم وتنمية الحس النقدي ورفع تحدي الفجوة الرقمية )المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي – تصدير من وثيقة الرؤية الاستراتيجية.

وتأسيسا على الرؤية الاستراتيجية اعلاه جاء الاهتمام بجودة التعليم والارتقاء بالمدرسة عبر التركيز على مجالات رئيسية كالمنهج والبرنامج والوسائط التعليمية والتوجيه والتقويم لأجل : تأسيس مدرسة الانصاف والجودة – اقامة الحكامة في التدبير الاداري – تجديد مهن التدريس– تطوير وتنويع المناهج و البيداغوجيات– تقوية المشاركة المجتمعية…. وكان الغرض من اخراج هاته المعايير هو تفعيل جهود الاصلاح والتحول من التركيز على مبدا المدخلات الى التوجه للإصلاح المتمركز على المدرسة واعتبارها وحدة التغيير واساس البناء من خلال مجالاتها الفعالة.

جاء الميثاق الوطني للتربية والتكوين فحدد مجالات التجديد ودعامات التغيير وسعى الى تلاؤم اكبر بين النظام التربوي والمحيط الاقتصادي موازاة مع اعادة النظر في البرامج والمناهج والكتب المدرسية والوسائط التعليمية، وفي سنة 2014 اعدت الهيئة الوطنية للتقييم تقريرا حول(تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000-2013 المكتسبات والمعيقات والتحديات)اظهرت فيه ان المدرسة المغربية لا تزال تعاني من اختلالات مزمنة وان هناك محدودية في مردوديتها الداخلية وضعف مردوديتها الخارجية، مما جعل مدرستنا موضوع مساءلة من طرف الجميع، ولذا تم اقتراح رؤية استراتيجية جديدة حددت فيها للمدرسة المغربية عدد من الوظائف واخرى من الاسس موزعة على اربعة فصول وكل فصل له رافعات خاصة بالتغيير والتجديد، واعتبرت هذه الوثيقة الاصلاحية ان(من شان التطبيق الناجع والامثل لرافعات التجديد والتغيير الاسهام في انجاح الاصلاح …وبعبارة مجملة اعادة ثقة المجتمع المغربي بمختلف مكوناته وفعالياته في مدرسته وفي قدرتها على الاضطلاع بمهمتها في رفع تحديات مغرب الحاضر والمستقبل ) – المرجع اعلاه

في هذا السياق التاريخي الجديد تدعونا الرؤية الاستراتيجية الى مواكبة واستدماج تحولات العالم ومستجدات الثورات العلمية والتكنولوجية والمعلوماتية والاتصالية واثارها في مجالات الانتاج والخدمات والتعليم والثقافة، وان من شان هذه المواكبة و الاستدماج تمكين المدرسة من الاضطلاع بمختلف وظائفها في تكامل وتعاضد ولاسيما في التعليم والتعلم والتثقيف والبحث والابتكار وتيسير الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي .

وتنفيذا لمخطط الميثاق الوطني للتربية والتكوين والرؤية الاستراتيجية في تفعيل الاصلاح، شكل الاصلاح البيداغوجي من اصلاح البرامج والمناهج والكتب المدرسية احد المداخل الرئيسية لإصلاح المنظومة التربوية من قبيل :

اصلاح الكتب المدرسية والموارد الديداكتيكية (تجديدها وملاءمتها المستمرة وتنويع مضامينها وصيغها) المادة74 من مشروع الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015- 2030.
تطوير الادوات الديداكتيكية وتوفير العدة البيداغوجية الكافية للتدريس مع تأهيل البنيات الخاصة بالتخصصات- المادة 75 من الوثيقة اعلاه.

تعزيز ادماج التكنولوجيات التربوية في النهوض بجودة التعلمات واعداد استراتيجية وطنية لمواكبة المستجدات الرقمية والاستفادة منها في تطوير مؤسسات التربية والتكوين والبحث وخاصة على مستوى البرامج والمناهج .. بإدماج البرمجيات التربوية الالكترونية والوسائل التفاعلية والحوامل الرقمية في عمليات التدريس وانشطة التعلم) المادة77 من المرجع السابق.

الاصلاح الشامل لنظام التقييم والامتحانات على نحو يكفل تكافؤ الفرص بين المتعلمين والمتعلمات – المادة79.

تطوير تدريس اللغات، والتدريس بها، وتحقيق التكامل فيما بينها، وتقوية التمكن من الكفايات اللغوية لذى المتعلمين، وتوفير سبل الانسجام في لغات التدريس بين اسلاك التعليم والتكوين – المادة84.

تنمية الكفايات ( كفايات تنمية الذات – الكفايات التواصلية – الكفايات المنهجية- الكفايات الثقافية الرمزية منها والموسوعية – الكفايات التكنولوجية ).
التربية على الاختيار واتخاد القرار في المسارات الدراسية للمتعلم.

هذه الرؤية الاستراتيجية المقترحة للإصلاح البيداغوجي جاءت لرفع التحديات الداخلية والخارجية التي اصبحت مفروضة علينا :

التحديات الداخلية : وتتمثل في ضرورة عودة المدرسة الى التركيز على مهامها الطبيعية اي التعليم والتعلم والتأهيل والتنشئة الاجتماعية كما هي مرتبطة بالتقدم، واستكمال ديموقراطية التعليم وبلوغ النوعية لفائدة اكبر عدد ممكن من التلاميذ حتى يتم التحكم في العلوم والتكنولوجيا، وهذه الرؤية هي نفسها التي وضعتها منظمة اليونيسكو عندما اعتبرت النظام التعليمي (مصمم بغرض تسهيل التعلم مدى الحياة .. واحداث تغيير في النهج من خلال الانتقال من اسلوب يعتمد على التعليم والتدريب الى مبدا التعلم، ومن التعليم القائم على نقل المعارف الى التعلم من اجل النمو الشخصي، ومن اكتساب مهارات خاصة الى اجراء عملية استكشاف على اوسع نطاق والى اطلاق العنان لإمكانات الابتكار وتسخيرها ) استراتيجية اليونسكو للتعليم 2014- 2021.

التحديات الخارجية وذلك اعتبارا لما يشهده العالم من تحولات عميقة ومتسارعة تمس التوازنات الجيوسياسية والتوجهات الاقتصادية المرتبطة بالعولمة واللامركزية واللاتركيز والحريات العامة الجماعية والفردية وتكنولوجيات الاعلام والاتصال، مع ما يعرفه هذا العالم من انفجار معرفي وتكنولوجي… وكل هذا يستدعي ضرورة تجديد وتطوير منظومتنا التربوية وتوفير الكوادر والاطر التربوية والعلمية القادرة على تطوير الانظمة التعليمية: بنياتها والياتها وذهنياتها .

وانطلاقا من هذه التحولات العميقة والمتسارعة التي يعرفها العالم من حولنا، وامام عجز نظامنا التربوي عن مواكبة تطورات العولمة او الاستجابة لحاجات الانسان المعاصر والواقع المتغير، كان لابد من مراجعة وتطوير مناهجنا التربوية بما يجعلها تستوعب المستجدات وتتجاوز التناقضات والاختلالات، واستنادا الى الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي يقر في مجاله الثالث بإلزامية مراجعة ( جميع المكونات البيداغوجية و الديداكتيكية لسيرورات التربية والتكوين )، وتشمل هذه المراجعة(البرامج والمناهج والكتب والمراجع المدرسية، وتقويم انواع التعلم وتوجيه المتعلمين ) المادة 105 من الميثاق.

وبنفس ارادة التغيير والتجديد اعتبر المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ان ( تطوير النموذج البيداغوجي يشكل رافعة حاسمة لتحقيق اهداف التغيير المنشود) بالاعتماد على( منهاج مندمج على مستوى شعب ومسالك واقطاب الدراسة بأطوار التربية والتكوين، القائم على تفاعل المواد والمعارف وتكامل التخصصات بغاية تحقيق تنسيق اكبر في التعلمات والتكوينات، وملامة مواصفة الخريجين مع حاجات البلاد..) المادة 67 من وثيقة الرؤية الاستراتيجية للاصطلاح 2015-2030.

اشارت الوثيقتان الاصلاحيتان الى مواصفات المتعلمين في نهاية مختلف الاسلاك التعليمية، ودعتا الى تنويع وملائمة المقاربات البيداغوجية سواء في التكوينات الاساسية للفاعلين التربويين او في ممارسة انشطة التدريس والتعلم والتكوين مع توجيه هذه المقاربات البيداغوجية نحو استهداف التمكن من مختلف المعارف والكفايات اللازمة لكل مستوى دراسي او تكويني ولتكون مرتكزة على الجوانب التي تنمي القدرة على التعلم الذاتي والتربية على القيم وتنمية الكفايات والتربية على الاختيار واعتماد مشروع العمل الفردي وتطبيق التقنيات المناسبة للسن واستعمال التكنولوجيات التربوية … مع ملائمة التعلمات والتكوينات مع حاجات البلاد ومهن المستقبل والتمكين من الاندماج ( الرافعة السادسة عشرة) وصولا الى تحقيق ( هدف الاسهام الفعال للمدرسة المغربية في تعزيز لحاق بلادنا بركب البلدان الصاعدة ) المادة111.

ان ملائمة المناهج التربوية مع المحيط السوسيو اقتصادي ومع مبادئ حقوق الانسان كما هو متعارف عليها دوليا يتطلب اعداد مناهج جديدة على اساس اختيارات منهجية واضحة من حيث الغايات والاهداف، اهداف مصاغة صياغة اجرائية قابلة للقياس و مناهج تجمع بين القيم والمعارف والمهارات، وتستخدم في تقديمها تنظيمات وطرق واساليب ومواد تعليمية، وحصيلتها النهائية يجب ان تتمثل في المعتقدات والقيم والمعارف والمهارات والاتجاهات وانماط التفكير والوان السلوك التي يكتسبها المتعلمون، وتحقيقا لهذه الاهداف وسيرا في طريق جودة التربية والتعليم كان من الضروري الوقوف على انقاض المناهج السابقة وتعويضها بما يتماشى والوصول الى احداث الاصلاح الفعلي للمنظومة التعليمية من قبيل :

جعل المتعلم محور الاهتمامات، حيث ان المناهج الدراسية الحالية ترتكز على المعرفة بدلا من المتعلم، ولذلك فان مشاركتهم في القرارات التي تتعلق بمناهجهم تكاد تكون معدومة، كما ان معظم محتويات تلك المناهج المفروضة على المتعلمين(لا تلبي احتياجاتهم ولا تلائم استعداداتهم وقابلياتهم، واقل ما يمكن ان توصف به انها غير ملائمة لواقع المتعلم وبيئته الاجتماعية والاقتصادية ولا يمكن ان تعده لمواجهة حياته المستقبلية بشحذ مهاراته وتحدي قابليته وقدراته وكأنها جاءت تمثل عالما بعيدا عن واقعه، ولهذا كانت التربية المدرسية غير وثيقة بالحياة)

ان المنهج الذي لا يضع المتعلم في صميم اعتباره سيكون عاجزا عن توفير مدى كامل من المهارات والمعارف والاتجاهات الضرورية للمتعلم الذي تصمم المناهج له، والمنهج الذي يعد للمتعلم وينزل عليه من فوق لا يعني بتنمية الطاقات الفكرية والقدرات العقلية او القدرة على محاكمة الامور وتقصي ابعادها واصدار الاحكام النقدية وحل المشكلات..

الانتقال من عملية التعليم الى مرحلة الاهتمام بالتعلم، اي جعل التلميذ يتصرف بتلقائية انطلاقا من مبدا (ساعدني لكي اتصرف وحدي) حسب تصور– مونتيسوري) في دعوتها الى تغيير جذري للتصورات البيداغوجية المتعلقة بالعلاقة مع المتعلم.

الانتقال من نمط بيداغوجيا الحفظ والتلقين الى نمط بيداغوجيا الكفايات والقدرات والخبرات، من قبيل اكتساب الخبرات الاساسية ( القراءة – التعبير – الكتابة- ..) وتنمية القدرات على ( الشرح والايجاز والاصغاء و الاستنباط وادراك العلاقات التبادلية والتعامل مع المعلومات من حيث مصادرها وتنظيمها ..) وتعزيز وتنمية الكفايات التواصلية والاستراتيجية (تنمية الذات) والكفايات الثقافية والمنهجية والتكنولوجية .. وهي بيداغوجيا ترتكز على جهد المتعلم بتوجيه من المدرس حيث تجعل المتعلم يشارك فعليا في بناء معارفه ومهاراته واعتبار المتعلم محوار اساسيا في العملية التربوية وليس المدرس.

الرهان على تطوير استخدام التكنولوجيا في الحقل التعليمي، حيث ان التطور السريع للتقنيات البيداغوجية قد تجعل المتعلم “يستمتع” بتعلمه الذاتي مطورا بذلك قدراته الخاصة دون الحاجة الى قائد يقوده او يوجهه مستعينا بواسطة التعلم المبرمج والتعليم المعتمد على النظم الالية والانظمة السمعية البصرية، ولقد رأى المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ان المدرسة المغربية عليها ان (تفتح ورش وازن يهم الانخراط الفاعل في اقتصاد ومجتمع المعرفة عبر مدخل تكنولوجيات الاعلام والاتصال) المادة 104 – كما ان ادماج هذه التكنولوجيا في المدرسة يمثل شرطا حاسما في تجديدها والارتقاء بها وفي جودة التعلمات من(برمجيات تربوية الكترونية ووسائل تفاعلية وحوامل رقمية من حيث الكفايات المستهدفة والمواد الدراسية والبرامج والمضامين والطرق والاساليب التعليمية عبر تعزيز مبادرات التعلم الذاتي ) المادة 105 من الرؤية الاستراتيجية.

الاستعانة بالنظريات والمناهج التعليمية المعاصرة القادرة على ملاحقة الجديد نتيجة التفجر المعرفي من ناحية وتوسعها من ناحية اخرى، خصوصا المناهج التي تستعين باليات وادوات معرفية وعلمية وتقنية قادرة على التأثير على شخصية الفرد بحيث تساعده ان ينمو نموا يتكامل مع الحياة والمجتمع المعاصر، كنظرية الذكاءات المتعددة – مثلا- التي تظهر ان الذكاء لا يمكن حصره في البعد اللغوي والرياضي فقط بل للذكاء جوانب اخرى لا تقل اهمية، منها الذكاء المجالي والذكاء العلائقي والذكاء الاستبطاني والذكاء الموسيقي والذكاء الحسي الحركي وان كل مجال من مجالات هذا الذكاء المتنوع يتفرع الى عشرات الفروع يصعب حصرها ومن تم يجب ايلاء الاهمية لمختلف جوانب الذكاء في تخطيط المناهج وفي الممارسات البيداغوجية داخل الفصل باعتماد بيداغوجية تحترم الفرديات وتبتعد عن النمطية.- عالم التربية العدد 12

ان المناهج يجب ان تكون وسيلة لخدمة الفرد والمجتمع لا غاية يطوع في سبيلها التلاميذ، كما يجب ان يشرك المدرسون والتلاميذ وغيرهم من الاطراف التعليمية والتربوية في عملية صنع القرارات التي تتعلق بالمناهج الدراسية وان تكون تلك المناهج نبتة اصيلة تنبت وتنمو وتؤتي اكلها في بيئتها بدلا من ان تكون نبتة غريبة تزرع قسرا في ارضنا ومجالنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *