وجهة نظر

الأزمـة “البطوشية” الكبـرى

لازالت أزمة “بن بطوش” أو “غالي” ترخي بكل ضلالها على العلاقات المغربيـة الإسبانيـة وسط أجواء من الترقب والانتظار، حول  وضعه القانوني داخل التراب الإسباني ومدى جدية القضاء الإسباني في تحمل مسؤولياته القانونية  تجاه المعني بالأمر، ومدى قدرة الحكومة الإسبانية على الخروج من نفق  هذا المسلسل “الهتشكوكي” البطوشي بأقل الأضرار والخسائر الممكنة حفظا لماء الوجه، بعد التورط في  مؤامرة  تقاطعت فيها كل مشاهد التهور والغباء وسوء التقدير وانعدام الضمير والأخلاق، في ظل تـداول أخبار حول إمكانية تدبير مؤامرة  ثانية، تستهدف تهريب المغضوب عليه “بن بطوش” قبل حلول موعد مثوله المرتقب أمام القضاء الإسباني، وفي هذا الصدد، فإمكانية التهريب تبقى واردة بقـوة لاعتبارات عدة منها :

– أن من تورط في جريمة إدخال المعني بالأمر إلى التراب الإسباني باستعمال جواز سفر مزور وهوية كاذبة، سواء من جهة “آل بطوش” أو من جهة الحكومة الإسبانية، له من القدرة ما يجعله، ينفذ جريمة أخرى، يهرب بموجبها “بن بطوش” من إسبانيا ويعاد إلى الدولة الحاضنة /آل بطوش.

– كون الضغط المفروض على حكومة مدريد وخاصة  على القضاء من قبل الدبلوماسية المغربية والمجتمع السياسي والمدني وبعض الإعلام المهني والأخلاقي الإسباني، يشكل حرجا كبيرا لمدريد، ونكسة مدوية للعصابة الإجرامية التي أخرجت هذه الفضيحة الإجرامية المدوية، مما يقوي فرضية التهريب.

– أن إخضاع “بن بطوش” لسلطة القضاء وما يرتبط بها من تحقيق واستنطاق، سيكون ليس فقط، هزيمة مدلة لآل بطوش، بل  ومناسبة للكشف عن ظروف وملابسات هذه اللعبة الخبيثة والأطراف المتورطين فيها والدافع أو الدوافع الحقيرة التي حركتها، وهـذا إن تم على أرض الواقع، سيكون  نهاية  دراماتيكية لزعيم الانفصال، وضربة موجعة تحت الحزام للدبلوماسية  المغربية لأعداء وخصوم الوطن  من دعاة الوهم والتفرقة والانفصال، بل وبداية نهاية “وهم البوليساريو”.

– أن القضاء الإسباني واعتبارا لخطـورة الجرائم التي يتابع بها “بن بطوش”، كان يفترض أن يتحرك في اتجاه سحب جواز المعني بالأمر أو تشديد المراقبة عليه من قبل الشرطة أو الاتجاه إلى استعمال سوار إلكتروني يضبط تحركاته،  أو إغلاق الحدود في وجهه، لكن لم يتم اللجوء إلى تطبيق أي إجراء من هذه الإجراءات القانونيـة، وهذه المعاملة الخاصة تبقى “غير بريئـة”، وقد تفتــح شهيـة التهريب.

في جميع الحالات، فالدبلوماسية المغربية تتابع الوضع بما يلزم من اليقظة والمسؤولية والحـزم، وعيونها مركزة على “بن بطــوش” وعلى أي تحرك إجرامي من شأنه  تنفيذ مؤامرة التهريب من التراب الإسباني، في ظل رؤية متعددة الزوايا، لم تسلم منها “حكومة مدريد” التي باتت موضوعة تحت المجهر لرصد نواياها الحقيقية بخصوص طريقة تدبيــر هذه “الأزمة البطوشية الكبرى” على بعد أيام من مثول “بن بطوش” أمام القضاء الإسباني، ونرى أن الأيام المقبلة ستمر “جحيما” على حكومة مدريد وخاصة على من تـــورط فيها، في المؤامرة البطوشية الخبيثة إلى جانب كبرانات “آل بطــوش”، وفي ظل هذا الوضع المقلق، تبقى العلاقات الدبلوماسية المغربية الإسبانية، مرشحة إلى المزيد من التصعيد والتوتر والقطيعة، ما لم يتم إخضاع “بن بطوش” إلى سلطة القضاء وتفعيل المتابعة في حقه، اعتبارا لخطورة وجسامة الأفعال الإجرامية المنسوبـة إليه، وإذا وجهنا البوصلة نحو “فرضية التهريب”، فهذا معناه أننا أمام دول تتعامل بعقلية العصابات الإجرامية وبأسلوب قطاع الطـرق، لا بشخصية الدول المسؤولة والرصينة والمتبصرة.

ونختم بالقول، أن هذه “الأزمة البطوشية الكبـرى”، أسقطت الأقنعة، بكشفها لنوايا الجارة الشمالية، وتكريسها للعداء الخالد لآل بطـوش في الشرق، وإسقاطها لأطروحة الوهم والانفصال، من منطلق أن الدولة التي تتورط في مؤامرة إجرامية بكل المقاييـس، لا يمكن للمنتظم الدولي الوثـوق في خطابها المفلـس، ولا يمكن إلا التعامل معها بما يلزم من الحيطـة والحذر والاحتراز، أزمة كبـرى لم تسقط الأقنعة أو تكشف النوايا فحسب، بل أبانت بما لا يدع مجالا للشك، أن الرهان على “جبهة الوهم” ومن يتحكم في أزرارها، لـن يكون إلا رهانا على “العصابات الإجرامية” و”قطاع الطرق”، بكل ما لذلك من تداعيات مباشرة على الأمن والاستقرار، وإذا كان جيران السوء أساسا، حاولوا ممارسة طقـوس السحر، فنرى أن “السحر انقلب بغباء على الساحر”، لأننا بتنـا أكثر قوة وصمـودا وجرأة وحزما وعنادا وإزعاجا، أما السحرة والكهنة الذي دبروا “مؤامرة بن بطوش”، فقد انكشفت عورتهم أمام أوربا والعالم، وباتـوا أكثر بؤسـا وعزلـة وتواضعا وانحطاطا ووقاحـة.

وإذا كان المغرب قد بادر مبكرا إلى تقديم مقتـرح الحكم الذاتي كحل واقعي ذي مصداقية لطي هذا النزاع المفتعل بشكل لا رجعة فيـه، فنرى وهذا تصـور خاص، أن هذا المقترح بات من الصعب الرهان عليـه، لأن من يمارس أساليب العصابات ويتورط في الجرائم وفي سفك الدماء ويزور الوثائـق ويتمادى في إشهـار السلاح في وجه الوطن، لا يمكن أبـدا الوثــوق به، ليبقـى الرهان الحقيقي والواقعي، هو رهان المغرب على صحرائه وتعزيـز وحدته الترابية وتوسيع دائرة شركائه وحلفائه الاستراتيجييـن، والانخراط الناجع في قضايا التنمية والتعاون المشترك والسلام والوحدة والمصالح والمكاسب المتبـادلة وفق قاعدة “رابح .. رابح”، على أن تبقى أبواب الوطن مفتوحة في وجه المغرر بهم من المغاربة المحتجزين، وفي وجه من “نعل الشيطان” وطرح السـلاح، وأقبل على الوطن بنية صادقة وصفاء ونقاء، وعمومـا فالوطن لن يكــون إلا غفورا ورحيمـا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *