وجهة نظر

تخريب رهانات انتخابات 2021

من المعلوم من السياسة بالضرورة، فيما له علاقة بالانتخابات، أنه كلما كانت لها رهانات وطنية جامعة وواضحة وقوية، كلما كانت خادمة للتنمية ومحفزة للمشاركة ومعززة لها. و الحديث هنا عن الرهانات الوطنية الكبرى المؤطرة للعملية الانتخابية، والتي تعبئ جميع الأحزاب أو جلها، كما تعبئ باقي الفاعلين، وليس عن الرهانات الخاصة بكل حزب. كما أنه من الطبيعي أن يحكم السياق العام، الوطني والاقليمي والدولي، تلك الرهانات، فيعززها ويثمنها أو بالعكس يضعفها ويثبطها. وتكون تلك الرهانات حقيقية وقوية بقدر ما تعبر على تطلعات الناخبين في إطار السياق العام الذي يحكم العملية السياسية، وتعبئ الاحزاب ومختلف الفاعلين لإنجاح العملية الانتخابية. وهذا الترابط بين السياقات والرهانات، من جهة، ورغبة الناخبين وتعبئة الفاعلين السياسيين، من جهة ثانية، هو ما يعطي العملية الانتخابية معناها السياسي والديموقراطي وعمقها الشعبي والتنموي، ويجعلها، مهما كانت نتائجها، تسير في اتجاه واحد يخدم الصالح العام ومصلحة المواطنين.

وإذا استحضرنا الانتخابات التشريعية لسنة 2011، نجد أن لها رهانات وطنية كان حولها نوع من “الاجماع” بين مختلف الفاعلين السياسيين، بما فيهم الدولة والمجتمع المدني وليس الأحزاب السياسية وحدها. ويمكن إجمال تلك الرهانات في التمكين للاستقرار، وتنزيل الدستور الجديد، والتمكين للخيار الديمقراطي. وتلك الرهانات كانت محكومة بسياق إقليمي عام هو حراك “الربيع الديموقراطي” والذي تجسد في المغرب من خلال “حركة 20 فبراير”، وهو سياق يعزز الحريات ويحد من الفساد والاستبداد. والتناغم الحاصل على مستوى الرهانات الوطنية وانتظارات الناخبين وتوجهات رهانات أغلب الأحزاب والسياق العام، كان فرصة ذهبية لإطلاق دينامية قوية للتمكين للتنمية والحريات والديموقراطية.

وفي الانتخابات التشريعية لسنة 2016، نجد أيضا سياقا عاما إقليميا ووطنيا، لكنه مناقض للسياق الذي أطر رهانات انتخابات 2011، ويعمل على نقض مكاسب حراك الشعوب في المرحلة السابقة من خلال ثورات مضادة، او مشاريع نكوصية. وفي المغرب، ومند سنة 2013 تقريبا، تبلور التوجه النكوصي وانطلق في “طحن” المكاسب، وتراجعت الحريات العامة بشكل مؤلم، وتراجع النفس النضالي، وتم إضعاف مؤسسات الوساطة من جمعيات المجتمع المدني والإعلام وكذلك الأحزاب والنقابات. وفي هذا السياق تلاشت الرهانات ذات البعد الوطني الشامل والواضح، والمتعلقة بمواصلة الإصلاح، لصالح رهانات سلطوية، يحركها هاجس التحكم في الانتخابات وتصدر نتائجها. وغداه تقاطب ثنائي قوي يقابل بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، بلغ أوج خطورته بتنظيم ما سمي إعلاميا بـ”مسيرة ولد زروال” التي نظمت في اليوم ما قبل يوم الاقتراع بالعاصمة الرباط، ووجهت ضد حزب المصباح، وفضحت وسائل الاعلام تورط حزب الجرار وسلطات محلية في التعبئة لها. وفي هذا السياق النكوصي كان طبيعيا أن يتوج ببلوكاج سياسي غير مسبوق، كشف عن آفة حزبية خطيرة تتعلق بعدم استقلاليتها، وأعطى رسائل سيئة للرأي العام حول جدوى الانتخابات.

واليوم يطرح سؤال كبير وعريض حول رهانات الانتخابات المقبلة وعن السياق الذي يحكمها.

فعلى مستوى الرهانات، نجد رهانات وطنية كبيرة المفروض أن تحكم دينامية الانتخابات المقبلة، ويتعلق الأمر برهانات تنموية واجتماعية حيوية، تتمثل من جهة، في مشروع النموذج التنموي الجديد الذي يتوقع أن يعلن عنه في المستقبل القريب، والذي يفترض أن يطبع، بمعطياته الجديدة المتوقعة، دينامية السياسات العمومية في الولاية المقبلة. ومن جهة ثانية، في ورش “إصلاح وحكامة منظومة الحماية الاجتماعية” من أجل تعميم برامج الدعم والحماية الاجتماعية على عموم المواطنات والمواطنين، وكذا المصادقة على قانون -إطار يتعلق بالحماية الاجتماعية، وهو ورش ضخم يتطلب فعالية عالية في الانجاز وتوفير ضمانات مالية للاستمرار. وهاذين الورشين، وفي ظل التهديدات القائمة لجائحة كورونا، يفرضان رهانات تنموية واجتماعية غير مسبوقة، تتطلب إفراز مؤسسات منتخبة قوية وفعالة.

غير أنه على مستوى السياق نجد استمرار سياق النكوص وتغوله، وقد تعزز بقضايا صادمة ومقلقة، منها قرار التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومصادقة المجلس الحكومي على مشروع قانون تقنين زراعة القنب الهندي المثير للجدل، ودخوله مسار التصديق في المؤسسة التشريعية. لكن أخطر شيء في هذا المسار المقلق هو تحالف 7 أحزب من الأغلبية والمعارضة وتمرير تعديلات على القوانين الانتخابية رفضتها الحكومة، ورفضها حزب العدالة والتنمية في البرلمان، تقضي باعتماد المسجلين في اللوائح الانتخابية أساسا لاحتساب القاسم الانتخابي، مع إزالة العتبة! وتمرير هذه التعديلات قوى بشكل فظيع التوجه النكوصي، وقوى رهانات التحكم، وحكم على كل رهانات الدمقرطة والتنمية بالفشل. ذلك أننا سنكون أمام خريطة سياسية مبلقنة، ستفرز مؤسسات ضعيفة متحكم فيها، لا شعبية لها ولا مصداقية، بعد “تزوير قانوني” لنتائج الانتخبات باعتماد “قانون ولد زروال”. وإذا قدر لهذا القانون المشؤوم أن ينظم الانتخابات المقبلة، بعد مصادقة المحكمة الدستورية عليه، لا قدر الله، فإن من المستحيل معه الحديث عن أي رهان حقيقي ديمقراطي وتنموي للانتخابات المقبلة.

والخلاصة أننا على مستوى السياق، ننزلق نحو مستنقع النكوص بسرعة كبيرة، تحولت فيه “أحزاب مجموعة السبعة” عن وظيفة حماية الخيار الديموقراطي إلى وظيفة التآمر عليه والإجهاز عليه من أجل مآرب ظرفية ضيقة. وفي المقابل انفصلت رهانات أغلب الأحزاب عن رهانات المجتمع والدولة، وفقدت استقلاليتها بشكل غير مسبوق، لتتحول، طوعا أو كرها، إلى آلية لتنفيذ أجندات السياق النكوصي التحكمي.

وهذا الانفصال المتناقض بين رهانات الدولة والمجتمع ورهانات أغلب الأحزاب، ينذر بأزمة ثقة غير مسبوقة، كما ينذر بضرب أسس الاستقرار، بعد أن تقوى المسار النكوصي ليطحن كل ما تبقى من الخيار الديموقراطي، وتوسيع الهوة أكثر بين الشباب والسياسة، وبينهم وبين الشأن العام، ويضرب بذلك مصالح الدولة والمجتمع على المدى المتوسط والبعيد، ويطحن كل الكسب الديموقراطي الضروري لاستمرار قطار التنمية والدمقرطة.

إن الرهان المستعجل اليوم، هو إنقاذ رهانات الدولة والمجتمع حول التنمية والحماية الاجتماعية، قبل فوات الأوان، وذلك بتصحيح مسار الاعداد للإنتخابات، بإنقاده من تحكم التوجه النكوصي فيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *