منتدى العمق

التغيير لا يمكن أن تقوده إلا المدرسة

حقيقة لا يمكن القفز عليها؛ اللوبي الحاكم نجح في تبخيس صورة المُدرّس في العقود الأخيرة، بعد الدور الريادي الذي كان يلعبه، ثقافيا، سياسيا واجتماعيا.

فإذا اعتبر نيلسون مانديلا أن التعليم هو السلاح الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه لتغيير، وتطوير المجتمع، ورأى انشتاين أنه تدريب للعقل على التفكير، فإن الدولة العميقة تسبح عكس التيار، وقد سخرت لذلك كل الجهات، حتى يصبح الأستاذ موضوعَ تنكيتٍ وسخرية، وحتى تنتج المدرسة بتعبير السيسولوجي محمد جسوس أجيالا من “الضباع” .

نهجت الدولة سياسة التفييئ وتكريس الطبقية من داخل أطر التربية الوطنية، ماديا ومعنويا. فأصبح أستاذ التعليم الابتدائي ينظر إليه من زاوية تنقص من قيمته من طرف زملائه في الأسلاك الأخرى، بالإضافة إلى الفرق الشاسع في الأجور بين موظفين يؤدون نفس المهام.

وتحول الصراع من صراع عمودي إلى أفقي، واضمحل مبدأ التكافل والتضامن بين من كادوا أن يكونوا رسلا، وسادت الإنتهازية في الجسد التعليمي بمباركة أغلب النقابات.

ولأنهم نجحوا، إلى حد ما، في بلوغ مسعاهم، النتيجة اليوم الإجهاز على الحق في الترسيم والاستمرار في تحريض الرأي العام ضد الأستاذ واستغلال أي خطأ من أجل تشويه صورته، لأنهم يعلمون يقينا، أنه مصدر إزعاج، وأن التغيير لا يمكن أن تقوده إلا المدرسة.

التغيير لا يمكن أن تقوده إلا المدرسة. وما يتعرض له الأساتذة اليوم في شوارع الرباط من جلد وتعذيب هو في الحقيقة جلدٌ ممنهج للمدرسة. هذه المؤسسة التنشئوية التي نعول عليها لتكوين أجيال ستقود البلد مستقبلا وتدبر شؤونه نراها اليوم تغتصب أمام ناظرينا، فهل من عقول حكيمة ستنتبه إلى ما آلت إليه المدرسة وما سيؤول إليه مستقبل البلاد أمام هذا النكسة الحقوقية التي نعيشها منذ تحرير الفضاء العام إبان حراك 20 فبراير ؟

إن تحرير المدرسة رهين بتحرير الأستاذ. أن نوفر له الظروف المواتية للعمل، أن نحفظ كرامته التي بدونها لا يمكن أن يحيا عزيزا.

ثم إن على الأستاذ الذي غذا اليوم “عطاشا” في القطاع الخاص، ويعمل بمنطق السوق، وتحول من فاعل تربوي مستنير إلى عبد أجير في “ضيعات” السوق السوداء، وظل غائبا عن هموم الشغيلة، أن يفيق وينظر إلى الأفق فثمة آمال كبيرة معقودة عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *