وجهة نظر

الحملة الانتخابية.. الكابوس المزعج لعمال النظافة

لا يمكن المرور من شارع رئيسي أو من حي أو ساحة عمومية أو سوق أسبوعي، دون أن تلتقط العين، العشرات من الأوراق والمناشير الانتخابية المتناثرة هنا وهناك كحبات قمح، وكأن العبرة فيمن يتفوق على الآخر في انتهاك حرمة البيئة، عبر إثقال كاهلها بأوراق انتخابية لا تقدم ولا تؤخر، وهذه العادة الانتخابية القبيحة – التي تراجعت حدتها مقارنة مع المواسم السابقة، بفضل حزمة الشروط الوقائية والاحترازية التي وضعتها وزارة الداخلية -، تكرس عبثية الانتخابات كما تكرس ضعف مؤشرات المواطنة وما يرتبط بها من مسؤولية واحترام والتزام، لدى الكثير من المرشحين الذين يعول عليهم لتمثيل الساكنة والدفاع عن قضاياها وتطلعاتها وانتظاراتها، ومن ورائهم بعض المتهورين المشتغلين في الحملات الانتخابية مقابل أجر يومي، الذين لايجدون حرجا في التخلص مما بحوزتهم من أوراق انتخابية في الشوارع والطرقات والأحياء بدون حسيب أو رقيب، بعيدا كل البعد عن السلوكات المدنية، التي تعطي الانطباع أن الانتخابات هي فعلا فرصة للتغيير، وليس مناسبة لعودة حليمة إلى عادتها القديمة.

عبث انتخابي يتحمل وزره عمال نظافة بسطاء لاحول لهم ولا قوة، لا ينظرون إلى الحملة الانتخابية الجارية أطوارها، إلا ككابوس مزعج، يفرض المزيد من الجهد والعناء والمتاعب، من أجل تطهير الشوارع والأحياء والساحات العمومية من مخلفات و”فضلات” الانتخابات، وهؤلاء العمال يمنون النفس في أن يتم إسدال الستار عن الحملة الانتخابية، حتى يتخلصوا من ممارساتها العابثة، لذلك، يصعب إقناعهم بانتخابات لن تزحزح واقعهم المر، و بالتصويت على مرشحين، لم يقدموا لهم إلا المزيد من الإرهـاق والعناء طيلة أسبوعين كاملين، لذلك، فمن يعبث بالبيئة ويساهم بممارساته غير المسؤولة في تدهور المجال، ومن لم يستحضر أن هناك عمال نظافة بسطاء، يعانون الأمرين من أجل تنظيف شوارعنا وساحاتنا وأحيائنا في غياب أدنى شروط التحفيـز، فيصعب الرهان عليه في إحداث التغيير الذي تتجلى ملامحه ومعالمه الأولى في الحملة الانتخابية وممارساتها اليومية.

عمال النظافة شأنهم شأن حراس الأمن الخاص، يضطلعون بمهام متعددة الزوايا لايمكن أن ينكرها إلا منكر، تجدهم في الإدارات العمومية والمستشفيات والملاعب الرياضية والمدارس والجامعات والمؤسسات البنكية والشركات وأوراش البناء ومحطات القطار والموانئ والمطارات والمجمعات السكنية وغيرها، يتحملون مسؤوليات الأمن والنظافة وتقديم التوجيه والإرشاد، وهذه الفئة العاملة نقر أنها تشتغل في ظروف غير لائقة تقترب في حالات كثيرة من السخرة وما يرتبط بها من إهانات ومس بالكرامة، ونـرى أنها تغيب في برامج الأحزاب السياسية التي تتبارى استعدادا لاستحقاق ثامن شتنبر، على أمل أن يتم استحضار الدور المحوري لهذه الفئة النشيطة التي لا يمكن الاستغناء عن خدماتها، وأن تحضر الإرادة السياسية الحقيقية في الاعتناء بالقطاع الذي يشغل نسبة مهمة من اليد العاملة، وتقنينه والنهــوض بأوضاع شغيلته على المستويين المادي والاجتماعي، خاصة ونحن نعيش في سياق تنزيل ورش الحماية الاجتماعية.

ونختم بأن نوجه رسالة مفتوحة إلى كل المرشحين الذين يخوضون أطوار الحملة الانتخابية، في أن يحرصوا وفق الطرق الممكنة والوسائل المتاحة، على نظافة الشوارع والأحياء والساحات قبيل نهاية الحملة المرتقب أن يسدل الستار عنها ليلة الثلاثاء القــادم، تيسيرا على عمال النظافة الذين تحملوا أعباء وعبث الحملة الانتخابية طيلة أسبوعين..ولا يمكن أن نختم، دون تحية شغيلة النظافة والأمـن الخاص لما يقومون به من أدوار وما يضطلعون به من مسؤوليات في سبيـل ضمان “لقمة العيش”، وهــؤلاء يستحقون مؤسسات قويـة ذات مصداقية، ترافـع عن قضاياهم وتدافع عن حقوقهم المشروعة، بجرأة وأمانة ومسؤولية، مع ضرورة التذكير أن الأحزاب السياسية بمختلف انتماءاتها، مطالبة بالبحث عن صيغ ووسائل جديدة، للتواصـل مع الناخبين بمناسبة الحملات الانتخابية، قد تخفف من وطأة الأوراق والمناشير الانتخابية التي غالبا ما ينتهي بها المطـاف في البيئـة، مـع الرهان على تحسيس مناضليها بأهمية الحرص على البيئة ونظافتها في زمن الحملات الانتخابية، بل وأن تضــع القضية البيئيـة في صلب اهتماماتها وبرامجها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *