المغرب العميق، مجتمع

عادات وتقاليد ضاربة في القدم .. هكذا يحتفل أهالي طاطا بـ”العيد الكبير”

مريم واكريم – صحفية متدربة

“عيد الأضحى” أو “العيد الكبير” كما يحلو للمغاربة تسميته، ليس مجرد مناسبة دينية، بل هو فرصة للتعريف بعادات وتقاليد مناطق عدة في المغرب، فمع اقتراب المناسبة، تجري الاستعدادات على قدم وساق لاستقباله في أبهى الحلل.

ويعد “عيد الأضحى” مناسبة تحظى بالكثير من الاهتمام من طرف ساكنة إقليم طاطا كما في باقي أقاليم المملكة، ففي هذه المناسبة يحرص أهالي طاطا على الاحتفال بها بالطريقة التي يستحقها، فهم لا يعتبرونها مناسبة عادية بل إنها مناسبة مقدسة، فالأمهات لا تكتمل فرحتهن إلا بقدوم فلذات أكبادهن من مدن لطالما جعلتهم أسيرين لديها مدة عام أو مايزيد، بحثا عن لقمة العيش الحلال.

ولأن لكل مناسبة طقوس فإن طقوس العيد لدى أهالي طاطا تبتدئ قبل حلول يوم العيد بداية من اشتراء الأضحية، فالأضحية من بين أهم الضروريات التي لأجلها قد يضحي ربُّ البيت من أجل ٱقتناءها لأبنائه ولو كلفه ذلك الاقتراض أو بيع أثَات المنزل لتوفير ثمنها.

فقبل العيد بأيام تعج الأسواق الأسبوعية بمختلف السلالات من الأغنام، حيث يعمل الفلاحون والكسابون على عرض أجود الأضاحي والتي يختلف ثمنها من سلاسة إلى أخرى، وغير الأضاحي تكون مواد أخرى معروضة في السوق كالسكاكين الحادة، والفحم والشوايات وعلف الأضاحي والتوابل والحلوى وغيرها من اللوازم التي لايمكن الإستغناء عنها خلال يوم العيد.

عند حلول يوم عيد الأضحى يحرص الجميع على الاستيقاظ باكرا قبل طلوع الشمس للقيام بجميع أعمالهم، يرتدي الرجال اللباس التقليدي “الجلباب” وينتعلون معه “البلغة” وهناك من يفضل أن يرتدي “الطربوش” أيضا، ويجتمعون في المصلى من أجل الصلاة، أما عن لباس النساء فيختلف من منطقة إلى أخرى فمناطق طاطا معروفة بارتداء النساء “الصاية” و”أدغار” بينما هناك نساء يرتدين “الملاحف” أو “تملحافت” كما تسمى في مناطق أخرى.

بعد الصلاة مباشرة تُجمع الصدقات من الرجال والنساء، تعطى للفقيه الذي يؤُمُّ المصلين، بعدها يتجه الرجال من المصلى إلى المسجد_ وهن ينشدن أمداحا دينية يصل صداها إلى السماء_ من أجل أكل ما تفَنَّنت فيه أيادي النساء من كسكس وطاجين وغيرها من الأكلات الأخرى التي تعرف بها منطقة طاطا، يتم كذلك إعطاء الحلوى للأطفال الصغار الذين يرتدون أبهى ملابس العيد والتي عادة ماتكون هدية من آبائهم أو إخوانهم القادمين من إحدى المدن الكبرى.

بعد الصلاة يعود الناس إلى بيوتهم، ويشرعون في ذبح الأضحية، حيث يقوم الكبير من أفراد العائلة بالذبح، غالبًا مايكون هذا الشخص الجد أو الأب، من ثم يتعاون الإثنان على الأضحية من أجل الافراغ من المهمة بسرعة. تُستخرج “الرئتين” و”الدوارة” و”القلب” و”الطِّحال” من أحشاء الأضحية يتم تقديمها للنساء من أجل تنظيفها، وعادة ماتكون أعمال العيد شاقة فالنساء لا يفرغن من أعمالهن حتى يوشك اذان العصر أن يرفع.

بعد كل ذلك، يجتمع أفراد العائلة مجددا من أجل تذوق الأضحية، حيث يقومون بإعداد وجبة “الكباب” أو “بولفاف”، يتم أكلها مع كؤوس شاي لذيذة، وفوق المائدة تحضر أطباق أخرى مع مختلف أنواع الحلويات. قبل غروب الشمس تتزين النساء بأجود الألبسة وتتعطرن بأطيب العطور، تضعن الكحل وما وُجِد لديهن من زينة وتخرجن لصلة الرحم، وعادة ماتتَّجهن صوب بيوت كبار السن الذين لم يعد باستطاعتهن الخروج.

في وقت العشاء تعرف قبائل “طاطا” بطهي “التقلية”، أما في اليوم الموالي يتم طهي رأس الأضحية كما تخصص كمية من الأضحية لصنع “القديد” وهو اللحم الذي تطليه النساء بالكثير من الملح والتوابل ويتم تجفيفه تحت أشعة الشمس، يتم طهيه فيما بعد مع الكسكس، أو الفاصوليا.

غير كل ماذُكِر، فإن منطقة طاطا لم تغب فيها أجواء التجمع، حيث تجتمع العائلات في منزل واحد بطريقة التناوب، كل عائلة تقوم بإعداد الأطباق الشهية فتؤكل على مائدة واحدة، والأحلى من ذلك أن الأحاديث تحيى مجددا ويتم الدعاء والترحم على الأموات من العائلة.

إن العيد أيضا يشكل نقطة تجمع الناس من جميع أنحاء المدن الكبرى وعادة ما يتم ترك الأعراس والمناسبات وحفلات التخرج إلى فترة العيد، حيث يحضر الجميع ويكون حينها الوقت الأنسب للقيام بعدة مناسبات خاصة الأعراس التي تقام في ثلاثة أيام، حيث تكون الليلة الأولى “ليلة حناء العروس” ففيه تحضر الفتيات لوحدهن رفقة العروس التي تضع الحناء، في اليوم الموالي يتم إحضار الهدية من قبل أهل العريس وفي اليوم الثالث يتم زف العروس إلى بيت أهلها هناك يتم القيام برقصة “بأحواش”، ويسهر الجميع حتى توشك الشمس على الغروب بالإضافة إلى “الزغاريث” و”تيزرارين” وهي فن أمازيغي ليس كل شخص قادر على إلقائه فهو صعب ويستدعي التمرن عليه.

هي إذن عادات وتقاليد تحاكي هوية أكثر من 18 ألف نسمة، فمهما ابتعدت الأهالي عن مناطقها إلا أن العادات تضل هي نفسها ولاتتغير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *