وجهة نظر

“نعلو الشيطان”

أمتار قليلة على خط نهاية الحملة الانتخابية، اتسعت بؤرة اللغط السياسي وارتفعت هلوسة العبث الانتخابي، بـبـروز أصوات قيادية حزبية، لم تجد حرجا ولاحياء في فرض الوصاية الانتخابية على المغاربة، وقد بلغت الجرأة درجة تحديد من يصلح لرئاسة الحكومة ومن لا يصلح، ومن هو ضعيف سياسيا ومن تتوفر فيه شروط التجربة والشطارة السياسية، ومن يشكل انتكاسة ديمقراطية وسياسية، ومن هو قادر على حماية الديمقراطية وخدمة المواطن، بل وأن يكون صمام أمان للدولة واستقرارها ونماءها وازدهارها، بين من هو عابث أو فاسد ويشكل مصدر قلق وخطر، وبين من هو صالح وزاهد وتقي، يمتلك مفاتيح الخيـر والتنمية والأمن والاستقرار والازدهار.

لن نعلق كثيرا على هذه التصريحات غير البريئة والمواقف الجاهزة المكشوفة، ويكفي قولا، أنها فاقدة للبوصلة وخارج التغطية، وحاملة لمفردات التحكم والإقصاء والحقد والخداع والنفاق والاستحمار، لأن المغاربة باتوا أذكياء جدا وأصبحوا على وعي وإدراك بقواعد اللعب السياسي وبالخطط التكتيكية لبعض الوجوه السياسية، وبالتالي، فلايمكن أن يقبلوا بأية وصاية حزبية أو سياسية من أي شخص أو حزب أو جهة، ولايمكن أن يقبلوا أن يسلب حقهم الدستوري في التصويت واختيار من يتلمسون فيه شروط الكفاءة والنزاهة والاستقامة ونكران الذات وخدمة الصالح العام.

فلسلفة الديمقراطية، تقتضي احترام السيادة الشعبية، كما تقتضي الاحتكام لصناديق الاقتراع التي وحدها دون غيرها، تحدد من يتحمل وزر رئاسة الحكومة، أما منطق “لاعب ولا محرمها” أو “حلال علي حرام عليهم”، فلا نرى فيه كمتتبعين للشأن السياسي الوطني، إلا أداة قدرة لاستحمار الشعب، وممارسة لعبة ابتزاز مكشوفة لم تعد تخفى أهدافها غير المسؤولة على أحـد، وحتى إذا تمردنا على قواعد الديمقراطية وسلطة السيادة الشعبية وقبلنا بما يشبه “النصيحة السياسية”، فهذه النصيحة لا تقبل ولن تقبل أبـدا ممن تذوق حلاوة السياسة ولازال يعيش آمنا ومطمئنا بين أحضانها الدافئة، كما لن تقبل ممن يمارس الابتزاز السياسي الناعم، خدمة لأغراض ومصالح سياسوية ضيقة لم تعد تخفى على أحـد.

الخطاب السياسي السائد، لم يعد يسـر الناظرين، لأن الشعب يحتاج إلى من يقدم له الحلول الممكنة لما يعيشه من مشكلات اقتصادية واجتماعية وصحية وسكنية وتربوية ورياضية وثقافية وغيرها، إلى من هو قادر على الانخراط في صلب ما تعرفه الدولة من رهانات كبرى تنموية وأمنية ودبلوماسية، لا من ينتج خطاب العبث والتواضع والانحطاط، أو ما يشبه بحديث النسوان في الحمام الذي لا يقدم ولايؤخر، إلا الصخب والضجيج واللغط والفوضى، نحتاج كمغاربة إلى قادة حزبيين حقيقيين، يعيدون الثقة في السياسة والانتخابات، ويذوبـون جليد النفـور والعزوف الانتخابي الذي لازال يكرس مؤسسات تمثيلية غير قويـة وفاقدة للمصداقية، قادة سياسيين مسؤولين، يطرحون أسئلة المناورة المجانية والحسابات والمصالح الشخصية، ويقطعون مع اللعب القدر، لما يتعلق الأمر باستحقاق انتخابي، لابد أن نتعبـأ جميعا لإنجاحه، لأن المنتصر الحقيقي لن يكون إلا الوطــن، كما أن خطاب العبث، لم يعد ممكنا القبـول به، استحضارا للموقع الجيواستراتيجي الذي بات عليه المغرب، بفضل ما أطلقه الملك محمد السادس منذ جلوسه على العرش، من دينامية إصلاحية ومن أوراش تنموية كبرى، تحول معها المغرب إلى قوة إقليمية مقلقة ومزعجة للخصوم، فغير مقبول، أن تنخرط الدولة في صلب رهانات وتحديات كبرى ذات صلة بالسيادة الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية والصحية، بينما نجد بعـض القادة السياسيين، يقصفون بعضهم البعض، دون أن يدركوا أن هناك أعداء خالدين متربصين بنا، ينتظـرون أخطاءنا وزلاتنا للركوب عليها، فاتقوا الله في الوطن معشر القادة الحزبيين و”نعلو الشيطان”.. خلصونا من جائحة عبثكم ، أو انسحبوا وتراجعوا في صمت.. يكفي ما نعانيه أمام جائحة كورونا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *