وجهة نظر

حصان ساجد وحمامة أخنوش والتحكم

في ظل البلوكاج الذي يعرقل تشكيل الحكومة التي ينتظرها المغاربة بفارغ، والذي يمارسه شخص لم يكن يوما ما زعيما سياسيا ، بل لم يكن عضوا في أي حزب ، بعدما قدم استقالته من حزب الأحرار سنة2011 ليتقلد حقيبة يريدها النظام أن تكون سيادية لاتمام مخططه الأخضر، فاذا به يتزعم بين عشية وضحاها الحزب الذي غادره منذ خمس سنوات، في مسرحية عجز المحللون عن فهم أحداثها ولا من قام بإخراجها ذاك الاخراج السيء ، ولم يكتف بذلك بل طوع في سرعة البرق ثلاثة أحزاب وجعلها تأتمر بأوامره ولا تتكلم الا باسمه، ليساوم بها رئيس الحكومة في ثمن دخوله الى الحكومة من عدمه.

في ظل ذلك كله نتساءل عن الهدف الذي يسعى اليه من أوحوا لزعيم الأحرار بكل هذا البلوكاج الذي لم يعرفه تاريخ الحكومات في مغرب ما بعد الاستفلال؟

في البدء كان الفديك

عندما أحس النظام في أوائل الستينيات من القرن الماضي أن هناك جبهة معارضة لتوجهاته ، او فقط خيل اليه ذلك، خصوصا بعد مقاطعة الاستفتاء على دستور 1962 والت يقادها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وساهم فيها الحزب الشيوعي المغربي والحزب الديمقراطي الدستوري، واستجابت لها فئات واسعة من الشعب المغربي خاصة في الحواضر، سارع الى تأسيس جبهة مضادة جمع اليها الأحزاب الموالية له وهي (الحركة الشعبية، الحزب الوطني الديمقراطي وحزبا لأحرار المستقلين)، اضافة الى مجموعة من الشخصيات غير المنتمية التي ترتبط مصالحها بمصالح النظام ، سماها أنذاك «جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية»، المعروفة اختصارا ب«الفديك» وتلقت أنذاك كافة أنواع الدعم السياسي والمالي والإعلامي والسلطوي ولم يكن قائد هذه الجبهة سوى مستشار الراحل الحسن الثاني السيد أحمد رضى كديرة الشيء الذي أهلها لتفوز بكل سهولة في انتخابات 17/05/1963 ب 69 مقعدا نيابيا ، وهي الجبهة التي لم يمض على تأسيسها سوى بضعة أشهر.

تناسل الأحزاب الادارية تباعا

لم يكن مصير الفديك الذي ولد مشوها الا الفشل، الشيء الذي حدا بمهندسي سياسة التوازن داخل المشهد الحزبي المغربي الى تأسيس حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي لم يكن سوى تجمعا لمجموعة من النواب المستقلين ذوي الحظوة و الجاه وصلوا الى قبة البرلمان في انتخابات 1977 فقام بجمعهم السيد أحمد عصمان الذي لم يكن سوى صهر الحسن الثاني .

نفس الشيء حصل مع حزب الاتحاد الدستوري الذي تأسس سنة 1983 في ظل ماشهده المغرب من احتقان اجتماعي ووضع اقتصادي صعب، وتوتر سياسي جراء التصعيد بين السلطة وأطياف من المعارضة ، في الوقت الذي يستعد فيه المغرب لتنظيم انتخابات1984 ، والتي حقق فيها نجاحا باهرا بدون منازع.

وكان من طبيعة السلطة القائمة و السياسة التي تتبعها مع الأحزاب السياسية أن تتركها تواجه مصيرها اذا لم تعد قادرة على تحقيق أهدافها لتبحث لها عن طريقة أخرى ، وهو السيناريو الذي كررته بعد تشريعيات 97.

عودة الفديك في حلة جديدة

في تشريعيات 1997 خرج أحد رجالات الداخلية وأكبرمهندسي الخرائط الانتخابية في مطبخ الداخلية ليترشح كمستقل في مسقط رأسه وبكل سهولة حصد كل مقاعدها الثلاثة ليبدأ مسلسلا آخر من الحطب و الجمع حتى اجتمع حوله في أقل من سنة أكثر من 45 نائبا برلمانيا صادرجلها من الأحزاب السابقة التي توصف بالادارية ، في الوقت الذي لم يعد بعد فيه الترحال السياسي ممنوعا، سرعان ما تحول الى حزب اتخذ اسم فريقه بمجلس النواب “حزب الأصالة و المعاصرة”.

ومنذ تأسيسه، قام بنهج نفس سياسة الفديك أي تأسيس تكتل داخل البرلمان وفي الساحة السياسية ، فبدأ بضم الأحزاب التي لاحول لها ولا قوة ك”الحزب الوطني الديمقراطي”، و”حزب العهد”، و”حزب البيئة والتنمية”، و”حزب رابطة الحريات”، و”حزبمبادرة المواطنة والتنمية”.

اضافة الى المساندة الغير مشروطة لحزب الأحرار. ولم يكن المنافس هذه المرة سوى حزب العدالة و التنمية الذي راوا أن أسهمه تشهد ارتفاعا مستمرا في كل موسم انتخابي ، فقاموا بنهج سياسة تحجيم دوره في الساحة السياسية ، بدءا بتكسير تحالفاته ابان الانتخابات الجماعية لسنة2009 مستعملين في ذلك كل وسائل الترغيب و الترهيب وصولا الى المتابعات القضائية لأعضائه “مثال جامع المعتصم” ، لولا ألطاف السماء التي أتت بالربيع العربي الذي أرغم بعض قاداته على الهروب خارج الوطن ، وما تبقى منهم الى تقليص دورهم.

بعد كل هذا المسار الطويل الذي عجز فيه التحكمعن تحجيم الأحزاب الوطنية و المستقلة في قراراتها وبعد الهزيمة النكراء التي مني بها في انتخابات2016 الأخيرة ، جاء الدور على شخصية أخرى تتميز بالهدوء وشيء من الجدية المزعومة لعلها تنجح فيما فشلت فيه الوسائل السابقة التي تم تجريبها .

ليبقى السؤال مطروحا ، من أين استمد أخنوش الذي يتميز بهدوئه كل هذه الشجاعة ليتزعم حزبا ويجمع حوله تكتلا من ثلاثة أحزاب في ظرف قياسي وهو الذي لم يكن يوما ما زعيما سياسيا ولا شارك في الانتخابات التي أفرزت أغلبية يعرقل لحد الساعة لحظة تشكيلها ؟

ربما نفس العفريت الذي حرك من سبقه ويحركه الآن لإجهاض حلم المغاربة في حكومة سياسية أفرزتها صناديق الاقتراع .