منتدى العمق، وجهة نظر

الوحدة كل شيء.. والهدف لا شيء.. ؟

” إن تضاد الأفكار المختلفة و الصراع بينهما في صفوف الحزب ينشأ على الدوام، و هو انعكاس داخل الحزب للتناقضات بين الطبقات و التناقضات بين القديم و الجديد في المجتمع، ولاشك أن حياة الحزب ستتوقف إذا خلا من التناقضات و من الصراع الأيديلوجي من أجل حل هذه التناقضات”

شكلت وحدة اليسار إحدى الموضوعات و الإشكالات الأساسية التي ظلت مطروحة على طول الخط التاريخي السياسي للمشهد المغربي، و يعتبر هذا النقاش مركزا للتقاطبات السياسية، على امتداد تلك السيرورة إلى حدود الآن، ظلت مهمة توحيد اليسار من المهام البارزة مع اختلاف و تنوع التجارب و السياق الزمني لكل مرحلة من المراحل، و إذا كان طرحها و تجسيدها مرتبطا بمضمون هذا الخط السياسي أو ذاك، فإن توحيد اليسار ظل مرتبطا بالعديد من الإشكالات الفكرية و السياسية و التنظيمية، و التي تعكس مضمون الإجابات التي تقدم من كل طرف.

ليس في نيتنا الآن تقديم تقييم “للمسار اليساري الوحدوي”، ــ ولو أن المرحلة تستدعي تقييما نقديا يخلصنا من جميع أوراق الخريف التي ستسقط و سقطت سريعا قبل فصلها ــ بل ما يهمنا الآن إبراز عن أي وحدة يمكن الحديث عنها في ظل هذه الشروط..؟

إن عملية بناء الوحدة مثلها مثل كل عملية واقعية، هي محكومة بقوانين موضوعية، أن ندرك هذه القوانين و نجد الموضوعات المعبرة عنها، هي مهمة الإطار الفكري لهذه المسألة، إن مسألة بناء الوحدة هي صيرورة محكومة مثل كل صيرورة بقانون التناقض الذي شكل جوهر تطور الأشياء. إن لقانون التناقض طابعه الشمولي، نمو يحكم جميع الصيرورات طبيعية كانت أو اجتماعية أو صيرورة وعي. إن ذلك التناقض يمكن أن نعبر عنه بصراع الخطوط و تناقضها، إن تواجد الخط المناهض لمشروع الحزب و مصلحة الجماهير، أو ما يسمى بالخط البيروقراطي هو حقيقة موضوعية، فمن الخطأ الإعتقاد بالقضاء على هذا الخط داخل مجتمع طبقي يولده باستمرار، إن لهذا الخط أسسه المادية و الموضوعية أيضا.

إذا يجب بناء الوحدة انطلاقا من الشروط الموضوعية التي نناضل من داخلها و ليس التي نعمل من خارجها. وهذا سيحيلنا بشكل مباشر إلى ثلاث نقط عريضة كمدخل لفهمنا للوحدة، و هنا نتحدث بشكل مختصر عن المنطلقات الأيديلوجية و الفكرية للوحدة، الأهداف الآنية و الإستراتجية و أجرأتها عمليا، ثم خلق الأدوات التنظيمية القادرة على تصريف أهداف البرنامج. وهذا لن يكون بطبيعة الحال خارج وحدة قواعد الحزب ووحدة الجماهير، وهذه مسألة غاية في الأهمية لأنها تقينا من السقوط مجددا في العمل الفوقي و تبعية القطيع، فالحزب قوي بقوة الجماهير و ضعيف بضعف القادة وهذا ما لايريد بعض الرؤوس الكلاسكية المتنقلة استيعابه أو بالأحرى هم غير قادرين عليه.. . وإذا كانت أي وحدة مبنية على التركيز في النقط المشتركة ونبذ نقط الإختلاف وتسريع ما لا يتحرك ، فقد أثبتت هذه العملية فشلها الدريع.

لينين يعلمنا أن الوحدة مؤقتة نسبية في حين الصراع مطلق. إنه الدرس الذي يجب أن يشكل لنا نحن جميعا المركز الأساسي لكل تحركاتنا بدون استثناء، وفي نفس الوقت فالحزب كما أثبتت التجربة التاريخية ليس مهمة سهلة المنال، بل هو نضال شاق وطويل وعسير، وهنا لا بد الإشارة على أن مهمة تصليب الحزب ليست بلحظة تأسيسية و إعلانية، بل هي صيرورة تاريخية طويلة تتقطابها العديدة من التناقضات الموضوعية و الذاتية، كما أن الحزب ليس مسألة تنظيمية صرفة وليس مسألة تقنية بل هو مسألة فكرية سياسية. إن ذلك يجعل من البناء الفكري والنظري مهمة أساسية لا يمكن الحياد عنها في أي مرحلة من مراحل تطور بناء الحزب و هو ما نعبر عنه بالوضوح الفكري أولا و إنضاج الشروط ثانيا.

فالتنظيم ليس إطارا و هيكلة لتجميع ما يمكن تجميعه في أفق التجميع الشامل، إن حدة التفسخ النظري و السياسي السائد و الكلي للثقافة التنظيمية لرفاقنا القدماء جعل من هذا الخط =بناء الوحدة= أمرا في غاية الصعوبة و التعقيد. فبامتلاك الرؤية الفكرية و السياسية الواضحة للمسألة ، نكون قد قطعنا شوطا كبيرا في التقدم نحو الهدف. فمن الخطئ القاتل أن ننظر إلى المسألة من جانبها الكمي. ولا غرابة أن نجد الرفاق الذين يطرحون مسألة بناء الوحدة عن طريق البحث عن النقط المشتركة بين المناضلين و الفرق السياسية، يقدمون إجابات و هياكل تنظيمية لتجميع يعكس حدة هذا التفسخ، فالمسألة التنظيمية هي مسألة فكرية و سياسية، وليست كتحويل ملفات الطلبة من شعبة إلى شعبة أخرى.

إن البناء الأيديلوجي و النظري هو مسألة في غاية الأهمية، نعني امتلاك تصور واضح حول العالم من وجهة نظر خط الحزب ( فالعلم بدوره لايعرف الثبات و انتقل بسرعة أسرع نحو أرقى مراحل تطور الرأسمالية خصوصا على مستوى التطور التقني و الرقمي، هذا ما سيترتب عنه بشكل ميكانيكي تركيبات اجتماعية وطبقات أخرى، منها الجديدة ومنها القديمة بشكل مشوه… ). و بذلك نخالف أيضا الرأي الداعي إلى حفظ المقولات و الموضوعات و اجترارها و إسقاطها بشكل كاريكاتوري. إن الماركسية هي مرشد عمل و علم، و يجب أن نتعاطى معها كعلم. وهنا نستحضر مقولة العظيم لينين الثقيلة الوزن عندما قال “إننا لا نعتبر نظرية ماركس كشيء كامل و مقدس، بل على العكس نحن مقتنعون أن ماركس قد وضع فقط أحجار الزاوية للعلم الذي على الإشتراكيين أن يطوروه في كل الإتجاهات حتى لا يتأخروا عن تطور الحياة”.

وفي الأخير يمكن أن نقول، لا يمكن أن يكون أي اندماج خارج وحدة الحزب، مع إيجاد الأدوات التنظيمية الضرورية لتصريف هذا الخط و تطويره باستمرار. و الحزب نعني به هنا الخط الفكري و السياسي، وكما أكدته معظم تجارب اليسار العالمية و تجاربنا الوطنية.. لا يمكن للوحدة أن تتم في السلم بل في خضم الصراع، وعبر الصراع ضد العدو الطبقي وضد كل الإنحرافات الفكرية و السياسية التي تظهر في صفوف اليساريين. وكل تلك الإنحرافات قد شكلت من وجهة نظرنا انعكاسا للتناقضات الطبقية، وعوامل أخرى خارج الإطار المتصارع من أجله، فستبقى مهمة النضال ضد هذه التأثيرات و هذه الإنحرافات مهمة مركزية في صيرورة تصليب الحزب الإشتراكي الموحد.

*نائب الكاتبة الوطنية لحركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *