منتدى العمق

النزر اليسير مما فهمه المغاربة من بلوكاج التسيير

في البداية عنونت لهذا المقال بعنوان “ما وراء البلوكاج ” لكن فيما بعد تبين لي انه من المستحيل ان تعطي لهذا الموضوع حقه ، لكونه يحتاج خبرة كبيرة في التحليل والفهم العميق للأحداث المتسارعة في الساحة السياسية المغربية ، ومحاولة وضع قراءة عميقة وغائرة واستقراء ما وراء الحدث ، اذا من خلال العنوان سنعرض نزرا يسيرا فيما فهمه المغاربة بشكل عام من البلوكاج الحكومي الذي وقع بعد انتخابات سبعة اكتوبر.

البلوكاج هو استحالة الاتاحة بالمفهوم الالكتروني ، اما اصطلاحا اي المفهوم الحكومي فهو مجموعة من التفاعلات التي تؤدي الى استحالة تشكيل الحكومة بالحصول على اغلبية حكومية في اطار اصلاحي ديمقراطي مريح ، وبما ان الاتاحة في الولوج الالكتروني تستدعي الفورمتاج واعادة التشغيل فإن الاتاحة في تشكيل الحكومة يستدعي هو ايضا الرجوع الى الوراء وتغيير النظام المعمول به ، اي التخلي عن الرؤية الاصلاحية ومبادئ الديمقراطية واسترجاع نظام التشغيل القديم.

بعد ثلاثة أشهر ونيف من الاستحقاقات التشريعية التي تحمل عنوان ثلاثة اشهر من البلوكاج ، فأكيد ان المتتبع وغير المتتبع للشأن السياسي استوعبوا جميعا مجموعة من الرسائل التي يحملها هذا البلوكاج الحكومي وهذا المشهد السياسي القاتم الذي ذبحت فيه الديمقراطية من الوريد الى الوريد.

ان اول ما فهمه المواطن المغربي من هذا المشهد هو خطاب العدالة والتنمية قبل الانتخابات ، الذي ارتكز على مصطلح ومفهوم عميق الا وهو ” التحكم ” فما هي الفئة التي فهمت هذا المصطلح بعد الانتخابات ولم تفهمه قبلها ؟ اكيد ان كل من لم يفهم خطاب العدالة والتنمية قبل الانتخابات فهمه بعد ثلاثة أشهر من البلوكاج ، وتمنى بذلك لو اعطى صوته للمصباح كي لا يكون ضحية التحكم ومحل التلاعب والخضوع ، وربما لو أعطى المقاطعون للانتخابات صوتهم لحزب العدالة والتنمية ، لعجز التحكم في اخضاع هذا الحزب في أمر التحالفات ، وبذلك يتمكن المشاهد المغربي من مشاهدة حلقات أخرى من مسلسل التحكم وبطولات جديدة واثارة وتشويق، وهو نفسه ما سيشاهده بعد توقف المشاورات ووقوف رئيس الحكومة امام التحكم وأعداء الديمقراطية وظلامي الحداثة.

وفهم المواطن المغربي كذلك ، في وليمة ذبح الديمقراطية التي استمرت ثلاثة اشهر على طاولة الحكومة المغربية ، ان المغرب اعطى لنفسه انطباعا دوليا الا وهو ان الحكم في المغرب للواحد الاحد ، وهو الخصم والحكم ، وعلى بن كيران ان يعرف طريقه اليه ، بعد ان يعرف ان الديمقراطية لا تقبل منطق الحساب والرياضيات اذا تعلق الامر بالسلطة ، وعليه ان يعي كما على الشعب المغربي ان يدرك هو ايضا أن بإمكان اي شخص ان يحكم ويقرر بمجرد ان يحصل على امر التفويض والموافقة من القصر ،وإن كان لا يتقن الا البيع والشراء.

ومن الرسائل كذلك ، التي استقبلها المتتبع على هاتف الشأن السياسي ، ان الفوز في العملية الانتخابية سهل يسير، وان بقاء الفوز والحفاظ في العملية السياسية هو الصعب العسير ، وأن العمل بمقتضى نتائج الانتخابات من سابع المستحيلات.

ان بقاء حزب العدالة والتنمية وفيا لخطابه ووقوفه لحد الساعة أمام تيار التحكم ، وايقاف المشاورات التي يستحيل ان يكون فيها الطرف الاخر موضوعيا في التعامل مع نتائج الانتخابات ، خطوة من الخطوات الحقيقية في محاربة الفساد والتي تحسب لصالح تيار الاصلاح، وتبرهن تميز هذا الحزب ببقائه وفيا للشعب المغربي الذي وضع تقته فيه في أكثر من محطة انتخابية ، وان اي تغييرا في هذا التوجه ، واي تنازل في هذا المسار ، سيجعل الحزب يفقد خصوصيته ، وتكون عقوبة ذلك ، ان ينضاف الى باقي الاحزاب الادارية الغير المستقلة ، التي تخضع لقرارات المخزن وتوجيهاته ، فالوقوف المعتبر والحقيقي هو الاستمرار في نفس الاتجاه ، وهو الذي سيكسب للحزب مكانة حقيقية في نفوس المغاربة ، وأثرا كبيرا في مسار الاصلاح السياسي وتثبيت الخيار الديمقراطي بالمغرب، اما ان كان وقوفا مؤقتا في وجه التحكم ، فان الحزب سيندحر بعده ، وان الاعمال بالخواتيم ، والبقاء في الميدان يكون بقاءا حقيقيا مالم يكن هناك تنازل حقيقي وملموس يخدش في مسار الحزب.

فالرسالة التي سيستوعبها المغاربة أكثر مالم يتحالف حزب العدالة والتنمية مع تيار التحكم ، هي أن هذا الحزب رفض أن يبيع اصوات المغاربة مقابل الكراسي والكريمات ، ورفض أن يستسلم لأعداء الديمقراطية ولو على حساب مصير الحزب ، وبذلك يجعل ثلاثة أشهر من البلوكاج في صالحه وفي صالح مسار الاصلاح السياسي وتثبيت الخيار الديمقراطي بالمغرب ، وبذلك يخسر تيار التحكم وحاشية الحاكم شوطا آخر من أشواط معركة الدمقرطة ، وينهزم هزيمة أخرى تنضاف الى هزيمة سابع أكتوبر ، في انتظار بداية شوط آخر مشوقا أكثر ، وربما ينهزم فيه مرة أخرى اذا كان حزب العدالة والتنمية هو نفسه الباقي في حلبة المعركة.

تعمدت ان لا اتطرق الى مفهوم ” التحكم ” لان هذا الطرف الذي هو طرف رئيسي في معركة تثبيت الديمقراطية أصبح اليوم مكشوفا وعاريا أمام الجميع ، ولكن مع ذلك لازال غامضا من ناحية المركزية والحيثيات ومدى حدود الممارسة ، وطبيعة الاجندة الخارجية التي يخدمها ؟ وإن كان معروفا من ناحية الاليات التي يستخدمها والقوالب التي يظهر بها.