وجهة نظر

لغة المجلس الوطني لحزب المصباح!

انعقدت دورة استثنائية للمجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية أيام السبت والأحد 20-21 مارس 2021، في سياق سياسي استثنائي عنوانه الكبير سؤال: إلى أين يتجه قطار الديموقراطية المغربية بعد تحالف سبعة أحزاب ممثلة في البرلمان لتمرير قانون انتخابي يهدد بتخريب كل المنجز المغربي في مجال الديموقراطية الانتخابية، في سياق عالمي ووطني تهمن علهيما أزمة كورونا بتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة، وتطلع المغرب لإنجاح ورش تعميم الحماية الاجتماعية وإطلاق النموذج التنموي الجديد، وتعزيز وحدته الوطنية والترابية في ظل تنامي تحرشات الجارة الشرقية؟

لقد كانت الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني محطة نقاش وتقييم جاد وعميق، تناولت جميع القضايا الساخنة، سواء المتعلقة بالشأن الداخلي للحزب أو بالوضع السياسي في ظل التطورات التشريعية والسياسية الأخيرة، وخاصة ذات التوجه النكوصي المتمثلة في التعديلات التي ألحقتها أحزاب “التحالف السباعي” بالقوانين الانتخابية. وعالج المجلس كل نقط جدول أعماله بنقاش حر وديموقراطي تم من خلال 150 تدخلا على مدى يومين. ورفض بأغلبية تقترب من الاجماع استقالة رئيسه الأخ إدريس الأزمي، كما صادق على بيان ختامي ضمنه مواقفه من مختلف القضايا التي كان لها حضور وازن في النقاش. ولم يسجل أحد شيئا يمس بالسير الطبيعي والديموقراطي لأعمال المجلس. بل إن الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني للحزب كانت محطة أعطت نفسا جديدا ودفعة قوية للبعد المؤسساتي في منهج الحزب.

ومن المفارقات التي تستحق التوقف والتأمل معا، أن يعمد البعض إلى اللمز من بيان المجلس، بالزعم أن لغته لا تعكس مجريات النقاش داخله، وأنه لم يتطرق إلى كل القضايا التي كانت موضع النقاش فيه. ونحت عبارات تمس باستقلالية مؤسسة المجلس الوطني  ومسؤوليته، والطعن في وفائه لنفسه وإحاطة كل ذلك بالغموض بالسؤال عن دواعي ذلك. فهل فعلا لم يكن البيان الختامي، لغة ومضمونا، وفيا لإرادة المجلس الوطني؟

قد يكفي الرد على هذا الزعم بسؤال استنكاري هو: ومن ناقش ذلك البيان في تفاصيله وصادق عليه؟ أليس المجلس الوطني نفسه؟ وبناء عليه، كيف لا يكون مضمونه ولغته تعبيرا وفيا عن إرادته واختياره؟ وهل مورس على المجلس أي ضغط من أي جهة كانت كي لا يعبر بيانه، لغة ومضمونا، عن إرادته؟

إن التنقيص من مخرجات الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني من باب لغة بيانه الختامي وقصور مضمونه أمر متهافت ومردود على أصحابه. ذلك أن المجلس ومند انطلاق أعماله، شكل لجنة البيان الختامي، وفق منهجيته المعتادة في هذا المجال، ولم تسجل أي ملاحظات يمكن أن تطعن في نزاهة تلك اللجنة أو مصداقيتها. وتضم اللجنة كل من الإخوة نبيل شيخي، ورضا بنخلدون، والأخت أمينة ماء العينين والأخ عبد الله النجامي. واشتغلت اللجنة طيلة يومين بناء على مجريات النقاش داخل المجلس، وتقدمت في ختام أعماله بمشروع البيان الختامي، وفتح حوله نقاش واسع وحر، وسجل المتدخلون ملاحظاتهم حول مختلف جوانبه بكل حرية. وتم النقاش في جلسة عامة، وتحت قيادة رئيس المجلس الوطني الأخ إدريس الأزمي، ولم تشكل نوعية وحجم القضايا التي تناولها مشروعه محطة اهتمام كبير، ولم يطالب أحد بأن يتحول البيان الختامي إلى محضر يوثق لتفاصيل أشغاله وقضايا النقاش فيه. كما لم تشكل لغة البيان نقطة خلاف واضح، إلا في نقطة واحدة احتكم فيها المجلس إلى التصويت بالأغلبية للحسم في الاختيار بين ثلاث كلمات للتعبير عن أحد مواقفه. ولم تخضع لغة البيان لأية إعادة صياغة مهمة تخالف لغة المشروع الذي تقدمت به لجنة البيان الختامي. وهو ما يعني أن البيان الختامي عبر عن أعمال المجلس موضوعا ولغة كما أراد ذلك المجلس واختاره.

إن اللمز من لغة البيان ومضمونه من طرف من ساهموا فيه أمر مفارق، ويناقض الفكر الديموقراطي وقيم احترام المؤسسات ومخرجاتها، ويضرب بعرض الحائط أحد أهم المبادئ التي تميز بها حزب العدالة والتنمية ونص عليها نظامه الأساسي وهو قاعدة:” الرأي حر والقرار ملزم”، فبعد مرحلة إبداء الرأي بحرية خلال انعقاد المجلس الوطني، فالمفروض أن يلتزم جميع أعضاء الحزب بقراراته، وأن يعتبروا بيانه بيانهم رغم ما قد يتضمنه من مواقف لا تعبر عن مواقفهم الشخصية، وإلا فإن عمليات تمييع تلك القاعدة الذهبية بالتركيز على جزئها الأول فقط، والمتعلق بحرية الرأي، ليس لها عمليا سوى نتيجة واحدة، وهي إضعاف المؤسسات.

لقد ختم المجلس الوطني أعماله بنجاح كبير، وعبر بيانه الختامي عن التوجه العام الذي ساده بالمضمون واللغة الذين اختار التعبير بهما عنه للرأي العام ولمختلف الفرقاء والفاعلين. ومن المؤسف أن نبدع خطابات تشوش على بيان تاريخي للمجلس الوطني ينبه إلى قضايا تهدد البلد بانهيار الخيار الديموقراطي الذي بذل الشعب المغربي تضحيات عظيمة في بنائه، وتتطلب تعبئة جميع القوى الحية في البلد للوقوف في وجهها، ونركز الاهتمام بذل ذلك على مزاعم غير منطقية ولا صحيحة، مما يعد انحرافا عن مقاصد المجلس الوطني من بيانه الختامي، وعن أدوار مناضلي الحزب الطبيعية في التعريف به وتفعيله، وهذا كله دليل تيه سياسي ونضالي مقلق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *