وجهة نظر

وتحققت النبوءة في حزب العدالة والتنمية (4/5)

المفكر المغربي نورالدين زاوش يكشف أسرار رفض حزب العدالة للقاسم الانتخابي

جاء في فصل “الشرع والقانون” من كتاب “الجالية اليسارية المقيمة بحزب العدالة والتنمية” الصفحة 110-111، والذي نشرته قبل أربع سنوات من اعتلاء “الإسلاميين” سدة الحكومة، وقبل حتى أن يخطر ببال أحد أنهم سيتزعمونها في يوم من الأيام:

” أعتقد أن أحباءنا والمتعاطفين معنا يتمنون لو أننا نحكم هذه البلاد؛ ولكن أعداءنا وأعداء الدين يتمنون ذلك أكثر منا. أعلم أن هذا لن يصدقه أبناء “المشروع الإسلامي” لأنهم يسعون إلى الحكم بكل الوسائل؛ ولأنهم يجهلون أن أعداءنا الذين يكنون لنا كل الحقد والكراهية، يعلمون أن نهايتنا في وصولنا إلى الحكم، مثلما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: “إذا تم الشيء نقص”.

حينما نصل إلى الحكم ستنكشف للناس عوراتنا أكثر فأكثر، وسنبدو لهم من غير ألوان وأصباغ، فتظهر لهم حقيقتنا المروِّعة والمفزعة والمخيفة. أكيد أننا لن ننجح في الحكم، فمن تبغضه زوجته وأبناؤه لا يمكن للشعب أن يحبه، ومن كان منبوذا في حيه وفي عمله ووسطه يستحيل أن يكون مقبولا في الأماكن التي تقرر للبلاد والعباد.

في الوقت الذي لا نفهم فيه السنة جيدا، ولا نتشرب معناها، ولا نستفيد من السيرة النبوية العطرة ولا نستحضرها في كل صغيرة وكبيرة، وجب أن نمتنع عن الحكم حتى ولو قُدِّم لنا على طبق من ذهب، فكثيرا ما يتقن السم الاختباء في العسل.

إن قيادة الدولة ليس أمرا هينا، وحتى لو كان هينا فنحن لسنا مؤهلين لذلك، وما فشلُنا في إدارة هيأة دعوية محدودة، وحزب إسلامي فيه كثير من الخلل، إلا دليل صارخ على ضعفنا وقلة حيلتنا، لكن الإعلام كثيرا ما يصنع من الأحمق منقذا للأبطال.

ليست لدينا أطر اقتصادية، ولا نتوفر على مؤسسات ثقافية واجتماعية، ونفتقر إلى مخططات واضحة وناجعة، كل ما نجيده هو الردود الفاتنة في برامج الحوار في التلفزة. إن الدخول إلى الحكومة كبيرة من الكبائر يوشك “الإسلاميون” أن يقعوا فيها، لأن دخولهم إليها شهادة منهم بأنهم قادرين على الحكم، وهذه شهادة زور وبهتان.

أنصح “الإخوان” أن يتمرسوا في مجال تدبير الشأن العام، وأن يؤصّلوا بالكتاب والسنة والعقل أعمالهم وتوجهاتهم، وأن يُثبتوا للعالم في هذه المجالس التي يسيرونها بأنهم أكفاء ونزهاء وشرفاء، آنذاك فقط يمكنهم أن يتحدثوا عن الحكومة وتسيير الدولة، وليس قبل ذلك؛ فمن تعجل الفعل غير المحسوب، تعجل الوقوع في الخطأ، والسياسة كالرصاصة إذا أطلقت لا ترجع أبدا.

أعلم أنه حينما كنتَ صبيا رأت أمك في المنام بأنك ستصير وزيرا في يوم من الأيام، فإذا كانت رؤية والدتك رؤية صالحة، فلن يحرمك من الوزارة كونك تتعفف عنها وتتمهل في طلبها، ولو كانت رؤيتها من الشيطان، فلن توصلك العجلة والحرص إلى مرادك.

أنت ابن الإسلام، يجري في دمائك كتاب الله، وينبض قلبك بالسنة النبوية، ويمتلأ عقلك بالسيرة العطرة، ومهما كان رائعا وجميلا وعظيما أن تصير وزيرا، فرِضى الله تعالى عنك وأنت مدرس أو نجار أو إسكافي أروع وأجمل وأعظم.” انتهى

هذا فيض من غيض مما جاء في كتاب “الجالية اليسارية”، وللقارئ الكريم واسع النظر.

وتحققت النبوءة في حزب العدالة والتنمية (5)

جاء في الصفحة 111 من كتاب “الجالية اليسارية المقيمة بحزب العدالة والتنمية” الذي نشرته قبل أن تستشعر مؤخرات “الإسلاميين” دفء كراسي الحكومة، فتعمل ما بوسعها على أن تلتصق بها إلى الأبد: “حينما نصل إلى الحكم سيسقط القناع، وستتلاشى الشعارات البراقة، وسيتعارك في قرارة نفوس وزرائنا الأخيار حب الله مع الرغبة الجامحة في السلطة؛ وحتى لو انتصر حب الله والرسول، فبلدنا لا يستقيل فيه الوزراء”.

بوصول “الإسلاميين” لسدة الحكومة، بدأت ملامح سلوكيات جديدة تلوح في الأفق، وصارت تأخذ حيزا معتبرا من الفعل السياسي مما لم يكن مألوفا أو متعارفا عليه أنذاك، ومن بين هذه السلوكيان بزوغ أسطوانة تهديد الوزراء بالاستقالة التي بدأها وزراء العدالة والتنمية؛ وسرعان ما انتقل عدواها للآخرين حتى أصبحت موضا سياسية يتغنى بها الجميع، ومن بين من أشهر هذه الورقة اللعينة الرفيق نبيل بن عبد الله قدَّس الله سره.

إلا أن هذا التهديد بالاستقالة من الحكومة، مع مرور الأيام وتراكم المواقف والأحداث، فقدَ الكثير من بريقه وتوهجه، ولم يعد يُؤْخذ مأخذ الجد؛ بل عاد مجرد هرطقة سياسية غير مفهومة، ومجرد مناورة بذيئة تهدف لدغدغة العواطف لا غير، وانقلب بذلك في نهاية المطاف إلى مادة دسمة للسخرية والتهكم على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى صفحات الجرائد والمجلات.

فالسيد مصطفى الرميد على سبيل المثال فقط، فقد هدد أكثر من خمس مرات بتقديم استقالته: مرة في حالة عدم تمرير تعديلات القانون الجنائي بمجلس النواب، وثانية في أحد اجتماعات الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، بعد تعرضه رفقة باقي الوزراء إلى حملة “التخوين” من طرف أتباع بنكيران، وثالثة إذا لم ترفع أجور القضاة، ورابعة إذا تم تمديد لبنكيران ولاية ثالثة على رأس الحزب، وخامسة إذا تم تفويت قانون تقنين القنب الهندي واللائحة تطول..

لم يكن الرميد البطل الوحيد في هذا المسلسل البغيض، بل انخرط فيه كل من عبد العزيز رباح ولحسن الداودي وغيرهم؛ أما كبيرهم الذي علمهم السحر، فقد صار في فترة مفاوضاته الشاقة على تشكيل النسخة الثانية من الحكومة يهدد باستقالته بالليل والنهار؛ إلى أن سمع بخبر إقالته من التلفاز مثله مثل جميع المغاربة. هكذا صدق كتاب “الجالية اليسارية” فيهم ظنه؛ وهكذا سقط عنهم القناع، وبدت شعاراتهم البراقة كخيط دخان؛ ورغم عشرات التهديدات بالاستقالة لم يستقيل من الوزراء أحد.

* عضو الأمانة العامة لحزب النهضة والفضيلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *