سياسة

عندما يجرؤ عبد الإله بنكيران على أن يقول لا للقصر

ترجمة “العمق المغربي”

نشرت المجلة الفرنسية “Orient XXI”، تقريرا أعده الصحافي الإسباني المهتم بالشأن المغربي “إغناسيو سامبريرو”، انصب على موضوع مسار تشكيل الحكومة المغربية بعنوان “المغرب: عندما يجرؤ عبد الإله بنكيران أن يقول لا للقصر”، في إشارة من الصحفي الإسباني إلى رفض رئيس الحكومة المعين عبد الإله بنكيران في بلاغه “انتهى الكلام” لمواصلة المشاورات مع أخنوش ولعنصر.

وفيما يلي نص المقال الذي ترجمته جريدة “العمق المغربي” :

رَفضُ عبد الإله بنكيران تشكيل الحكومة يوم 9 يناير الماضي، وضع الأمين العام لحزب العدالة والتنمية في مواجهة مباشرة مع الملك، هو تحدٍ كبير وقياس لمدى الإصلاحات التي اعتمدها المغرب ما بعد الربيع العربي سنة 2011 والتي فرضت انفتاحا جزئيا للنظام السياسي المغربي”.

تحدثت برقية للسفير الأمريكي بالرباط “توماس رايلي”، في غشت 2008 أرسلها إلى وزارة خارجية بلاده، عن “قلق القصر من ارتفاع شعبية التيار الإسلامي، من خلال حزب العدالة والتنمية الإسلامي”، وهي البرقية التي كشف عنها ويكليكس عامين بعد ذلك.

بعد تسع سنوات من هذه البرقية – التي كشف عنها ويكيليكس- تأكد أن شعبية حزب العدالة والتنمية وزعيمه، عبد الإله بنكيران، ارتفعت أكثر مما سبق، خاصة مع النتيجة المبهرة للانتخابات البرلمانية التي جرت في 7 أكتوبر الماضي، حيث فاز إخوان بنكيران بالمرتبة الأولى، رغم محاولات القصر احتواء شعبيتهم ونفوذهم، وتحديد نطاق عمل حزب العدالة والتنمية حتى يكون قادرا على التخلص منه وقتما شاء ذلك. 

وقد بدا بنكيران الذي عينه الملك محمد السادس متعَبا ربما، من خلال حرب الاستنزاف التي يشنها عليه المقربون من القصر وعلى رأسهم الملياردير عزيز أخنوش، مما دفعه ليلة الأحد 8 يناير إلى التخلي عن مواصلة التفاوض مع أخنوش زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار، الحزب الذي تم إنشاؤه من الصفر من قبل وزير داخلية المغرب أواخر سنة 1977، وذلك بعد أن رفض الشروط المفروضة عليه.

خلال السنوات الخمس (2011-2016) انصاع رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران وحزبه لرغبات القصر، غير أنه في ليلة 8 يناير فاجأه قائلا “لا “وهو ما خلق وضعا غير مسبوق بالمغرب.

في الـ 10 من أكتوبر كلف العاهل المغربي بنكيران بتشكيل الحكومة. المهمة في الأول بدت سهلة. خصوصا وأن مقاعد الحزب ارتفعت من 107 إلى 125 مقعدا وكان الحزب الشيوعي السابق التقدم والاشتراكية (PPS) على استعداد للانضمام وكذلك حزب الاستقلال، الحزب التاريخي الذي ناضل من أجل استقلال المغرب رغم كونه اليوم يشكو من تراجع شعبيته.

عزيز أخنوش قائد اللعبة

بنكيران كان ينقصه فقط 15 مقعدا ليشكل الحكومة بأغلبية مطلقة، وهو ما جعله يوجه أنظاره إلى حزب التجمع الوطني للأحرار الذي كان معه في الحكومة في النصف الثاني من الولاية التشريعية. والذي يقوده منذ أكتوبر 2016 عزيز أخنوش، وزير الفلاحة في الحكومة السابقة والذي تعتبر ثروته الثالثة بالمغرب بقيمة 1.7 مليار دولار وفقا لمجلة فوربس، وهو القريب من الملك محمد السادس، حيث قام بدعوة الملك مرارا وتكرارا واستضافه في منزله بالدار البيضاء، وتبادلا وجبة الإفطار خلال شهر رمضان، و كان برفقة الملك أيضا في رحلته إلى هونج كونج لقضاء احتفالات رأس السنة 2015″.

أخنوش أخذ أولا وقته قبل الجلوس على طاولة المفاوضات مع بنكيران. ففي أواخر أكتوبر، رافق الملك في جولته الثانية في أفريقيا في خريف هذا العام. وبعد عودته وضع مجموعة من الشروط أولها استبعاد حزب الاستقلال من الائتلاف الحكومي، غير أن بنكيران رفض في البداية، ولكن حميد شباط، زعيم هذا الحزب التاريخي ارتكب خطأ عندما قال في دجنبر الماضي علنا بأن موريتانيا جزء من السيادة المغربية وهو ما جعله مستبعدا من الانضمام إلى الحكومة بشكل قطعي.

رغم مرور ثلاثة أشهر لم يفقد بنكيران الأمل في التوصل إلى أغلبية برلمانية تدعم أغلبيته الحكومية…لكنه فوجئ بشروط أخنوش الذي أضحى يقود تحالفا انضاف إليه الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مما سيجعل رئيس الحكومة داخل هذا التحالف محاصرا وحزبه يشكل أقلية…وهو ما جعل المراقبين يستبعدون أن يكون أخنوش يضع تلك الشروط دون استشارة من هم أعلى منه.. بل يرى الملاحظون أن رئيس التجمع الوطني للأحرار أضحى يمثل ويصرف إرادة القصر كما كتب ذلك قبل مدة الصحفي علي عمار مدير الجريدة الالكترونية المغربية لوديسك.

بنكيران قرر هذه المرة التوقف عن ابتلاع الإهانات…ولم تمر سوى ساعة واحدة بعد الشروط الجديدة للملياردير ليصدر بلاغا جزم فيه أنه لا يمكن استئناف الحوار مع من لا يستطيع أن يجيبني (في إشارة إلى أخنوش).

لا يوجد غير أخنوش الذي يضع العصي في عجلات زعيم حزب العدالة والتنمية منذ فوزه بالانتخابات التشريعية، والمقربين من القصر أيضا يعمقون من معاناة البيجدي.

وقد كان هناك شبه تجاهل من الملك محمد السادس لعبد الإله بنكيران عندما جاء إلى مطار مراكش من أجل استقباله عند عودته من جولته الإفريقية يوم 12 نونبر 2016، وأيضا من صلاح الدين مزوار، وزير الخارجية عندما قال في بلاغ للخارجية بأن الملك هو المسؤول عن السياسة الخارجية ردا على تصريحات بنكيران التي قال فيها “أن روسيا تجاوزت الحدود في سوريا”.

في 24 دجنبر، زار اثنين من مستشاري الملك؛ عبد اللطيف المنوني وعمر القباج بنكيران، لإبلاغه “حرص الملك على تشكيل في أقرب وقت ممكن”، حسب الديوان الملكي. وطالبه بالتعجيل بتشكيل الحكومة كما لو أنه هو الذي يقوم بعرقلة تشكيلها!، هذه الإهانات هي نفسها تلك التي تكبدها هذا الحزب خلال الانتخابات التشريعية الخريف الماضي. كان أبرزها منع وزارة الداخلية لمؤتمر شبيبة الحزب بساحة الأمم بطنجة صيف 2012 والذي كان مقررا أن يلقي فيه عبد الإله بنكيران خطابا، غير أنه بعد المنع احتفظ به في جيبه.

الملك محمد السادس لم يعجبه رد فعل بنكيران تجاه أخنوش وربما هو السبب الذي أخر المجلس الوزاري لـ 24 ساعة عن الوقت الذي حدد من قبل والذي هو 9 يناير بمدينة مراكش، والهدف من ذلك ربما هو التقليل من قوة حزب العدالة والتنمية داخل الحكومة.
الدستور المغربي لسنة 2011 منح رئيس الدولة صلاحيات واسعة في السلطة التنفيذية، وبحسب المادة 47 من الدستور فالملك أمام ثلاث خيارات للخروج من أزمة تأخر تشكيل الحكومة وهي :

– الضغط على بنكيران حتى يضع أرجله على الأرض.

– تعيين رئيس حكومة جديد من حزب العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة

– حل مجلس النواب وتمهيد الطريق لإجراء انتخابات جديدة، وهذا الخيار هو الأقل احتمالا لأنه ليست هناك ضمانات لأن لا يفوز حزب العدالة والتنمية بأكبر عدد من المقاعد إذا ما تمت إعادة الانتخابات.

بعض وسائل الإعلام المغربية، ومع ذلك، تشير إلى أن محمد السادس يمكن أن يستخدم المادة 42 من الدستور التي تجعل منه “الضامن لاستمرار الدولة وحسن سير المؤسسات الدستورية”. بالنسبة لهم يجب تشكيل الحكومة بأٌقصى سرعة من أجل ضمان سير المؤسسات، وبالتالي فإذا عجز بنكيران عن ذلك، فليتم تكليف إلياس العمري، الأمين العامل لحزب الأصالة والمعاصرة (PAM)، القوة البرلمانية الثانية والذي حصل 103 مقعدا، وراء حزب العدالة والتنمية.

الإسلام السياسي في مشاهد

قبل 15 سنة كان الإسلاميون لا يشاركون في الانتخابات إلا في دوائر محدودة، وكانت مشاركتهم محدودة إلى غاية 2007 حين دخل حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل غمار الانتخابات رغم أن مشاركته كانت بشكل محدود نزل فؤاد علي الهمة صديق الملك من دائرة القرار للحد من شعبية الحزب وتناميه داخل الأوساط الاجتماعية فأسس حركة ستتحول بعد ذلك إلى ما يسمى بحزب الأصالة والمعاصرة لتسقط في نهج سلفه ادريس البصري اليد اليمنى للحسن الثاني وذلك ببناء حزب سياسي يقف أمام تقدم الأحزاب الإسلامية. في عهد البصري كان اليسار هو الهدف ومع فؤاد عالي الهمة فالإسلاميون هم الهدف.

في العشر سنوات الأخيرة نجح حزب الأصالة والمعاصرة في مهمته في إيقاف زحف إخوان بنكيران في الدوائر الانتخابية حيث فاز بين 2007 و 2015 بمجموعة من الدوائر الانتخابية خصوصا في العالم القروي، وفي المدن الكبرى نجح حزب العدالة والتنمية في اكتساح الدوائر الانتخابية خصوصا حينما يسمح القصر بذلك. “لقد أعطى محمد السادس تعليماته بألا يترأس البيجيدي عمادات المدن الكبرى بالمغرب”،كما ذكر ذلك “روبير جاكسون” في شهر غشت 2009 وهو مسؤول بالسفارة الأمريكية…قبل أن يكشف ويكيليكس رسالته تلك وذلك في تقرير نشر على موقع ويكليكس.

رغم أن وزارة الداخلية اشتغلت آنذاك على منع وصول الإسلاميين إلى عمادة المدن الكبرى بالمغرب، غير أنه في سنة 2015 استطاع البيجدي اكتساح معظم الدوائر الانتخابية في المدن الكبرى.

ورغم الضغوطات الخفية والظاهرة لأجهزة السلطة، فقد خرج البيجيدي منتصرا ولم ينتصر البام، ولم يكن أمام الملك محمد السادس سوى أن يعين بنكيران رئيسا للحكومة ومكلفا بتشكيلها، ليبقى بذلك العدالة والتنمية من بين الأحزاب الاسلامية التي وصلت الحكم بعد الربيع العربي مستمرا في موقعه، وكل ذلك قبل ظهور ورقة أخنوش.

توفيق بوعشرين، مدير جريدة “أخبار اليوم” بالدارالبيضاء، شرح في مقالة له، أنه تم المرور إلى الخطة (ب) بعد فشل الخطة (أ) مع حزب الأصالة والمعاصرة، والأن يتم تجريب الخطة (ب) مع أخنوش الذي شكل تحالفا لتقوية تفاوضه مع بنكيران ويظهر ذلك خلال مطالبه ليوم 8 يناير ومطالبته بإخراج حزب الاستقلال من الحكومة ويبدو أن بنكيران نجح في إفشال الخطة (ب) التي يتزعمها أخنوش فهل سيمر القصر إلى الخطة (ج).

ـــــــــ

ترجمة “العمق المغربي”