وجهة نظر

ما هي رهانات انتخاب الحبيب المالكي

شكل انتخاب القيادي الاتحادي الحبيب المالكي جدلا واسعا بين الأوساط السياسية المغربية.إذا كان البعض ينظر إلى انتخاب الحبيب المالكي مجرد إفراز لتقارب سياسي بين حزبه وأحزاب منحته أصواتها فان أطراف أخرى اعتبرت دلك رسالة موجهة إلى رئيس الحكومة الذي أغلق باب المشاورات في وجه الاتحاد الاشتراكي.

والواقع أن جل المواقف والقراءات التحليلية لم تخرج عن النظرة التجزيئية المعتمدة في التحليل الديكارتي او في المقاربة التحليلية approche analytique القائمة على بثر السياقات وفك الأجزاء لتحليلها بعيدا عن الكل.فبالنظر إلى البعد التقني المستعمل من الديمقراطية يمكن الجزم أن ذلك الانتخاب مر في جو صحي وبشكل سليم لا غبار عليه وليس هناك تعارض لامع الدستور ولا مع الديمقراطية كمنهجية تقنية للتصويت وفرز الأصوات.

لكن ربما يتنافي مع الديمقراطية كثقافة وهو الشيء الذي سنتأكد منه خلال هدا العرض. ودلك بالاعتماد على مقاربة نسقية approche systématique وهي مقاربة تروم الأخذ بعين الاعتبار السياق والتطور التاريخي للأحداث وكذلك كل الفاعلين المباشرين والغير مباشرين في مسألة تكوين الحكومة.

هل يمكن اعتبار انتخاب المالكي مكافئة وهدية مسمومة قدمت للحزب اثر مواقفه؟ ما هي هده المواقف؟ هل يعتبر انتخاب الحبيب المالكي رسالة موجهة إلى حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية؟ .كيف دلك؟

للجواب على هذه الاسئلة، لا بد أن أوضح موقف حزب الاتحاد الاشتراكي الملتبس طيلة خمس عشر سنة أي مند اعتزال الاستاد عبد الرحمن اليوسفي الحياة السياسية مع وضع هده المواقف المتدبدبة في سياق تاريخي طبع المشهد السياسي المغربي مند سنة 2002.

1بداية انتكاسة الاتحاد الاشتراكي: كان ذلك سنة 2002 عندما قرر الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي اعتزال الحياة السياسية بعد الانقلاب على عملية التناوب وتنصيب حكومة إدريس جطو التي شاركت فيها أحزاب الكتلة. دهب عبدالرحمن اليوسفي إلى بلجيكا مودعا حزبا لم يعد يملك قراره ولا يحترم خطه النضالي.لم يكن هذا الباعث الوحيد وراء اعتزاله السياسية, بل الرجل اشتكى من كونه كان يتحرك بسلطات محدودة وهو يقود حكومته وكان يتعرض بين الفينة والأخرى لضغوط الدوائر المتحكمة فيما له علاقة ببعض السياسات الماكروقتصادية.وعن دوره في الحكومة وهامش التغيير صرح الأستاذ عبدالرحمن اليوسفي انه تسلم الحكومة ولم يتسلم الحكم. تصريح كهذا كاف لإزالة اللثام عمن كان يحكم حقيقة.

2 مجموعة G8 وموقف الاتحاد الاشتراكي :عرفت سنوات 2007 و2008 حدثا بارزا تمثل في خروج كاتب الدولة في الداخلية وما تلاه من تأسيس لحزب الأصالة والمعاصرة ومحاولته الحثيثة لوقف تقدم الإسلاميين. تحضيرا لانتخابات 2011 جمع مؤسس حزب الأصالة والمعاصرة ثمانية أحزاب وضعت كهدف ترأس الحكومة المقبلة. خلال هذه الفترة كان حزب الاتحاد الاشتراكي في توافق تام مع حزب الاستقلال وقد كانت هناك محاولات لضم الحزبين إلى هذا التشكيل الجديد فرفض حزب الاستقلال بينما ربط الاتحاد الاشتراكي مصيره بالاستقلال.

3 انتخابات 2011 و الظروف الإقليمية المضطربة.لم يكن الشارع المغربي بعيدا عما يقع من حولنا, فجاء خطاب 9مارس بردا وسلاما على استقرار المغرب. لم يكن من خيار سوى القبول بنتائج انتخابات حتى ولو كانت ستأتي بالإسلاميين. كانت نتائجها متوقعة،حيت كانت كل المؤشرات تفيد أن حزب العدالة سيتصدر الانتخابات.وكانت هناك قابلية للتعامل مع الوافد الجديد, خاصة بعد أن أضحى صعود الإسلاميين إلى السلطة هو أقصى ما وصلت له الثورات العربية. وبذلك يمكن التضحية بفكرة G8 وفلسفتها, مقابل ربح الاستقرار ودوام الملكية .وهكذا تكون خطة قطع الطريق عن العدالة والتنمية قد أفشلت. هده الخطة كانت معدة على وجهين سواء من خلال تصدر أحزاب G8 الانتخابات أو تجميع أغلبية معارضة تعيق تشكيل الحكومة المرتقبة إن تصدر الإسلاميون الانتخابات.كان دلك هو مشروع مجموعة احزاب G8وهي الفكرة التي سيتم إحياءها ما بعده انتخابات أكتوبر 2016.

4 انتخابات 2016 واحياء مشروع G8 جاءت انتخابات 2016 في ظرفية إقليمية مختلفة تماما عن تلك التي كانت خلال انتخابات 2011ظروف اتسمت بالردة السياسية والتراجع عن مكتسبات الثورات العربية واشتداد الخناق على الإسلاميين . فكانت لكل بلد عربي منهجيته لاحتواء الإسلاميين وقد لعب البتر ودولار العربي دورا في إسقاط نظام مرسي وثم وأد التجربة التونسية فالإسلاميون في تونس تراوحت مواقفهم بين المشاركة المحتشمة في السلطة والمكوث في المعارضة. لم يكن للمغرب أن يخرج عن سياق عربي تلك سماته.فكانت العودة إلى فكرة خلق مجموعة من أحزاب على شاكلة G8 بهدف تشكيل أغلبية من داخل المعارضة بعد أن كان معولا على تآكل شعبية حزب بنكيران خلال الخمس سنوات الأخيرة وقد سخرت كل الوسائل لوقف تجربة الإسلاميين. كيف دلك؟

عمدت بعض الجهات إلى تشكيل محورين يتم جمعهما وتنسيق أشغالهما بعد أن يكون كل محور قد تشكل. تكلف حزب الأصالة بتشكيل محور مكون من حزب الاستقلال و الاتحاد الاشتراكي وقد اجتمع قادة الأحزاب الثلاث بمنزل إدريس لشكر لبحث الموضوع. فنشب خلاف بين ألعماري وحميد شباط فعجل برحيل هذا الأخير وهروبه مسرعا إلى إعلان التحالف مع عبدالاله بنكيران،بينما ركب اذريس لشكر الجرار إلى جانب العماري. غير بعيد عن هذا المحور تأسس محور ثاني تزعمه عزيز أخنوش مباشرة بعد انتخابه على رأس الأمانة العامة للتجمع الوطني للأحرار.

استطاع أخنوش أن يضم إليه الاتحاد الدستوري والحركة الشعبية وفي أخر لحظات التحق حزب الاتحادي الاشتراكي. كان هذا المحور يعول عليه كثيرا لإفشال بنكيران والحيلولة دون تمكنه من تشكيل حكومة. فكان يوم انتخاب الحبيب المالكي سوى لحظة لإعلان تشكيل G5. وهي نسخة منقحة لG8 إذا لم يكن انتخاب الحبيب المالكي حدثا منفصلا عن مسار تاريخي وتقاطبات سياسية بل حتى عن السياق العربي. إن انتخاب القيادي الاتحادي لا يمكن أن يكون سوى مكافأة لالتحاق حزب عبدالرحيم بوعبيد بالركب.

5 خلاصة: إن انتخاب الحبيب المالكي لا يمكن النظر إليه منفصلا عن كل ما ذكرنا في هذا العرض. من أحداث وإن جاز لنا تلخيص أسباب تتويج القيادي الاشتراكي يمكننا جمعها في ثلاث عناصر:

أولا لفك الارتباط مع حزب الاستقلال وبدلك يكون هذا التتويج معاقبة لحزب الاستقلال.

ثانيا تحالف أحزاب تنعت بالإدارية كان في حاجة إلى حزب من طينة الاتحاد الاشتراكي وهو أشبه بعملية تبيض الأموال.

ثالثا لقطع الطريق عن تشكيل جبهة ممانعة مكونة من أحزاب لها مصداقية عند المواطنين على الأقل فيما يتعلق بظروف نشأتها واستقلالية قرارها. ولذلك يمكننا القول أن انتخاب الحبيب المالكي يعتبر هدية مسمومة.

ـــــــــــــــــ
أستاد باحث في ادارة التنظيمات – كندا