وجهة نظر

تمويل الوعود الإنتخابية: سؤال ضعف المداخيل وتحديات الغد

تعد مداخيل الدولة الأداة الأولى و الأساسية لمواجهة تحملاتها الكثيرة و التي تعرف تطورا كميا كل سنة. و للتذكير فإن نفقات الدولة انتقلت من 389 مليار درهم خلال سنة 2017 لتصل إلى حوالي 508 مليار درهم في 2020 و قد تعرف تناقصا طفيفا في نهاية 2021 بفعل تأثير أزمة كوفيد على النشاط الاقتصادي و على الموارد و النفقات العمومية.

و خلال نفس الفترة انتقلت الموارد من من 373 مليار درهم إلى 461 مليار درهم مع توقع تراجع عند متم السنة المالية 2021. ولعل الأمر الذي يبعث على التفكير هو سرعة تطور النفقات بالنسبة لتطور الموارد. و قد يظن الكثيرون أن الضرائب هي المصدر الكبير الذي يمكن من تمويل السير العادي للمرافق العامة و هذا خطأ. فبعد كل الجهود التي بذلت على مستوى الإدارتين العامتين للضرائب و للجمارك خلال السنين الأخيرة لم يصل مستوى تغطية الموارد الضريبية للنفقات إلا لمستوى يصل إلى حوالي 60%.

و تبين هذه المعطيات أن الإصلاح الضريبي ضروريا و أن ترشيد النفقات مهما و أن إصلاح منظومة تدبير الإقتصاد بعقلانية و في إطار شفاف و ديمقراطي شرط للخروج من المنطقة الرمادية إلى منطقة قد تبعث على الأمل في الوصول إلى إقتصاد صاعد ينتج الثروة و لا يحمي الريع و التهرب الضريبي و ثقافة إنتظار الأرزاق دون الأخذ بالأسباب.

ملف الموارد المالية يعتبر تحديا كبيرا لحكومة سيقودها عزيز أخنوش. و للعلم فقد التزمت الحكومة بتطبيق مخرجات و توصيات المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات مع التركيز على توسيع الوعاء الضريبي من خلال إعادة النظر في مساهمات المواطنين في ظل مقتضيات الدستور و إدماج الأنشطة الإقتصادية للقطاع غير المهيكل و إعلان حرب قانونية على التهرب الضريبي. و يمكن التنويه في هذا الإطار بالإنجازات غير المسبوقة للمدير العام السابق للضرائب الذي لم يتم تعويضه منذ حوالى سنة. هذه الإنجازات تكمن بالأساس في تمكين الإدارة من قاعدة معلومات تكشف بسرعة كبيرة عن حقيقة الأرباح و المداخيل لكل المواطنين.

و للتأكيد على الأهمية القصوى للضرائب المباشرة غير المباشرة و كافة مكونات مداخيل الدولة فلن يصل حجمها عند متم سنة 2021 إلى ما يزيد بقليل على 229 مليار درهم و هو ما لن يغطي إجمالي النفقات العمومية. فنفقات التسيير لوحدها تكاد تلتهم كل المداخيل الجارية حيث تصل إلى حوالي 225 مليار درهم. و من ضمن النفقات المخصصة للتسيير تشكل نفقات الموظفين العبىء الأكبر بحوالي 140 مليار درهم دون الأخذ بعين الاعتبار للمليارات المخصصة كتحويلات لرواتب أساتذة التعاقد على سبيل المثال. و تضاف إلى هذه التحملات ما يخصص لإرجاع أقساط و فوائد الديون الخارجية و الداخلية و التي تتجاوز 70 مليار درهم.

و لمواجهة متطلبات المرحلة المقبلة، سوف تجد الحكومة نفسها مجبرة على زيادة الموارد الضريبية لكي تتمكن من الوفاء بوعودها في مجال تدبير المرافق العامة و تنفيذ ميثاق الإستثمار و مشروع التغطية الإجتماعية و تحسين أداء البرامج القطاعية . و بالنظر إلى التطورات التي عرفها حجم النفقات العمومية خلال السنوات الأخيرة، سوف يصبح لزاما أن يؤدي النشاط الاقتصادي إلى أن يعرف تطور الإيرادات الضريبية مسارا تصاعديا يصل به إلى مستوى يتجاوز 400 مليار درهم سنويا مع مساهمة أكبر فاعلية للمقاولات و المؤسسات العمومية. و بدون الوصول إلى هذا المستوى سيظل نمو الناتج المحلي الإجمالي ضعيفا و غير ضامن للتنمية كما سيظل اللجوء إلى المديونية قدرا محتوما. الأمر يحتاج إلى إنجازات إقتصادية في كل القطاعات و إلى تغييرات جذرية في مجال الحكامة بكل مستوياتها.

تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي وضع خطا عريضا على المستعجل من الإصلاحات و على الإستراتيجي منها. فلا مفر من ضغط الإصلاح و تراجع إقتصاد الريع و محاربة كل من يعيق تسجيل تنمية حقيقية و مستدامة للمغرب. صحيح أن بعض المؤشرات تظل إيجابية في المجال المالي و لكن السنوات القادمة ستحمل تحديات تتطلب مواجهتها إرادة إصلاحية كبيرة جدا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *