سياسة

مسار مشوق لمنتخب محلي .. اعتصام أمام مقر القيادة ولقاء البصري (الحلقة 4)

يسر جريدة “العمق المغربي” أن تقدم لقرائها الكرام مقتطفات من كتاب “مسار منتخب. لقطات من ذاكرة آيت سغروشن” لمؤلفه الأستاذ بناصر أحوجيل. وهو كتاب غني بالمعلومات والتفاصيل عن سلسلة طويلة من الانتخابات المحلية التي خاضها الكاتب باسم عدد من الأحزاب منذ 1976. هذه اليوميات المفصلة والمعززة بعشرات الأسماء والصور تعتبر شهادة فريدة من نوعها للتاريخ وللباحثين. خاض بناصر أحوجيل تجربة رئيس جماعة في قرية صغيرة بالأطلس المتوسط هي “آيت السبع” طيلة 45 سنة قبل أن ينطلق إلى السياسة على الصعيد الوطني، وهو ما جعله يتعرف على عدة شخصيات مثل: المحجوبي أحرضان، عبد الكريم الخطيب، عبد الله القادري، إدريس البصري… وغيرهم.

الحلقة 4: اعتصام أمام مقر القيادة ولقاء إدريس البصري

كدت أنسى الحديث عن حلقة من أهم حلقات هذه الملحمة الانتخابية التاريخية بجماعة آيت السبع سنة 1976 . . ثلاثة أيام قبل موعد انتخاب أعضاء المكتب، غادرنا عين تاوجضات حيث حللنا ضيوفا على المرحوم ادريس منتصر لمدة يومين وتوجهنا مباشرة إلى منزلي بالرباط، آخر محطة في رحلتنا خارج جماعة آيت السبع. وفور وصولنا، أخبرتني زوجتي بأن القائد اتصل بي هاتفيا ليبلغني أن انتخاب مكتب المجلس سيكون بعد يومين. لما تناولنا طعام العشاء، جلسنا للتقرير في اللائحة النهائية بأسماء الرئيس وأعضاء المكتب الذين سنرشحهم للمنافسة مع لائحة الحاج سعيد أمزيان. تناول الكلمة كبيرنا وساعدي الأيمن وقتذاك، الحاج الحسين الغفوض وقال: “سنحسم الليلة في منصب الرئيس، وغدا سنتوافق على باقي التشكيلة، وأقترح سي بناصر للرئاسة ” . ثم أقسم أنه لن يتولى أي منصب في المكتب.

رحب الإخوان كلهم بهذا المقترح باستثناء شخص واحد، لا أريد ذكر اسمه، احتراما له، فإنه عبر صراحة عن رفضه لهذا القرار، وطلب مني بدون خجل أن أتنازل له مقابل مبلغ مالي مهم، أو يتنازل لي هو بنفس العرض. فقلت له في الحين: “ليس لدي ما يباع أو يشترى في مثل هذه القضية، ونترك الأمر كله بيد المجموعة لتقرر ما تشاء “.

لقد افترض الجميع بأن صديقنا ربما قام بهذه التمثيلية لينسف اجتماعنا ويزرع البلبلة بيننا وتتفكك المجموعة؛ فطلب الإخوان منا نحن الإثنين أن نختلي بأنفسنا في بيت آخر ونتفاوض فيما بيننا على منصب الرئاسة لوحدنا. وأثناء غيابنا، حسموا في أمر اللائحة بصفة نهائية ثم نادوا علينا لنخبرهم بنتيجة مفاوضتنا. ولما أخبرناهم بأننا لم نتوصل إلى أي اتفاق، وقف الطالب حدو، وكأنه يعبر عن غضبه، وصرح بأنه سينسحب من المجموعة، ثم طلب مني أن أقله بسيارتي إلى منزل أحد أقاربه هناك في الرباط. وفي الطريق .

هنأني بالرئاسة ثم أخبرني بأنه هو النائب الأول وادريس كنو النائب الثاني وعبد القادر أعراب النائب الثالث، على أن يتم الحسم في بقية التشكيلة ليلة الانتخابات. في الليلة الموالية، كنا غادرنا الرباط وتعمدنا أن نصل في وقت متأخر إلى منزل الحاج الغفوض بعين الغرس تحسبا لأية مفاجأة، خاصة وقد بلغنا أن السلطة حركت أهالي كل من عبد القادر أعراب والطالب حدو ليطلقوا إشاعة مفادها أن المعنيين قد تعرضا لعملية اختطاف من طرف أحوجيل ومجموعته.

(….)
وحيث أنني كنت أتكهن بأن الخصوم، بدعم من السلطة، سوف ينزلون بكل ثقلهم وسوف يركزون بالخصوص على كل من عبد القادر أعراب والطالب حدو لثنيهم عن مواصلة المشوار معنا بواسطة أهاليهم. وقد يكون ذلك بمجرد وصولنا إلى مكان التصويت وترجلنا من السيارات. لكنني مع ذلك كنت أراهن على أن السلطة سوف لن تخاطر بنفسها أمام حشود كبيرة حضرت فيها مجموعتان متنافرتان، لتغامر بفرض الأمر الواقع علينا في نفس اليوم. فكان لدي شعور بأنهم سيعملون على ربح الوقت الكافي لإقناع المعنيين بالأمر بالتحاقهما عن طيب خاطر بالمجموعة الأخرى، وذلك بتأجيل الانتخابات إلى اليوم الموالي على الأقل.

وهذا التحليل دفعني أن أنصح الأخوين الطالب حدو وعبد القادر اعراب أن يتظاهرا بالندم أمام الخصوم وحتى أمام أهاليهم وذلك بالموافقة على الرجوع إلى خيامهم في حالة التأجيل، على أن يلتحقا بي سرا بعد منتصف الليل في منزل والدي بإيموزار في الليلة ما قبل يوم تشكيل المكتب. وبالفعل، كل ما فكرنا فيه وقع، حيث، مباشرة بعد وصولنا إلى باب القيادة )الباشوية حاليا(، انقض علينا أهالي عبد القادر والطالب حدو وانتزعوا منا هذين الأخيرين بقوة. ترجلنا من سياراتنا وافترشنا الأرض معلنين عن اعتصامنا أمام مقر القيادة تحت تصفيقات أنصارنا الذين كانوا على أهبة الهجوم على خصومنا إذا تطلب الأمر ذلك. فجاءنا رئيس الدائرة يستعطفنا لفك الاعتصام وموافقتنا على تأجيل الانتخابات ليومين إضافيين تجنبا لنشوب معركة بين سكان نفس القبيلة، وعاهدنا بأن السلطة لن تتدخل بعد في عملية الانتخابات.
(…)
في نفس الأسبوع تم تشكيل مكتب المجلس البلدي لإيموزار كندر والذي أسفر عن انتخاب المرحوم حدو شواد رئيسا، وأخيه ألمرحوم لحسن شعواض نائبا له. حدو شواد، كان أول مثقف من آيت سغروشن، تخرج من ثانوية طارق بن زياد بأزرو. اشتغل في بدايته كترجمان قبل الاستقلال، ليغير فيما بعد مساره المهني ويلتحق بالمديرية العامة للأمن الوطني ليصبح أحد أطرها العليا مباشرة بعد الاستقلال ثم مديرا مركزيا بنفس الإدارة ورئيس تحرير مجلة الشرطة. كان رجلا مثقفا ثقافة عالية بحيث حصل على دبلوم الدراسات العليا في القانون في ذلك العهد، وألف كتبا في هذا المجال أذكر منها على الخصوص كتابه المشهور باللغة الفرنسية: ” L’Organisation Judiciaire au Maroc ” أو “التنظيم القضائي بالمغرب ” . ولما تقاعد من الأمن الوطني، انتقل إلى الاشتغال بمهنة المحاماة بالرباط إلى آخر حياته رحمه الله. ولا زلت أتذكره رحمه الله لما كنا بمدينة الداخلة أثناء حفلة الولاء سنة 1979 ، وزارنا ذات صباح وزير الداخلية ادريس البصري في الخيمة التي كنا نقيم بها. وقف الجميع لتحيته، وأخذ يسلم علينا باليد واحدا تلو الآخر. ولما وصل عند عمي حدو، قبله على كتفه وقال له: “احتراماتي patron .”

صراحة، لم أستوعب تلك المعاملة. فطلبت منه أن يطلعني على السر وراء ذلك، ليجيبني بأنه كان رئيسا له عندما كان مسؤولا كبيرا بالأمن الوطني، وكان ينصحه ويساعده كثيرا. فقلت له: “يا ليتك كنت أنت وزير الداخلية يا عمي حدو…” نظر إلي بنظرة معبرة وقال: “لن نستطيع لا أنا ولا أنت أن نكون في مراتب عليا، لأننا نحن آيت سغروشن تلدنا أمهاتنا بعمود فقري من حديد لا يمكننا من الانحناء لرؤسائنا “.(يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *