سياسة

مسار مشوق لمنتخب محلي .. ضريبة على ضاية عوا وخلاف مع الوزير أحمد العلوي (الحلقة 6)

يسر جريدة “العمق المغربي” أن تقدم لقرائها الكرام مقتطفات من كتاب “مسار منتخب. لقطات من ذاكرة آيت سغروشن” لمؤلفه الأستاذ بناصر أحوجيل. وهو كتاب غني بالمعلومات والتفاصيل عن سلسلة طويلة من الانتخابات المحلية التي خاضها الكاتب باسم عدد من الأحزاب منذ 1976. هذه اليوميات المفصلة والمعززة بعشرات الأسماء والصور تعتبر شهادة فريدة من نوعها للتاريخ وللباحثين. خاض بناصر أحوجيل تجربة رئيس جماعة في قرية صغيرة بالأطلس المتوسط هي “آيت السبع” طيلة 45 سنة قبل أن ينطلق إلى السياسة على الصعيد الوطني، وهو ما جعله يتعرف على عدة شخصيات مثل: المحجوبي أحرضان، عبد الكريم الخطيب، عبد الله القادري، إدريس البصري… وغيرهم.

الحلقة الخامسة: ضريبة على ضاية عوا وخلاف مع الوزير أحمد العلوي

بعد هذه الأحداث كلها، أصبحت كطائر مكسور الأجنحة، خاصة عندما بدأت أفقد بعض العناصر التي أسست عليها بنيان مسيرتي السياسية بجماعة آيت السبع. وفي هذا الوقت كان عمي سعيد قد رجع بخطوة إلى الوراء استعدادا لكسب رهان استحقاقات 1983 ، والحسين الغفوض فقد انتقل إلى السرعة القصوى قبل أوانها بطريقة عشوائية وغير محسوبة العواقب. أما أنا فرجعت إلى خط الدفاع لمراقبة الأوضاع عن بعد في انتظار مرور السحابة ليظهر لي في الأفق الاتجاه الصحيح الذي يمكن أن أسير فيه. فكان علي أن أركز اهتماماتي بالخصوص على شؤون الجماعة وأن أستمر في تنفيذ برنامج التنمية الذي بدأت فيه. وتفاديا لضياع الوقت سارعت للبحث عن موارد جديدة أدعم بها ميزانية الجماعة. وهكذا قررت أن أفرض ضريبة على مسير مقهى ومطعم ضاية عوا الذي كان يستغل في نفس الوقت القوارب الدواسة (les pédalos) على مياه البحيرة. ولأول مرة أجد القائد مساندا لي في هذا القرار بسبب سوء تفاهم وقع بينه وبين المسير المذكور. عقدنا دورة استثنائية أدرجنا فيها النقطة المتعلقة بهذا الموضوع وتمت المصادقة عليها بالإجماع، حددنا من خلالها مبلغ الضريبة في أربعين ألف درهم.

في هذه الفترة كنت عضوا بالمجلس الإقليمي لفاس. وذات مرة، تم استدعاؤنا من طرف الرئيس مولاي أحمد العلوي رحمه الله، والذي كان في نفس الوقت برلمانيا ووزير الدولة. كان موضوع الاستدعاء هو استقبال الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه لأعضاء المجلس الإقليمي بالقصر الملكي بفاس. لقد تم التأكيد علينا في الاستدعاء أن نرتدي اللباس القومي ونحضر قبل الاستقبال إلى مقر العمالة لتذكيرنا بالإجراءات البروتوكولية الواجب التقيد بها في مثل هذه المناسبة. ولما كنا بقاعة الاجتماعات، حذرنا الرئيس مولاي أحمد العلوي رحمه الله بأن لا نطرح على الملك أسئلة مباشرة أثناء الاستقبال. فالملك هو الذي يسأل والرئيس وحده هو الذي ينوب عن الأعضاء في الإجابة على أسئلته. وطلب منا أن يقترح عليه كل عضو مشروعا يراه نافعا وضروريا للإقليم لتقديمه لجلالة الملك في حالة ما طلب منا ذلك. أخذ كل عضو يقترح مشروعه. وكانت جل المشاريع المقترحة لا تعدو أن تكون مشاريع ذات صبغة محلية. ولما جاء دوري، حاولت أن أتقدم بمشروع له أكثر من صبغة محلية، فأخذت في الحديث عن البحيرات المتواجدة على تراب جماعة آيت السبع مذكرا بأنها تفتقر إلى أبسط التجهيزات اللازمة لتلعب دورها السياحي والاقتصادي خدمة للجماعة وللإقليم وللوطن عامة. كان الرئيس منهمكا في الكتابة، فإذا به يرفع رأسه ويقول لي: “أنت فضولي.”

لم أفهم شيئا، وقاطعته :” لماذا أنا فضولي السيد الرئيس؟ أليس من حقي أن أقترح مشروعا مثلما فعل بقية الأعضاء؟” فقلب: “ولماذا فرضت ضريبة على مسيو بيكاري بضاية عوا؟ أنسيت أنه صديق الملك؟”. فأجبته: “على الرأس والعين صديق الملك، فإن كان هو صديق الملك فأنا ابن الملك وأنا أولى منه. ومن حقي أن أفرض على ذلك الفرنسي ضريبة مثل كل المغاربة “. لما سمع هذا الكلام، غضب مني فوقف وهم بالخروج. وقفت بدوري وقلت له: “إذا رفضت أن تقبل مني مقترحاتي السيد الرئيس، فلا بأس، فإنني سأقترحها بنفسي مباشرة على سيدنا عندما يشرفنا بالسلام عليه “.

فلما كنا بباب القصر الملكي، سمعت مولاي أحمد يسأل الأعضاء عني. جئت إليه وقلت له: “ها أنا هنا السيد الرئيس ” . فوضع يده على كتفي وقال: “إياك أن تذكر ما وقع بيننا لجلالة الملك، فأنا أعتذر لك، لا لأنني أخطأت في حقك، ولكن فقط لأنك لست منافقا وتعبر عن رأيك بشجاعة، وأحب الشجعان. ومنذ اليوم ستصبح صديقي. وما دمنا أصدقاء أطلب منك أن تقوم بمراجعة مبلغ الضريبة على مسيو بيكاري ” . فوعدته أن أقوم بالمتعين بعد استشارة أعضاء المجلس. ولما حكيت القصة للأعضاء، رحبوا بالفكرة وحددنا المبلغ الضريبي من جديد في عشرين ألف درهم عوض أربعين ألف، في إحدى دورات المجلس؛ لكن الجماعة لم تستفد منها قط، حيث أن البحيرة أصبحت في سنة 1980 ، أي بعد شهور فقط على مقرر المجلس، تابعة لجماعة ضاية عوا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *