مجتمع

مندوبية قدماء المقاومين .. مستقبل مجهول لمؤسسة تتخبط في الاختلالات وسوء التسيير

تعيش المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير على وقع وضع ضبابي مبهم وغير واضح. فالمؤسسة التي تأسست خلال سبعينيات القرن الماضي لغرض العناية بالمقاومين وأعضاء جيش التحرير، أصبحت تعيش وضعا معقدا سمته البارزة أن المؤسسة أصبحت بلا أفق وبدون هدف واضح من استمرار وجودها، وأصبحت المهام التي تأسست من أجلها لم تعد قائمة في ظل وفاة الغالبية العظمي من المقاومين ولم يعد على قيد الحياة سوى بضع مئات حول المغرب كله، وهوما يعني أن تخصيص مؤسسة تكلف أموال دافعي الضرائب ملايين الدراهم سنويا هو أمر يجب إعادة النظر فيه، خاصة مع توالي الفضائح والاختلالات المالية والتدبيرية والتي كشف عن بعضها التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات.

كما أنه في ظل إدارة مندوبها السامي المصطفى الكثيري والذي عمر لأزيد من عشرين سنة، أصبحت معه المؤسسة تعيش وضعا مزريا وعلاقة متشنجة مع كبار المسؤولين والأطر في المؤسسة والذين سئموا ما يصفونها بـ “المعاملة الاستعبادية والتسلطية” للمسؤول الأول عن المؤسسة، مع الإشارة إلى أن الأخير الذي يعيش وضعا صحيا مرتبطا بعوامل تقدم السن وعدم التوازن في اتخاذ القرارات وإدارة المؤسسة يجعله غير مؤهل للاستمرار في هذا المنصب خاصة مع تقدمه الكبير في السن.

اختلالات مالية وسوء تدبير

كانت تقارير المجلس الأعلى للحسابات حول المندوبية السامية للمقاومة بمثابة قنبلة حقيقية بالنظر لحجم الاختلالات والتجاوزات الكبيرة التي تعرفها هذه المؤسسة، إذ أن إبراز أمثلة قليلة مما تم الكشف عنه في التقرير يوضح مدى الفساد المالي الذي تعيش على وقعه المؤسسة، وهنا نذكر مثلا قضية الـ 60 مليون سنتيم مقابل مستحقات خدمة الصور الفوتوغرافية والتسجيل بالفيديو على القرص المدمج خلال مؤتمر نظمته المندوبية، وكراء معدات بأضعاف ثمن شراءها ثلاث مرات، وأداء فاتورة خدمة الويفي داخل فندق لضيوف المؤسسة بقيمة تقارب الستة مليون سنتيم (وهو أمر غريب في ظل كون الخدمة تدخل ضمن الخدمات الأساسية المجانية)، هذا إلى جانب خروقات أخرى جمة كشف عنها التقرير كأداء خدمة التأمين عن الأموات، والنفخ في الفاتورات وغيره…

هذا دون الحديث عن تلك الخروقات التي لم يكشف عنها المجلس في تقريره أو لم ينتبه لها كصفقات كراء مربعات أسواق الجملة، وصفقات تجهيز المتاحف، وصفقات النشر، وصفقات تدبير العديد من المشاريع التابعة لمؤسسة المخصصة لفئة محظية ومنتقاة بشكل تشوبه الكثير من الشبهات، حيث إن الأشخاص مستغلي مربعات الجملة مثلا هي نفسها ولم يتم منح الفرصة لفئات أخرى وذلك في خرق واضح للقانون…، إلا أن ذلك كله ظل دون ربطٍ للمسؤولية بالمحاسبة حيث لم تتحرك أي جهة لحد الآن من أجل إحالة المندوب السامي ومن معه على النيابة العامة رغم كل تلك التجاوزات والاختلالات.

تمطيط عمل المؤسسة

بحسب مصادر تحدثت إليها جريدة “العمق”، فإن المندوب السامي للمقاومة عمل على تمطيط عمل المؤسسة والإبقاء على استمراريته على رأسها مهما كلف الثمن، فبالنظر إلى كون المقاومين لم يتبق منهم إلا عدد قليل جدا، فلم يجد المندوب من حل سوى إنشاء ما يسميه بمشروع المتاحف الخاصة بالمقاومين، وهو مشروع كلف الملايير من الدراهم في مرافق لا تتوفر فيها أدنى الشروط لتكون فضاءات لاستقبال الزيارات، حيث إن معظمها إما مغلق في ظل انعدام الزيارات وضعفها، أو أنها تعاني من نقص في التجهيزات واتساخ المرافق الدائم في ظل عدم توفر معظمها على خدمة النظافة، وعدم وجود ما يستحق الزيارة من الأساس، ذلك أن ما تحتويه من أدوات وصور معظمها لا علاقة لها بالمقاومة بل تم شراؤها من البازارات أو تم التبرع بها من أشخاص لا علاقة لهم بالمقاومة ولا علاقة لتلك الأدوات بالمقاومين.

أما ما يسمى بالأنشطة من لقاءات وعروض وندوات سواء الحضورية أو الافتراضية التي تقام في بعضها، فوراءها معاناة ومآسي وتعسّف وشطط كبير ضد الأطر، والتي يفرض عليهم بشكل قسري القيام بها حتى مع انعدام أدنى الإمكانات والوسائل للعمل، بل إن معظم الأطر مجبرة على دفع فواتير من مالها الخاص فقط اتقاء لشطط المندوب واتقاء لشره، وفق مصادر من داخل المندوبية تحدثت إليها جريد “العمق”، مبرزة أن المندوب لا يتوانى في التهديد بعصى التنقيل التعسفي أو العقاب الإداري ضد من يمتنع أولا يجاريه في هذا الأمر. أما “الطامة والمصيبة الكبرى والتي يجب الوقوف عليها فهي أن هذه المتاحف هي متاحف غير قانونية من الأساس ولا يوجد أي سند قانوني لها في القانون المؤسس للمندوبية أصلا”، وفق تعبير مسؤول تحدثت إليه الجريدة.

تبديد المال العام

كثيرا ما يتحدث المندوب السامي عن ما يسميه إنجازات المؤسسة (اللقاءات والأنشطة، الإصدارات والمنشورات، إنشاء متاحف الذاكرة الوطنية وغيرها…)، وهذه كلها منجزات مزعومة أو خارج القانون، فمشروع الاهتمام بالتاريخ الوطني والأرشيف فتوجد مؤسسات وطنية قائمة بذاتها كفل لها القانون القيام بالمهمة (أرشيف المغرب، المعهد الملكي لتاريخ المغرب…) ولم يكن دخول المندوبية على الخط ضروريا خاصة وأن ذلك يكلف خزينة الدولة ملايين الدراهم دون عائد يذكر.

وحتى إذا ما كانت هناك ضرورة، فليس لدرجة عقد صفقات بملايين الدراهم لنشر كتب لا تتوفر في الكثير منها ضوابط النشر العلمية وتوضع فقط في رفوف تلك المتاحف التي لا يزورها إلا قليل ولا يطلع عليها أحد إلا نادرا. أما التنقلات واللقاءات التواصلية فوحدها تتطلب فتح تحقيق مستقل، وذلك بالنظر لحجم التعويضات من مصاريف الإيواء في الفنادق والمطاعم الباذخة، في جولات ولائميه تستغرق نصف أيّام السنة تقريبا، عدا الجولات خارج التراب الوطني، وهي كلها أمور تستوجب فتح تحقيق معمق بشأنها لأنها ستكشف عن ملايين الدراهم تقدم تعويضات لمسؤولين كبار بالمؤسسة دون وجه حق.

وتؤكد المصادر التي تحدثت إليها جريدة “العمق”، أن التعويضات المالية التي تصرفها المؤسسة فيما يخص السفريات والإيواء في أفخم الفنادق والمطاعم، خلال جولات المندوب ومرافقيه داخل وخارج المغرب، تعد من أكثر المصاريف التي تنفقها إدارة مغربية.

هل يتم البحث عن بديل للكثيري؟

بدأت تروج خلال الآونة الأخيرة داخل الأوساط المقربة من مركز القرار وداخل المؤسسة نفسها العديد من الأسماء كبديل لمصطفى الكثيري لعل أبرزها هو اسم عبد الكريم الزرقطوني نجل المقاوم المعروف محمد الزرقطوني ليحل مكان المندوب السامي للمقاومة المصطفى الكثيري، خاصة وأن المتتبع للإعلام الرسمي سيجد تواجدا غير عادي لنجل الزرقطوني على الإعلام العمومي في الآونة الأخيرة للترويج لإنجازات المؤسسة التي يترأسها بالدار البيضاء والتي تعنى بشؤون المقاومين.

وما يزكي هذا الطرح هو كون المؤسسة التي يشرف عليها الأول أي مؤسسة محمد الزرقطوني للدراسات والأبحاث هي من أصبحت تقوم بمهام مندوبي المقاومة على المستوى الوطني خاصة في الشق المتعلق بالتواصل مع قدماء المقاومين والاهتمام بشؤونهم والقيام بأنشطة لفائدتهم والاستماع لهمومهم ومشاكلهم الاجتماعية، في حين أن مندوبي المقاومة يتعاطون بشكل سلبي مع مشاكل المقاومين وأسرهم والتنصل منها بدعوى انحسار العمل الاجتماعي الذي في الأصل هو جوهر وجود هذه الإدارة، بل أصبحت مهام المندوبيات تقتصر فقط على المراقبة الخاصة بالمعاش على هزالته، بينما يتم التركيز على تنظيم أنشطة افتراضية بمواقع التواصل الاجتماعي جيش لها أطر تكلف الدولة مبالغ طائلة من خزينة الدولة ولا يتجاوز عملها إلا خلق صفحات على الفايسبوك.

هل يتم حل المؤسسة؟

طرحت فكرة حل هذه المؤسسة أكثر من مرة مع مختلف الحكومات السابقة، وكان آخرها مع حكومة بنكيران حيث كان هناك مخطط لدمجها كمديرية بإدارة الدفاع الوطني، وإلحاق جزئها المتعلق بالمتاحف إما بالمؤسسة الوطنية للمتاحف، أو بوزارة الثقافة، لكن مع فشل تشكيل الحكومة تم وأد هذا المخطط أو ربما تأجيله، لكن ما يجعل هذا الوضع هو الأقرب للتحقق في المستقبل القريب هو انتفاء أسباب استمرارية المؤسسة من جهة، ثم المشاكل الداخلية مع الأطر التي معظمها سئم من الوضع وينتظر أقرب فرصة للاستقالة أو التقاعد في ظل عدم وجود أدنى شروط المهنية والاستمرار فيها.

وتساءل عدد ممن تحدثت إليهم الجريدة عن “إلى متى سيستمر هذا الوضع المزري التي تعيشه مندوبية المقاومة على أكثر من صعيد؟، وإلى متى سيظل مسلسل تبذير المال العام في مؤسسة لم يعد هناك داعي لوجودها؟، وإلى متى سيستمر نزيف تحقير الأطر وعدم استغلالهم في مهام يمكن أن تكون ذات مردودية أكبر للوطن بدل تخصيص مناصبهم في مهام غير ذات جدوى؟”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *