مجتمع

“وادي المخازن”.. ذكرى معركة أكسبت المغرب مجدا تليدا وزادت من هيبته أمام العالم

تحل اليوم الأربعاء الذكرى الـ443 لمعركة واد المخازن، المعركة التي غيرت مجرى التاريخ وأكسبت المغرب قوة وهيبة ومكانة دولية كبيرة ومجدا تليدا لا زال المغاربة يعتزون به إلى اليوم، بعدما حقق أجدادهم نصرا مذهلا على واحدة من أقوى دول العالم، متسببين في انهيار كلي لإمبراطورية أرعبت العالم، هي البرتغال.

معركة واد المخازن التي جرت أطوارها بضواحي مدينة القصر الكبير، وصفها المؤخرون بأنها كانت بمثابة معركة “بلاط الشهداء” في أوروبا، بالنظر إلى النتائج والتداعيات السياسية والتاريخية التي تركتها المعركة على خريطة العالم المعاصر في ذلك الوقت.

ففي يوم الاثنين 4 غشت عام 1578، دارت معركة حامية الوطيس بوادي المخازن في منطقة السواكن بضواحي القصر الكبير، بين جيشين عظيمين، يقودهما كل من ملك البرتغال سبستيان الذي حاول القيام بحملة صليبية للسيطرة على جميع شواطئ المغرب، والثاني بقيادة السلطان المغربي السعدي أبو مروان عبد الملك.

وحقق المغاربة في هذه المعركة التي تسمى أيضا “معركة الملوك الثلاثة” بسبب وفاة 3 ملوك فيها، نصرا مذهلا أمام جيش كان يرعب كل بلاد العالم حينها، حيث تمكن جيش السلطان السعدي من الفتك بشكل شبه كلي بالبرتغاليين وقتلوا ملكهم وجيشهم ورجال دولتهم، لدرجة أنه لم يبق من العائلة المالكة إلا شخص واحد.

ذكاء المغاربة كان لافتا في المعركة، حيث باغتوا جيش العود من الخلف بقيادة السلطان أحمد المنصور الذهبي، شقيق السلطان عبد المالك السعدي، وحطموا جسر النهر لمنع تراجع القوات الغازية نحو ميناء العرائش، قبل أن يلحقوا خسارة جسيمة بالبرتغاليين.

وكان الجيش البرتغالي يتكون حينها من حوالي 28 ألف مقاتل بقيادة الملك سبستيان، تتضمن متطوعين من قشتالة وإيطاليا ومرتزقة من فلاندرز وألمانيا وحلفاء مغاربة يتراوح عددهم ما بين 3000 و6000 مقاتل، كما توفر الجيش على 40 مدفعا.

بالمقابل، بلغ عدد أفراد الجيش المغربي حوالي 40 ألف مقاتل بقيادة السلطان أبو مروان عبد الملك، بعد مبايعته بفاس، بالإضافة إلى دعم عثماني شمل مقاتلين جزائريين، إلى جانب 34 مدافع مغربية كبيرة.

وتشير المصادر التاريخية إلى أن 12 ألف جندي من الجيش البرتغالي قُتلوا في المعركة، إلى جانب أسر أزيد من 16 ألف منهم، مقابل استشهاد 1500 جندي مغربي فقط، حيث كان لافتا الدعم القوي الذي قدمه العثمانيون للمغاربة من خلال فرق عسكرية جاءت من الجزائر وتونس.

وتميزت المعركة بمقتل ملك البرتغال، ووفاة السلطان السعدي عبد المالك أبو مروان بعد اشتداد المرض عليه أثناء قيادته لجيشه، إلى جانب غرق السلطان المغربي المخلوع محمد المتوكل الذي تعاون مع الملك البرتغالي من أجل الإطاحة بعمه عبد المالك من الحكم، لذلك سُميت بـ”معركة الملوك الثلاثة”.

وأخفى السلطان أحمد المنصور الذهبي نبأ وفاته شقيقه السلطان عبد المالك، لتفادي ارتباك الجيش المغربي، وواصل قيادة المعركة حتى حقق الانتصار.

ويرجع سبب المعركة أساسا إلى النزاع على السلطة بين السلطان محمد المتوكل وعمه السلطان أبو مروان عبد الملك، حيث استعان المتوكل بملك البرتغال سبستيان من أجل الإطاحة بعمه المدعوم من قبل العثمانيين، غير أن محمد المتوكل حاول الفرار خلال المعركة، فوقع غريقا في وادي المخازن ووجدت جثته طافية في النهاية.

ومن نتائج المعركة، انهيار البرتغال سياسيا وعسكريا واقتصاديا بعد موت الملك سبستيان وجل النبلاء البرتغاليين ورجال الدولة، وهو ما جعل إسبانيا تستغل الوضع وتفرض احتلالها على البرتغال سنة 1580، فيما ورث أحمد المنصور العرش السعدي في فاس بعد وفاة شقيقه عبد المالك في المعركة.

وفي المغرب والعالم الإسلامي، شبَّه المؤرخون معركة وادي المخازن بـ”غزوة بدر”، باعتبارها وقعت في ظروف إقليمية ودولية تميزت بهجمات القوى الاستعمارية الأوروبية وتنامي الأطماع الأجنبية والرغبة في التحكم في المغرب، إلا أن انتصار المغاربة جعل القوى الاستعمارية الدولية تضرب للمغرب ألف حساب.

وبعد أيام من المعركة، خصص يهود المغرب يوم عيد منذ ذلك الحين احتفالا بانهزام البرتغاليين، يسمونه “بوريم سيباستيانو” لأنهم يشبهونه بـ”عيد بوريم” الذي يحتفلون فيه بمعجزة إلهية أنقذهتم من مذبحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *