وجهة نظر

ليس بمنع النقاب يمكن أن نحارب التطرف والإرهاب

يبدو أن الشعب المغربي صار يعيش في الفترات الاخيرة على وقع الحملات المتتالية التي تعمد السلطات العمومية إلى إطلاقها في شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والأمنية. ولئن كانت أغلب تلك الحملات قد لاقت استحسانا إن لم نقل إجماعاً وتأييداً من قبل المجتمع المغربي بمختلف فئاته العمرية وأطيافه المجتمعية خاصة، تلك المرتبطة بالجانب الأمني من قبيل محاربة جميع عناصر التطرف والإرهاب وكذا الجريمة بمختلف أشكالها( زيرو كريساج ) ،أو تلك المرتبطة بالجانب آلبيئي (زيرو ميكا ). وقد كانت تلك الحملات جميعها تجد ما يبررها بسبب حاجة الدولة والمجتمع إليها للحفاظ على الأمن بمفهومه الواسع.

غير أنه لا يمكن فهم الحملة الأخيرة على اللباس المغربي التقليدي ،المكون من عنصري الجلباب والنقاب ،التي تريد السلطة العمومية الشروع في تنفيذها ضد كل من ينتجه أو يبيعه في الاسواق المغربية. خاصة وأن ذلك يرى البعض يدخل في إطار التضييق على نصف المجتمع ،النساء ،في حرية اختيارهم لما يلبسونه خاصة وأن الشرع والدستور يحفظان على الناس حريتهم ولا يفرقان في ذلك بين ذكر أو أنثى.

الجميع يعلم النموذج ” الطالباني ” المتشدد ،نسبة إلى طالبان أفغانستان ، في الحكم والسياسة الذي عابه الناس شرقا وغربا. حيث صار الناس هناك في ضيق وشدة لا يقرهما عقل ولا نقل. لانه نموذج في الحكم توخى أصحابه الدخول في أدق تفاصيل حياة الفرد والمجتمع والعمل على توجيهها وفق نموذج معين. فهل تطمح السلطات العمومية إلى السير على ذلك المنوال من خلال فرضها على نساء المغرب ما يجوز لهن لبسه وما لا يجوز؟

في الواقع إذا أرادت السلطات العمومية السير على ذلك المنوال فعليها أن تعرف أنها تدخل في مواجهة مفتوحة مع تقاليد وأعراف المغاربة الضاربة في عمق تاريخ تواجد الاسلام في هذا البلد الأمين. فكتب الفقه وكتب التفسير التي ألفها علماء وفقهاء المالكية ،قديما وحديثا ،كلها بينت وحددت ما يجوز للمرأة ستره وما يجوز لها كشفه من جسدها وذلك بحسب الحالات التي تكون عليها،في بيتها وفي خارج بيتها. مع محارمها أو مع الأجانب وذلك بناء على نصوص القرآن والسنة الصحيحة.

وعليه فإن التساؤل المطروح هنا هو: هل ستستطيع السلطات العمومية وفي مقدمتها وزارة الداخلية أن تقوم بحذف التراث الفقهي المالكي الموجود في مختلف المؤلفات التي لا تزال تدرس في كليات الشريعة والدراسات الإسلامية بالمغرب حتى لا يقع المغاربة في تناقض بين ما يدروسنه وبين ما يطبقونه؟

من جهة أخرى فإن قرار وزارة الداخلية بمنع إنتاج وتسويق النقاب والذي يمكن أن يتطور إلى التضييق على كل من تلبسه من النساء المغربيات لا يمكن أن يجد اي مبرر له كما قلنا سابقا لا من الشرع ولا من العقل .كما أنه ببساطة يخالف الدستور والقانون، و يمكن أن يسقط عند أي دعوى قضائية يرفعها أي متضرر لدى الجهات القضائية المختصة.

كما لا يمكن الاحتجاج بالمبررات الأمنية لدعم قرار وزارة الداخلية. لان الواقع أثبت أن العمليات الإرهابية يخطط لها وينفذها أشخاص لايبدو على مظاهرهم أي علامات التدين. لان التطرف والإرهاب يضرب تفكير المتورطين فيه وعقولهم قبل أن يضرب مظاهرهم وهندامهم .ومواجهتهما يستوجب علينا جميعا ،دولة ومجتمعا مواجهتهما بنفس السلاح ،وهو مخاطبة عقول الناس وتحصينهم ضد خطاب التطرف والإرهاب .

لهذا فإنه يمكن القول أنه يجب أن يكون لنا في التوجيهات الملكية التي تستند عليها المقاربة التي تبنتها السلطات المغربية منذ مدة في مواجهة الإرهابيين والمتطرفين خير مثال . وحسبما يعلم الجميع لم يكن من ضمن تلك التوجيهات الملكية السامية التعرض لما اختارته بعض نساء المغرب أن يرتدينه من زي ومن ضمنها لبس النقاب !