وجهة نظر

المغرب على حافة الإفلاس المائي

تستعرض دول العالم سياستها المائية وتقيمها وتحدد بكل دقة إنجازاتها ومختلف معيقاتها وتحدياتها ، احتفالا باليوم العالمي للماء الذي يصادف 22 مارس من كل سنة . وذلك لأن الحضارة الإنسانية قامت على الماء عبر التاريخ ، وانه لا تنمية بشرية في الحاضر والمستقبل دون تعبئة الموارد المائية والمحافظة عليها وحسن ترشيدها . فهل لهذا اليوم مكان في أجندة المؤسسات التي تعنى بالماء بالمغرب ؟ وما حقيقة السياسة المائية بالمغرب ؟ وكيف سيواجه المغرب مشكل الفقر المائي الآني والمستقبلي ؟

تصنف الأمم المتحدة الدول حسب مواردها المائية باعتماد عتبة الفقر المائي التي تعادل 1000 متر مكعب للفرد ، وتحسب بقسمة حجم الموارد المائية المتاحة على عدد السكان . وهو معيار يقسم بلدان العالم الى ثلاث مجموعات : مجموعة الدول الفقيرة مائيا ويقل معدل الفرد فيها من المياه عن 1000 متر مكعب . ومجموعة الدول المتوسطة يتراوح فيه نصيب الفرد بين 1000 و 2000 متر مكعب . بينما الدول الغنية مائيا او في وضعية مريحة يفوق نصيب الفرد فيها 3000 متر مكعب . ويزيد المعدل العالمي عن 7000 متر مكعب . المغرب يوجد ضمن المجموعة الأولى من الدول التي تعيش خصاصا مائيا مهولا حيث أن نصيب الفرد يقل عن 500 متر مكعب وهو في تناقص مستمر بسبب التزايد السكاني وضعف التحكم في الموارد المائية المتاحة ، حيث أن نسبة التحكم في هذه الموارد لا تتعدى 60 في المائة .

وحسب ما تصرح به السياسة المائية بالمغرب فقد بلغ عدد السدود بالمغرب 149 سدا كبيرا و 133 سدا صغيرا تستطيع تخزين ما يفوق 19 مليار متر مكعب من الماء . واذا اعتمدنا تصريح الجهات المسؤولة خلال مارس الحالي فإن حقينه السدود المغربية وصلت 50 في المائة ، أي أن المخزون الحالي أقل من 10 مليار متر مكعب . بعملية بسيطة : أن ما يخزنه المغرب في 282 سدا تسطيع اثيوبيا تخزينه مستقبلا في سد واحد هو سد النهضة مضاعف سبع مرات (74 مليار متر مكعب) . وتخزنه العراق في سد الموصل (11 مليار متر مكعب) . وتخزنه تركيا في سد أتاتورك مضاعف خمس مرات (48 مليار متر مكعب). زد على ذلك أن الرواسب تشكل حوالي 10 في المائة من حقينه السدود المغربية.

انطلاقا من هذه المقارنة البسيطة أصبحت سياسة المغرب المائية متجاوزة . والدولة المغربية مدعوة أكثر من أي وقت مضى الى التفكير في سياسة مائية جديدة تتجاوز تعبئة الموارد التقليدية خلال الفصل الممطر والعمل على استنزافها خلال الفصل الجاف . حيث تتراجع حقينه السدود الى ما دون 30 في المائة وتتعرض المياه الجوفية لاستغلال مفرط الى حد الاستنزاف.

ولتجاوز هذا الوضع المخيف بات لزاما على الدولة وضع سياسة مائية تعتمد الموارد المائية غير التقليدية وادماجها في المخططات التنموية . نظرا لما يتوفر عليه المجال المغربي من مؤهلات طبيعية أهمها الانفتاح على المحيط الأطلسي بسواحل تتجاوز 3000 كلم واتساع نصيبه من المياه الإقليمية والرصيف القاري ، وهذا لوحده معطى استراتيجي مهم لأن الدول التي تعاني الجفاف ونقص الموارد المائية وليست لها منافذ على المحيط تعتبر دولا في وضعية صعبة ولا مستقبل لها . أضافة الى ذلك يوجد معطى طبيعي آخر لا يقل أهمية عن الأول وهو وجود الشمس على طول السنة حيث أن معدل الأيام المشمسة بالمغرب كبير خلال السنة ، ويحسب الخبراء استفادة مجال معين من أشعة الشمس بعدد الساعات المشمسة خلال السنة (المغرب 2900 ساعة – ألمانيا 1768 ساعة).

وجود هذه المؤهلات الطبيعية من شأنه الدفع بتغيير السياسة المائية بالمغرب بشكل كبير ، رغم أن الأمر يتم بهدوء وبطء خلال السنوات الأخيرة من خلال محطة سوس بالقرب من مدينة أكادير ومشاريع محطات أخرى على الساحل الأطلنطي ، والتي تروم توفير الموارد المائية للمدن الكبرى وكذا تعزيز البنيات الهيدروفلاحية بالسهول الساحلية وخاصة سوس باعتبارها مصدر الخضروات بالمغرب وبعض دول العالم ، هناك تنضج أولى البواكر في العالم ، وعلى سبيل المثال لا الحصر لا يوجد مثيل لطماطم “شتوكة” بسوس في العالم . وحتى يحقق المغرب أمنه الغذائي وينفتح على العالم بتجربته الفلاحية لا بد له من ضمان مصادر دائمة للمياه ولا يتأتى هذا المطلب سوى بتعبئة موارد المياه غير التقليدية . ومن شان تحلية مياه المحيط توفير المياه للمناطق الداخلية التي تعاني من الخصاص المائي وخاصة وسط المغرب وشرقه وواحات الجنوب الشرقي، وفي نفس الاطار تدخل تنقية المياه العادمة التي أصبح عدد كبير من المدن المغربية يتوفر عليها ، والتي تدخل في تهيئة المجالات الخضراء. الا أن هذه العملية تشوبها مجموعة من الاختلالات منها انتشار الروائح الكريهة وثقل فاتورة التدوير .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *