وجهة نظر

المغرب في حاجة إلى كل ابنائه اليوم قبل الأمس

تعيش بلادنا هذه الأيام ظروفا معقدة و صعبة، تقتضي من كل أبناء المغرب الأحرار، التماسك والالتفاف دفاعا عن وطنهم، والتصدي لكل الهجمات بمختلف أنواعها ومصادرها، التي يقودها أعدائه، ويجتهدون في فبركتها وصياغتها بالكذب والبهتان والتمويه، وتزوير الحقائق، فقط بغية النيل منه و فرملة عجلته نحو التطور والتقدم وتوطيد علاقاته المتنوعة مع إخوانه الافارقة والعرب بمنطق رابح رابح.

هذا التقدم الملحوظ لبلادنا أقلق البعض وأزعج آخرون وجعلهم يرتبكون ويفقدون البوصلة، ويضيعون الاتجاه، كما يقع لبعض الحشرات التي ليس لها في مفهوم الفضاء سوى بعد واحد وبفقدانه يفقدون وجهة الحركة ويصبحون يدورون في نفس المكان كما يقع لبغل السانية، الذي يظل يدور ويلف طول النهار حول نفسه، معتقدا أنه يسير كيلومترات نحو وجهة ما، هذا ما يقع اليوم للجارة الشرقية التي فقد عسكرها البوصلة، وعوض أن يدرك ذلك ويعود الى ثكناته، ويترك أمور تسيير الدولة إلى السياسيين، بفتح مجالات تدبير الشأن العام الى المدنيين السياسيين عبر أحزابهم السياسية، ومشاركة المجتمع المدني، وعوض هذا فإنهم يصرون على قيادة بلادهم بمنطق كابرانات العسكر، والسعي لجر البلاد الى الهاوية، والدفع بالشعب الجزائري الشقيق الى الفقر والمعاناة، فالمغرب يرى الفضاء بأربعة أبعاد وهوما مكنه مما هو عليه الأن.

يعلم الجميع أن النظام الدولي والصراعات الدولية مبنية على فكرة التجسس بمختلف مجالاتها، سواء على العنصر البشري، أو على التطورات المتقدمة التي وصلتها اليوم التكنولوجيا، وكل الدول لها أجهزة استخبارات حتى في قديم الزمن كان هذا الأمر قائما، وأجهزة التنصت ليست وليدة اليوم، منذ مدة وكل الدول تستعمل هذه الأجهزة والتي في أغلبها أصبحت اليوم مرتبطة بالأقمار الصناعية، تستعملها بشكل مستمر ومعلن وذلك لمحاربة الارهاب والتهريب والجريمة المنظمة،ففي وقت سابق طورت الولايات المتحدة الأمريكية قمرا صناعيا قادرا على التصنت على كل المكالمات الصوتية سواء المتنقلة عبر ذبذبات الراديو أو الهواتف الذكية والتقليدية، كما هناك تطبيقات تقوم بهذا العمل دون علم مالكي الهواتف، وسبق وتحدثنا عن هذه الأمور بتفصيل في مقالا سابقة، وكثيرة هي الدول التي تستعمل بيغاسوس، الذي أثيرت بشأنه الضجة الاعلامية اليوم، وتمت الاشارة الى العديد من الدول التي تمتلك هذا البرنامج الحاسوبي، ولكن لماذا تم التركيز على المغرب فقط، رغم أن السلطات المغربية أكدت عدم توفرها على هذا الحاسوب ولم يسبق لها شرائه من الشركة المصنعة؟ ومعلوم أن الدول اليوم تساعد بعضها البعض في مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة، والتهريب، والهجرة غير الشرعية، وكثير من الأمور التي تؤرق العالم، وللمغرب تجربة رائدة في هذا المجال.

ولفهم ما يجري ويدور لا بد من وضع الامور في سياقها، وهكذا يرى بعض المحللين المغاربة أن سياقات هذه الاتهامات المذكورة تجاه المغرب، متوقفة عند عاملين اثنين، يتمثل أولهما في التقارب الموجود بين المغرب وبين إسرائيل، ويتجلى الثاني في حديثه ( المغرب) عن حق “شعب القبايل” في تقرير مصيره أمام إصرار الجزائر على دعمها لمساعي جبهة “البوليساريو” الانفصالية.

و لاحظ الباحث ادريس الكنبوري أن صحيفة “لوموند ” الفرنسية خصصت غلاف أحد أعدادها الأخيرة وخمس صفحات داخلية كاملة للإتهامات الموجهة إلى المغرب بالتنصت على هواتف الرئيس الفرنسي ومسؤولين فرنسيين وجزائريين، وكتب في تدوينة له: “قريبًا ستبدأ حفلة الهجوم على المغرب، وستجد فرنسا وإسبانيا والجزائر فرصة للنيل منه، خصوصا وأن إسرائيل موجودة في الصورة. إنه اختبار جديد للدبلوماسية المغربية. يبدو أن المغرب أصبح بلدا يحسب له حسابه، مهما تكن التفاصيل، وصار جزءا من معادلة إقليمية ودولية أوسع.”

إن ما يزعج الأعداء اليوم، هو القوة الاستخباراتية العالية التي أصبح يتوفر عليها المغرب، والتي كشفت عملية بن بطوش ، وأمسكت بخيوط الأمن الداخلي لأوروبا وخصوصا ما يتعلق بالإرهاب،أما الأكاديمي محمد جبرون فأكد أن “التجسس تمارسه كل الدول دون استثناء والمغرب أحدها”، وقال “إنه من دواعي الفخر أن تكون لنا أجهزة أمنية قادرة على ممارسة مهامها باحترافية حماية للأمن الوطني داخليا وخارجيا.” والمزعج أيضا أن المغرب بدأ ينهج في سياسته نوعا من الاستقلالية تجاه الاستعمار التقليدي.” ويبدو أن المغرب مستعد لمواجهة هذا التحدي بشجاعة واحترافية وحنكة وثقة في النفس متميزة، كما المغاربة مستعدين ويقظين لمواجهة هذا التحدي.

وجاء في تدوينة الناقد عبد الإله الجوهري: “فرنسا ومخابراتها تتجسس على زعماء الدول الافريقية والعربية، وتتدخل في شؤونها الداخلية بشكل سافر، بل والقيام باغتيالات، والمساعدة على الانقلابات ضد الحكومات الشرعية. وعندما تمس مصالحها تتهم الآخرين بالتجسس والتدخل في شؤونها كأنها بلد مقدس. وتجيش أبواقها لترديد اسطوانات مشروخة عن القيم والأخلاق.”

هذه الاتهامات جاءت بعد أيام من إقرار الناطق الرسمي للبيت الأبيض أن لا تراجع عن اعتراف أمريكا بسيادة المغرب على صحرائه، كما جاءت هذه الاتهامات بعد إعلان زيارة وزير خارجية إسرائيل الى المغرب، وبعد قبول اسرائيل عضوا ملاحظا في الاتحاد الافريقي، كما جاءت هذه الاتهامات بعد تبني المغربي لمبدأ تقرير المصير لمنطقة القبايل، فرنسا عمدت مهاجمة المغرب بعد هذا التبني من طرف المغرب وهكذا أتثبت فرنسا دفاعها على ابنها بالتبني -الجزائر- حيث مصالحها.

من جهة أخرى ادعت الجهات التي تقف وراء هذه الاتهامات أن بيغاسوس تصنت على 50 الف رقم هاتفي عبر العالم،بينما أكد المدير التنفيذي للشركة المصنعة أن الحد الاقصى السنوي للهواتف الذي يمكن للحاسب أن يتصنت اليها هو 100، إذن من أين جاء هذا الرقم 50 الف؟ سيكون هذا صحيحا فقط في حالة إذا ما انطلق العمل بهذا الحاسب منذ 500 سنة، وهو أمر لا يقبله عقل، ثم أن تكلفة التصنت على الهواتف من خلال بيغاسوس عالية وليس من السهل تحملها.

و قال محمد الصحراوي في تدوينة له: “فرنسا التي أرادت أن تظل مستعمراتها السابقة تحت جناحها ويبقى المغرب ظلها، انفض من حولها، واتجه بسياسة تناسب مصالحه الاقتصادية والاستراتيجية بتنوع أصدقائه دون قيود، ويشتري أسلحة متطورة من كل باقة وردة، هذا ما أزعج فرنسا وهي ترى المغرب يقرر ويحلق عاليا دون الالتفات إلى الوراء.”

إن المغرب اليوم يخوض تحديا كبيرا بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ويسير بشعبه إلى مصاف الدول الرائدة، وإذا كان المغفور له محمد الخامس حقق الاستقلال التقليدي من الاستعمار الفرنسي والاسباني، والمرحوم الحسن الثاني استكمل تحرير الوطن باسترجاع الاقاليم الصحراوية وبناء مغرب المؤسسات، ها هو محمد السادس يسير بشعبه نحو الاستقلال الثاني عن فرنسا وغيرها، استقلال اقتصادي وثقافي ، وسياسي خارج التبعية،هذا هو جوهر القضية التي ازعجت الاعداء وأدخلتهم في نوبات هيستيرية.

وليعلم الجميع أن المغرب أصبح اليوم أقوى مما يظن البعض، لقد وقع للجارة الشرقية مع المغرب،ما وقع للعالم حين استفاق من غفلته على القوة التي أصبحت عند الصين، هذا البلد الذي كانت تنظر اليه امريكا وأوروبا مجرد بلد يصنع الدجين،حتى برز في وسبق الكل في مجال الصناعات الرقمية المستقبلية مثل الجيل الخامس للبيانات الخلوية ( 5G و 6G).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *