وجهة نظر

الحدود المغربية-الجزائرية على صفيح القانون الدولي

تعد الحدود المغربية-الجزائرية و منها الصحراء الشرقية المغربية، أحد أعقد الملفات السياسية بين البلدين الشقيقين. و من الأسباب الرئيسية لتعطيل عجلة التعاون الاقتصادي بين البلدين الجارين.

النزاع المغري-الجزائري حول الحدود هو نتاج إرث الآلة الإستعمارية التي عبثت بتراب الصحراء الشرقية المغربية. غير أن وعي المملكة المغربية بضرورة حل هذا الإشكال الترابي بمنطق “الإخاء و آحترام الجوار”، دفع المغرب إلى إبرام آتفاق سري مع الحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية برئاسة فرحات عباس عام 1961، بموجبه تعترف الجزائر رسميا بحق المغرب في آسترجاع أقاليمه.

غير أنه و بعد إستقلالها، فضلت دولة الجزائر عدم آلتزامها بآتفاقها مع المغرب مما تتسبب في تشنجات سياسية، أعقبتها مناوشات على الحدود بين البلدين، آندلعت على إثرها حرب مفتوحة في ضواحي منطقة تندوف و حاسي البيضاء، ثم آنتشرت إلى فكيك المغربية، وهو ما سمي “بحرب الرمال”.

مدينة فكيك المغربية المتاخمة للحدود الجزائرية و التي تشهد اليوم أحداثا ساخنة فحسب شهادات بعض من ساكنة فكيك فإن دولة الجزائر أخطرت المزارعين المغاربة المتواجدين بمنطقة “العرجات” (تحت الإدارة الجزائرية) المتاخمة لمدينة فكيك المغربية، بضرورة إخلاء أراضيهم المملوكة لهم منذ عشرات السنين دون وجه حق، و في تعد فج لمبادئ حسن الجوار و خرق سافر لمواثيق القانون الدولي.

في عام 1972 وقع الملك الراحل الحسن الثاني و الرئيس الجزائري هواري بومدين آتفاقا رسميا لترسيم الحدود بين البلدين. آتفاق أقل ما يمكن أن يوصف به، كونه غير متوازن، غير واضح، و مجحف للمملكة المغربية. آتفاق وقع في ظرف زمني حساس تميز بتعرض المغرب لمحاولتي آنقلاب. و من مظاهر الإجحاف داخل هذا الاتفاق هو كونه أتاح للجزائر إمكانية التصرف في بعض مناطق الصحراء الشرقية المغربية من واحات و أدغال. بالتالي ما يحدث اليوم ما هو إلا آمتداد للأثار السلبية للغموض المتعمد الذي آكنتف هذا الاتفاق. و الدليل على ذلك هو تردد الدولة المغربية للمصادقة عليه، و الذي تم سنة 1992، أي بعد عشر سنوات من توقيع الإتفاقية.

أحداث “وادي العرجات” تسائل الدولة المغربية عن مدى آحترام آتفاق إفران لسنة 1972 لمبادئ القانون الدولي، فهل آحترمت الإتفاقية مبدأ الخط الفاصل أثناء ترسيم الحدود على الأرض؟ ما موقع منطقة “وادي العرجة” مقارنة مع الخط الفاصل؟ لمذا يتم التعتيم على كشف الخرائط المعتمدة في آتفاق الترسيم؟ و هل آحترمت العمليات التقنية لتنفيذ ترسيم الحدود؟

كما يسائل القانون الدولي هذه الإتفاقية عن “نظام الجوار”، فكما يرى “شارل روسو” أن قيام الحدود يولد نظاما قانونيا يرافقه، هو نظام الجوار و الذي يطرح عدة أسئلة:
– موضوع سكان طرفي الحدود، من حيث مالهم من حقوق (كحق المرور و العمل) و ما عليهم من واجبات. و هنا نتسائل ما هي الضمانات القانونية المتوفرة داخل الإتفاقية لحماية أملاك المغاربة المزارعين بمنطقة العرجة؟ و الذين يملكون أوراقها الثبوتية حتى قبل الإستعمار الفرنسي. و هل أخذت الإتفاقية بعين الإعتبار “الإمتدادات التاريخية” بين القبائل المغربية، حفاظا على تماسكها و آحتراما لروابط الدم و التاريخ التي توحدها، و هو مبدأ ينص عليه القانون الدولي؟

– يقع على عاتق الدول المتجاورة آلتزامات و حقوق يجب مراعاتها، كحق الملاحقة القضائية مثلا. هنا تجدر الإشارة أن للمزارعين المغاربة الحق في التقاضي لدى المحاكم الجزائرية للدفاع عن حقوقهم كون منطقة “العرجة” تقع تحت إدارة دولة الجزائر. الأمر الذي يصعب تنفيذه في ظل العلاقات السياسية المجمدة و الحدود المغلقة بين البلدين.

هذه الأحداث المخزية، تذكرنا بمسيرة العار “المسيرة السوداء” التي طرد حينها النظام الظالم الجزائري سنة 1975، 45 ألف عائلة مغربية كانت مقيمة بالجزائر، ما يقارب 350 ألف مغربي تم تهجيرهم قسرا و تم السطو على أملاكهم و ممتلكاتهم.

الدولة المغربية اليوم أمام تحد الحفاظ على حقوق مواطنيها والدفاع عن حقوقهم التي يضمنها القانون الدولي، بالتالي فإني أرى ضرورة القيام بعملية “تعبئة المجتمع المغربي” من خلال فتح نقاش شفاف حول آتفاق 1972 و الكشف عن بنوده، و القيام بحملة و ضغط دوليين من أجل إلزام النظام العسكري الجزائري بآحترام مقتضيات القانون الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *