سياسة

مسار مشوق لمنتخب محلي .. العلاقة مع أحرضان والخطيب (الحلقة الثانية)

يسر جريدة “العمق المغربي” أن تقدم لقرائها الكرام مقتطفات من كتاب “مسار منتخب. لقطات من ذاكرة آيت سغروشن” لمؤلفه الأستاذ بناصر أحوجيل. وهو كتاب غني بالمعلومات والتفاصيل عن سلسلة طويلة من الانتخابات المحلية التي خاضها الكاتب باسم عدد من الأحزاب منذ 1976.

هذه اليوميات المفصلة والمعززة بعشرات الأسماء والصور تعتبر شهادة فريدة من نوعها للتاريخ وللباحثين. يحكي الكتاب سيرة بناصر أحوجيل كمنتخب جماعي اشتغل في السياسة بدون انقطاع طيلة 45 سنة كرئيس جماعة في قرية صغيرة بالأطلس المتوسط هي ” آيت السبع” قبل أن ينطلق إلى السياسة على الصعيد الوطني، وهو ما جعله يتعرف على عدة شخصيات مثل: المحجوبي أحرضان، عبد الكريم الخطيب، عبد الله القادري، إدريس البصري… وغيرهم.

الحلقة الثانية: العلاقة مع المحجوبي أحرضان ومع عبد الكريم الخطيب.

(…) نزولا عند رغبة بعض الفاعلين الجمعويين، قررت تسليط الضوء على مسيرتي السياسية سواء على الصعيد الوطني بصفة عامة، أو بقبيلة آيت سغروشن والقبائل المجاورة بصفة خاصة، كفاعل سياسي وكشاهد على العصر حتى يستفيد المهتمون وعموم الناس من تجربتي المتواضعة. وسأحاول تلبية هذه الرغبة دون الخوض في كثير من التفاصيل والجزئيات التي سأحتفظ بها إلى حين كتابة مذكراتي.

(…) تحاط جماعة آيت السبع – لجروف مباشرة بثلاثة جماعات مجاورة من إقليم صفرو وهي : الجماعة القروية لكندر – سيدي خيار والجماعة القروية لعين الشكاك والجماعة الحضرية الشقيقة لإيموزار كندر. كما تحيط بها جماعتان قرويتان تابعتان لإقليم إفران بنفس الجهة وهما : الجماعة القروية الشقيقة لضاية عوا والجماعة القروية لتيزكيت. وتقدر المساحة الإجمالية لجماعة آيت السبع – لجروف بحوالي 430 كلم مربع. ويصل عدد سكانها إلى 17466 حسب إحصائيات2014 . يشتغل أغلب سكان الجماعة بالفلاحة وخاصة منها الأشجار المثمرة كالتفاح والإجاص والخوخ والكرز، وبالقليل من زراعة الخضر كالبطاطس والجزر والبصل والفول وغيرها. أما تربية المواشي فأصبحت تنقرض شيئا فشيئا بسبب تقلص مساحات الرعي التي أصبحت الضيعات الفلاحية تحتل مكانها. كما تزخر الجماعة بطبيعتها الخلابة بفضل غاباتها وجبالها ومياهها العذبة ومناخها المعتدل.

(…) لن أتناول الحديث عن جماعة آيت السبع ما قبل سنة 1976 ، لأن دورها في ذلك الإبان كان محدودا أو شبه منعدم حيث كانت، ككل الجماعات المحلية بالمغرب، تحت الوصاية المركزة لوزارة الداخلية، إذ كانت مجرد مؤسسة شكلية وكان انتخاب الأعضاء فيها شبه تعيين من طرف السلطات المعنية. كان أول رئيس لجماعة آيت السبع منذ بداية الستينيات إلى حدود 1976 هو المرحوم الحاج سعيد أمزيان. هذا الرجل الذكي والمحنك استطاع بفضل حكمته المشهودة، وفطنته المعهودة أن يقود القبيلة بصبر وثبات ويحقق التوازن ما بين دفاعه الشرس عن آيت سغروشن وتعامله بالليونة مع السلطات المحلية والإقليمية. وكان يتقن فن ربط العلاقات بسهولة ناذرة مع بعض الشخصيات النافذة في الدولة بفضل فصاحته وكرم ضيافته مما سهل عليه المأمورية داخل القبيلة وساعده على الوصول إلى قبة البرلمان عام 1970 .

(…) في الحقيقة، لم يخطر ببالي، في أوائل السبعينيات من القرن الماضي أنني سأصبح ذات يوم منتخبا فما بالك رئيس جماعة، وبالذات جماعة آيت السبع، لأنني كنت حينها لا أزال في ريعان الشباب، أي بعمر لم يتجاوز 20 ربيعا، وكان ذلك سنة 1970 . ولما أصبحت رئيسا سنة 1976 ، كان سني 29 عاما، حيث كنت قد التحقت بجامعة محمد الخامس بالرباط عام 1970 ، واشتغلت بنفس المدينة كأستاذ منذ 1975 ، حيث أقيم بصفة رسمية ودائمة إلى اليوم. فكانت اهتماماتي الأساسية آنذاك هو التميز في مهنتي كأستاذ ومتابعة الدراسة في كلية الحقوق بعاصمة المملكة. وبالموازاة مع ذلك كنت أقوم ببعض الأنشطة الثقافية كنظم الشعر باللغة الفرنسية وباللغة العامية )الزجل(، إلى جانب بعض المحاولات في تأليف المسرحيات، فضلا على نشاطي المكثف في العمل الجمعوي الذي هو امتداد لما كنت أقوم به منذ شبابي المبكر أيام دراستي بثانوية مولاي ادريس بفاس، حيث كنت أتطوع أثناء العطل المدرسية لإعطاء دروس في محو الأمية لشباب دوار آيت صالح، أذكر منهم بالخصوص : محمد سريجاوي، وسعيد اليوسفي، والحسين سهيبي…

(….)
فكانت هذه واحدة من الأسباب الأولى التي ساهمت حقيقة في توطيد علاقتي مع سكان هذا الدوار الذي هو مسقط رأسي، لأصبح ذات يوم ممثلهم في جماعة آيت السبع لمدة 45 سنة بدون انقطاع. كما أسست بالرباط، مع مجموعة من الطلبة والموظفين، جمعية الشبيبة الأمازيغية باسم : ” الجمعية الثقافية للشبيبة المغربية” التي كان لي شرف رئاستها والتي أصبحت سنة 1971 جمعية موازية للحركة الشعبية في عهد زعيمها آنذاك، المحجوبي أحرضان، والذي كلفني برئاسة الشبيبة الشعبية إلى غاية 1973 ، وبعدها تم انتخابي عضوا بالمجلس الوطني لنفس الحزب. فكان هذا بمثابة احتكاكي الأول والمباشر بالعمل السياسي والحزبي.

في تلك الحقبة التي كانت تجمعني بالزعيم المحجوبي أحرضان، توطدت علاقة المحبة والتقدير بيننا إلى درجة – وأقولها هنا للتاريخ – أنه جاء خصيصا من الرباط إلى صفرو عام 1971 لمشاركة أبي رحمه الله في خطبة زوجتي وأم أبنائي. في نفس الفترة، كانت تجمعني علاقة صداقة مع المرحوم الدكتور عبد الكريم الخطيب بواسطة صديق مشترك من إقليم تازة رحمه الله هو كذلك. وكان الخطيب حينذاك رئيس حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية وعضوا بارزا في المجلس الوطني للمقاومة وجيش التحرير. وهاتان العلاقتان الخاصتان والمتميزتان مع كل من سي أحرضان والدكتور الخطيب جعلتا مجموعة من وجهاء وأعيان آيت سغروشن آنذاك يقصدونني في الرباط للتوسط لبعضهم مع الخطيب من أجل تسوية ملفاتهم للحصول على بطاقة مقاوم لمن كان يستحقها، لهم أو لذويهم. وكنت أتوسط لبعضهم الآخر مع أحرضان لمساعدتهم في حل مشاكلهم أو مشاكل غيرهم في مختلف إدارات الدولة بالعاصمة؛ ثم قليل منهم كانوا يتصلون بي فقط من أجل استقطابي سياسيا لدعمهم في مواجهة رئيس الجماعة آنذاك الحاج سعيد أمزيان. هؤلاء الأعيان، لا زلت أتذكر البعض منهم أمثال الحسين ولحسن الصغير، وحمو نعلي والطالب، والحسين نعلي والطالب، وعلي ورحو الصالحي. وغيرهم كثيرون…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *