وجهة نظر

هل مخاوف مغاربة أوروبا مشروعة؟

انعكاسات خطيرة جدا تلك التي سيخلفها دخول الاتفاقية المبرمة ببن المغرب وعدد من دول الاتحاد الأوروبي بشأن التبادل الأتوماتيكي للمعلومات المالية والضريبية، بداية شتنبر المقبل، على أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج.. إذا (أقول إذا) أسيئ فهم الاتفاقية أو تم تأويلها على غير مرادها المتفق عليه أو تم سوء تنفيذها، من طرف كافة الأطراف؛ فالظاهر من الاتفاقية هو هدف محاربة التهرب الضريبي، وتهريب الأموال، وكذا تبييضها، لكن ما خفي حقيقة قد يكون غير ذلك.

في اعتقادي الشخصي، قد تكون الأهداف الحقيقية وغير المعلنة، أكبر وأهم من ذلك، قد تتعلق بمحاولة أخرى للتجسس مثلا على الأجانب المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي، والتتبع الدقيق لحساباتهم وكذا أصولهم وممتلكاتهم، داخل بلدانهم الأصلية وحيث يقيمون أيضا، وذلك من جهة، لدواع اقتصادية واجتماعية قد تؤدي في النهاية إلى حرمانهم من الكثير من الحقوق والمكتسبات التي ظلوا يتمتعون بها لسنوات طويلة، ومن جهة أخرى، لدواع أمنية. لكن المؤسف اليوم أن تقوم بهذه المهمة وبالوكالة الدول المصدرة للمهاجرين ومنها المغرب؛ وهو ما لا نريده طبعا ولن يقبله بأي حال من الأحوال المغاربة المقيمين في الخارج وخاصة في أوروبا. هؤلاء المغاربة الذين أبانوا عن حس وطني عالي جدا وقدموا ويقدمون باستمرار، الغالي والنفيس لصالح وطنهم وأحيانا كثيرة، في أحلك الظروف، ورغم أن جلهم لم يتمكنوا من زيارة وطنهم، نظرا للجائحة ولإكراهات الجائحة وتداعياتها، ومنها إغلاق الحدود مثلا، إلا أنهم استمروا في تحويلاتهم المالية السخية نحو بلدهم؛ فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.

من حق الدول الأوروبية أن تتخذ من التشريعات ومن القرارات، ما تراه مناسبا، وفي ذلك ممارسة لسيادتها وعملا باستقلال قرارها، على ترابها، أقول على ترابها، حفاظا على مصالحها، وحماية لاقتصادها، وزجرا لأي تهرب من طرف من كان، لا يؤدي الضرائب المستحقة عليه،
اوروبا التي لا يهمها سوى الحفاظ على مصالحها و مصالح رعاياها وتنافسية اقتصاداتها .. وهنا نتذكر جميعا كيف تم إقحام المغرب وبشكل تعسفي في اللائحة السوداء للدول غير المتعاونة مع الاتحاد الأوروبي، بشأن الملاذات الضريبة، قبل أن يتم مؤخرا حذفه منها والاعتراف له بحسن تنسيقه وتعاونه، رغم كل المجهودات التي بذلها والقوانين التي صادق عليها والإصلاحات التي أدخلها خاصة في قانون المالية الحالي، والتي همت أساسا نظام القطب المالي للدار البيضاء والمناطق الحرة والصناعية الموجه للتصدير، حتى وإن كانت تلك الإجراءات والتدابير في غير صالح مقاولاتنا وضدا على قوة تنافسية اقتصادنا الوطني.

يبقى من حق السلطات المغربية كذلك، إدارية كانت أو بنكية أو مالية أو ضريبية، العمل بالمثل على الأجانب المقيمين فوق التراب الوطني، تحقيقا لنفس الأهداف المشار إليها أعلاه.

ولا أعتقد، بل أنا متأكد، أن بلدا محترما وذا سيادة كاملة كالمغرب، ومستقل كامل الاستقلالية، في اتخاذ قراراته، وهو ما فتئ يعمل على تجويد الخدمات وتقديم كل التسهيلات الممكنة لجاليتنا، بتعليمات ملكية سامية، سيقبل بأن يكون عينا على هذه الجالية من هنا من المغرب، لصالح الأجنبي مهما يكن هذا الأجنبي ومهما تكن العلاقة التي تربطنا به والمصالح المتبادلة معه.

لا شيء يلزم بلادنا على الإقدام على هكذا فعل. فليطمئن أفراد الجالية خاصة فوق التراب الأوروبي؛ فهذا شأن أوروبي أوروبي، والمغرب لن يفرط في أبنائه، وسيبقى كما كان دائما في خدمة رعاياه، ويدافع عن مصالح كل المغاربة أينما كانوا، في البلاد وخارجها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *